من المكان الذي كان قد أعلن الاحتلال سابقاً أنه “منطقة آمنة” ويجب توجه أهالي شمال غزة إليه٬ أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي الأحد 3 ديسمبر/كانون الأول 2023 عن بدء عملية برية في جنوب قطاع غزة بهدف “القضاء على قيادة حركة حماس” التي كان قد زعم دون أدلة أنها تدير العمليات العسكرية من أسفل مستشفى الشفاء شمال القطاع.
في الوقت نفسه٬نقلت تقارير عديدة٬منها لقناة الجزيرة مساء الأحد عن “مسؤول عسكري” في حركة حماس قوله إن هناك انسحاباً جزئياً لقوات الاحتلال من بعض المحاور شمال قطاع غزة٬ الأمر الذي يبدو تغييراً تكتيكياً لقوات الاحتلال في ظل تركيز الهجوم على الجنوب. فما الذي يحدث على الأرض٬ ولماذا يغير جيش الاحتلال أهدافه وخططه خلال العملية العسكرية في قطاع غزة بين الحين والآخر؟
منهج نتنياهو الشخصي يفسر الكثير.. لماذا تغير إسرائيل أهدافها في غزة؟
يقول نتنياهو، في مذكراته التي صدرت العام الماضي 2022: “أحيانًا تكون الحركة في اتجاه واضح، حتى وإن لم تكن منظمة تماماً أفضل من الركود. الأشياء تفرز نفسها ويتم إجراء التصحيحات كلما تقدمت”. وهذا ما يتمثل بجلاء في شنه حربه الحالية على غزة دون وجود تصور محدد لشكل اليوم التالي للحرب أو مخطط مرسوم لنهايتها٬ كما يقول الباحث الفلسطيني سعيد زياد .
ويضيف زياد أن هذه هي حقيقة الأمر حول أهداف الحرب المتغيرة في غزة، فلا خطة واضحة من البداية، وكل ما يجري منذ بداية الحرب ليس سوى جهد انتقامي في محاولة للنجاة الفردية من هول المحاسبة والعقاب.
هذا على صعيد المسار العام للحرب، أما على صعيد التكتيكات فهناك تخبط أكثر وضوحاً٬ كما يقول الباحث الفلسطيني ٬ فنتنياهو وقادة الجيش المدعومون أمريكياً وغربياً كما لم يكن عليه الدعم والإسناد العسكري يوماً، لا يعرفون ماذا يريدون، فقد هاجموا شمال غزة بثلاث فرق مدرعة، ووضعوا أهدافاً منها مستشفى الشفاء كمركز عمليات المقاومة، وعندما وصلوا مجمع الشفاء تفاجأوا بعدم وجود شيء يذكر.
أسباب التخبط في اتخاذ القرار والعمليات على الأرض
بعد هذا الفشل٬ بدأ قادة الاحتلال يتحدثون حول أن قيادة المقاومة موجودة في خان يونس حيث الجنوب، وعليه قاموا بسحب ثلثي القوات من الشمال، وأعلن الجيش عن بدء العملية البرية في الجنوب، ثم بعد يومين بدأ بشن هجوم على منطقة الشجاعية شمالاً من محورين٬ وعلى مخيم جباليا من ثلاثة محاور، في سلوك غير مفهوم عسكرياً ولا يخضع لمنطق العمليات العسكرية٬ كما يقول زياد.
وهذا يحيله سعيد زياد إلى سببين مهمين؛ الأول هو الصراع الداخلي الذي يصل لدرجة قريبة من انهيار الحكومة، وبالتالي عدم القدرة على التوافق على شيء، حتى إنه لم يعد هناك ظهور مشترك خلال المؤتمرات الصحفية يجمع قادة حكومة حرب الاحتلال.
والسبب الثاني٬ هو أن قرار الاحتلال المضي في الحرب والتحركات المصاحبة له محكوم برغبة شخصية للبحث عن النجاة الفردية، سواء كان ذلك من نتنياهو نفسه، أو من قادة الجيش ومؤسسات الأمن المتهمين بالفشل الذريع في السابع من أكتوبر.
بالتالي إن هذا الشكل من قيادة العدو لا يستطيع اتخاذ قرارات منطقية وعقلانية خلال الحرب، ولا حلّ ممكناً إلا بضغط داخلي أو خارجي يكبح جماح هذا الجنون، الذي سيقود المنطقة إلى حرب كارثية بسبب أهداف شخصية٬ كما يختم زياد قوله.
“إسرائيل” رفعت السقف على نفسها
من جهته٬ يقول الكاتب والباحث الفلسطيني ساري عرابي٬ ٬ إن السبب الأساسي لتغيير إسرائيل أهدافها بين الحين والآخر في حربها على قطاع غزة٬ أنها أدخلت نفسها في حرب كبيرة جداً ووضعت شعارات ذات سقوف أكبر من قدراتها؛ مثل تدمير حركة حماس وليس فقط القضاء على حكمها أو القضاء على إمكانياتها العسكرية.
وسبب هذا الرفع لسقف الأهداف٬ هو طبيعة الضربة غير المسبوقة والاستثنائية في تاريخ الصراع٬ التي تلقتها إسرائيل٬ والتي ضربت الوعي الصهيوني نفسه٬ فكان ليس أمام حكومة نتنياهو وإسرائيل كلها٬ إلا الذهاب نحو حرب كاسرة مع حركة حماس داخل قطاع غزة.
لكن هذه الحرب، بحسب عرابي٬ لم تكن مضمونة النتائج والتحقي؛٬ ولذلك يعتقد أن إسرائيل كان جزء من دوافعها هو دوافع انتقامية٬ وجزء آخر من خلال عمليات إبادة جماعية وإزاحة سكانية شاملة تفضي إلى تهجير الفلسطينيين داخل قطاع غزة٬ بالتالي نتنياهو لا يريد القضاء على حركة حماس فقط٬ ولكن أيضاً على المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة عموماً.
إسرائيل دخلت الحرب برؤية ناقصة وانتقامية
لكن في الوقت نفسه٬ يدرك الإسرائيلي أن المهمة ليست سهلة، بل صعبة ومعقدة جداً، كما يقول عرابي٬ لا سيما إذا احتاج الأمر أن يدخل قواته البرية إلى قطاع غزة٬ وهذا تحدٍ كبير أمام الحكومة وقادة الجيش٬ الذين دخلوا الحرب بأهداف كبرى لكنهم في الوقت نفسه كانوا يقومون بعمليات استطلاع نارية من جهة٬ وعمليات إبادة من أجل الضغط على المجتمع الفلسطيني وتحويله إلى عبء على المقاومة.
لكنه لمّا كان يفشل يتسع خلال محاولات إدخال قوات برية إلى عمق قطاع غزة٬ وكان جيش الاحتلال يقوم بعمليات استطلاع ناري مدمرة٬ والتي هي مخصصة أيضاً لأهداف لوجستية واستراتيجية٬ متعلقة بخطط الحرب٬ وهذا كان يؤدي إلى تغيير الأهداف المعلنة بين حين وآخر٬ بمعنى أنه حينما يتعثر في منطقة ما٬ يقوم بتغيير بعض شعاراته٬ والقليل من أهدافه وخططه على الأرض٬ بناء على مجريات المعركة داخل قطاع غزة.
هذا يعني، بحسب ساري عرابي٬ أن المحتل دخل برؤية ناقصة وانتقامية أكثر وغير واضحة في هذه الحرب٬ بسبب وجود عقبات عملياتية هائلة وقفت في طريقه٬ وسببها صمود الناس وصمود المقاومة٬ ومن ثم كان يضطر إلى تغيير أهدافه بين فترة وأخرى على المستوى العملياتي والعسكري بما ينعكس على الأهداف السياسية لحكومة الاحتلال الإسرائيلي.