تعمل الدول في جميع أنحاء العالم على تطوير أسلحة الليزر عالية الطاقة بشكل سريع للمهام العسكرية في البر والبحر وفي الجو والفضاء، حيث إن رؤية أسراب من الطائرات المسيَّرة الصغيرة وغير المكلفة التي تملأ السماء أو تحلق عبر الأمواج تحفِّز الجيوش على تطوير ونشر أسلحة الليزر كبديل عن الدفاعات الصاروخية المكلفة. ويسلط هذا الضوء على الحاجة إلى فهم كيفية عمل أسلحة الليزر فعلياً وفي أي غرض تُستخدَم.
كيف يعمل الليزر؟
يستخدم الليزر الكهرباء لتوليد الفوتونات، أو جزيئات الضوء. وتمر الفوتونات عبر وسط الكسب، وهو مادة تخلق سلسلةً من الفوتونات الإضافية، مما يؤدي إلى زيادة عدد الفوتونات بسرعة. تُركَّز بعد ذلك كل هذه الفوتونات في شعاع ضيق بواسطة مُوجِّه أشعة.
وتقول مجلة Military العسكرية الأمريكية، في العقود التي تلت الكشف عن الليزر لأول مرة في عام 1960، طوَّر المهندسون مجموعةً متنوعة من أجهزة الليزر التي تولد فوتونات بأطوال موجية مختلفة في الطيف الكهرومغناطيسي، من الأشعة تحت الحمراء إلى الأشعة فوق البنفسجية.
وتعتمد أنظمة الليزر عالية الطاقة، ذات التطبيقات العسكرية، على أشعة ليزر الحالة الصلبة التي تستخدم بلورات خاصة لتحويل الطاقة الكهربائية المدخلة إلى فوتونات. أحد الجوانب الرئيسية لأشعة الليزر ذات الحالة الصلبة عالية الطاقة هو أن الفوتونات تُنشَأ في جزء الأشعة تحت الحمراء من الطيف الكهرومغناطيسي، وبالتالي لا يمكن رؤيتها بالعين البشرية.
عندما يتفاعل شعاع الليزر مع سطحٍ ما، فإنه يولد تأثيرات مختلفة بناءً على طول موجة الفوتون، وقوة الشعاع، والمواد المكوِّنة للسطح. تعتبر أشعة الليزر منخفضة الطاقة التي تولد الفوتونات في الجزء المرئي من الطيف مفيدةً كمصدرٍ للضوء للعروض الضوئية في المناسبات العامة. وتتميز هذه الحزم بقوةٍ منخفضة لدرجة أنها تنعكس ببساطة عن السطح دون الإضرار به.
أما أنظمة الليزر عالية الطاقة، فتُستخدَم لقطع الأنسجة البيولوجية في العمليات الجراحية. ويمكن لأشعة الليزر ذات الطاقة الأعلى أن تسخِّن وتبخِّر وتذوِّب وتحرق العديد من المواد المختلفة وتُستخدَم في العمليات الصناعية للحام والقطع. بالإضافة إلى مستوى طاقة الليزر، تُحدَّد القدرة على تقديم هذه التأثيرات المختلفة من خلال المسافة بين الليزر وهدفه.
كيف يتم استخدام أسلحة الليزر؟
استناداً جزئياً إلى التقدم المُحرَز في مجال الليزر الصناعي عالي الطاقة، تجد الجيوش عدداً متزايداً من الاستخدامات لليزر عالي الطاقة. إحدى المزايا الرئيسية لأسلحة الليزر عالية الطاقة هي أن لديها “مخزوناً لا نهائياً”. وعلى عكس الأسلحة التقليدية مثل البنادق والمدافع التي تحتوي على كمية محدودة من الذخيرة، يمكن لليزر عالي الطاقة الاستمرار في إطلاق النار طالما كان مزوداً بالطاقة الكهربائية.
يقوم الجيش الأمريكي بنشر ليزر عالي الطاقة مُثبَّت على شاحنات لإسقاط مجموعة من الأهداف، بما في ذلك الطائرات المسيَّرة والمروحيات وقذائف الهاون والصواريخ. ويُركَّب هذا الليزر بقوة 50 كيلووات على مركبة المشاة القتالية سترايكر، وقد نشر الجيش أربعة من هذه الأنظمة لاختبارها في ساحة المعركة في الشرق الأوسط في فبراير/شباط 2024.
نشرت البحرية الأمريكية أسلحة الليزر عالي الطاقة على متن السفن للدفاع ضد السفن الصغيرة وسريعة الحركة على سطح المحيط، بالإضافة إلى الصواريخ والطائرات المسيَّرة. وقامت البحرية بتركيب سلاح ليزر بقوة 60 كيلووات على المدمرة يو إس إس بريبل في أغسطس/آب 2022.
وتقوم القوات الجوية بتطوير أشعة ليزر عالية الطاقة على الطائرات للمهام الدفاعية والهجومية. في عام 2010، اختبرت القوات الجوية جهاز ليزر مثبتاً على طائرة بوينغ-747 معدلة، وأصاب صاروخاً باليستياً أثناء إطلاقه. وتعمل القوات الجوية حالياً على نظام أسلحة أصغر للطائرات المقاتلة.
ويبدو أن روسيا تعمل على تطوير ليزر أرضي عالي الطاقة “لتعمية” الأقمار الصناعية الخاصة بخصومها.
وقبل عدة أشهر، أعلن الجيش الصيني عن توصله إلى طريقة تساعد في بناء أسلحة ليزر لا تتوقف عن العمل، وهو تطور من شأنه أن يكون بمثابة طفرة كبيرة في تكنولوجيا أسلحة الطاقة إذا نجحت بكين في تنفيذه، فضلاً عن أن تطوير سلاح مثل هذا يدخل في صلب المنافسة بين واشنطن وبكين على بناء أسلحة متطورة بقدرات عالية.
ما حدود أسلحة الليزر وقدراتها؟
يتمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الجيوش التي تستخدم الليزر عالي الطاقة في المستويات العالية من الطاقة اللازمة لخلق تأثيرات مفيدة عن بعد. وعلى عكس الليزر الصناعي الذي قد يكون على بعد بضع بوصات فقط من هدفه، فإن العمليات العسكرية تشمل مسافات أكبر بكثير. للدفاع ضد تهديد مُحتمل، مثل قذيفة هاون أو قارب صغير، تحتاج أسلحة الليزر إلى الاشتباك مع أهدافها قبل أن تتمكن من إلحاق أي ضرر.
ومع ذلك، فإن حرق المواد على مسافات آمنة يتطلب من عشرات إلى مئات الكيلووات من الطاقة في شعاع الليزر. يستهلك أصغر سلاح ليزر نموذجي 10 كيلووات من الطاقة، أي ما يعادل تقريباً ما يلزم لتشغيل سيارة كهربائية. ويستهلك أحدث سلاح ليزر عالي الطاقة قيد التطوير 300 كيلووات من الطاقة، وهو ما يكفي لتزويد 30 منزلاً بالطاقة. ولأن أشعة الليزر عالية الطاقة تبلغ كفاءتها 50% فقط في أحسن الأحوال، فإنها تولد كمية هائلة من الحرارة المهدرة التي يجب إدارتها.
وهذا يعني أن أشعة الليزر عالية الطاقة تتطلَّب بنيةً تحتية واسعة النطاق لتوليد الطاقة والتبريد؛ مما يضع حدوداً لأنواع التأثيرات التي يمكن توليدها من منصات عسكرية مختلفة. تمتلك شاحنات الجيش والطائرات المقاتلة التابعة للقوات الجوية أقل قدر من المساحة لأسلحة الليزر عالية الطاقة، وبالتالي فإن هذه الأنظمة تقتصر على الأهداف التي تتطلب طاقةً منخفضة نسبياً، مثل إسقاط الطائرات المسيَّرة أو تعطيل الصواريخ.
ويمكن للسفن والطائرات الأكبر حجماً أن تستوعب أشعة ليزر أكبر عالية الطاقة مع إمكانية إحداث ثقوب في القوارب والمركبات الأرضية. تتمتع الأنظمة الأرضية الدائمة بأقل قدر من القيود، وبالتالي بأعلى قوة، مما يجعل من الممكن تشويش قمر صناعي بعيد.
هناك حدودٌ مهمة أخرى لأسلحة الليزر عالية الطاقة القائمة على المنصات تتعلق بمفهوم المخزون اللانهائي. نظراً لأن الشاحنة أو السفينة أو الطائرة يجب أن تحمل مصدر الطاقة لليزر، وهذا سيحد من قدرة مصدر الطاقة، فلا يمكن استخدام الليزر إلا لفترة محدودة من الوقت قبل أن يحتاج إلى إعادة شحن بطارياته.
هناك أيضاً حدودٌ أساسية لأسلحة الليزر عالية الطاقة، بما في ذلك انخفاض فاعليتها في المطر والضباب والدخان، التي تبعثر أشعة الليزر. تحتاج أشعة الليزر أيضاً إلى البقاء مقفلة على أهدافها لعدة ثوانٍ من أجل إلحاق الضرر. وتمثل أسلحة الليزر النموذجية الحالية أيضاً تحدياً في الحفاظ عليها في مناطق القتال.