استأنف جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوم الجمعة الأول من ديسمبر/كانون الأول 2023، الحرب على قطاع غزة، بعد انتهاء الهدنة المؤقتة، وإخفاق مساعي التوصل إلى اتفاق لتمديدها. ومنذ صباح الجمعة، شنّ الاحتلال غارات عنيفة على عدة مناطق في قطاع غزة، خاصة مناطق الجنوب، مثل خان يونس وحي الشجاعية شرقي مدينة رفح، كما اندلعت اشتباكات ضارية على الأرض، حيث أكدت المقاومة أنها تتصدى لمحاولات إسرائيلية للتقدم.
ومساء السبت، أعلن مكتب رئيس وزراء الاحتلال أن بنيامين نتنياهو أمر رئيس الموساد دافيد برنياع والوفد الأمني المرافق له في الدوحة بالعودة إلى تل أبيب، بعد وصول مفاوضات استئناف الهدنة إلى طريق مسدود.
“حرب اللا خيار”.. إلى متى ستمتد الحرب على غزة؟
يقول موقع أسباب المتخصص بالتحليل السياسي، إن المُعطيات تشير إلى تصميم إسرائيلي على استئناف حرب غزة لأسابيع قادمة، بما يشمل الاقتحام البري لعدة مناطق بجنوب القطاع، وهو ما يبرر القصف العنيف فور انتهاء الهدنة. وهو أمر يخالف بعض التقديرات التي راهنت على أن الهدنة ستجعل استئناف الحرب أكثر صعوبة في ظل الضغوط الدولية والإقليمية التي يتعرض لها الاحتلال.
لا تزال بيئة الصراع غير ناضجة لوقف الحرب على قطاع غزة، بالنظر للعوامل الخارجية والداخلية المؤثرة في مجريات الحرب، وفي القلب منها الموقف الإسرائيلي، حيث يتقاطع المستويان السياسي والعسكري في ضرورة استكمال المعارك.
ويأتي ذلك مع استمرار قدرة السلطات الإسرائيلية على التحكم في الدعاية الموجهة للجمهور الإسرائيلي، والتي تتحرك بالاعتماد على “الصدمة الجماعية” التي أحدثتها عملية “طوفان الأقصى”، التي ولّدت الشعور بـ”التهديد الجماعي الوجودي”، الذي عزّز من الشعور الداخلي لديهم بأنهم أمام “حرب اللا خيار”، وبالتالي ضرورة تجنيد وحشد الدعم المجتمعي الكامل للحرب ولأهدافها العسكرية والسياسية.
وبحسب موقع أسباب، فإن التركيز خلال الأيام الماضية على ملف الأسرى والمحتجزين لدى المقاومة، لن يؤثر على الأرجح على التزام قادة الاحتلال بأهداف الحرب الاستراتيجية. فعلى الرغم من وضع هدف تحرير “الرهائن” ضمن أهداف العملية العسكرية، إلا أن هذا لا يمثل سوى هدف سياسي ضروري للرأي العام المحلي.
لكنّ أولوية المؤسسة الأمنية وقيادة الجيش وحكومة الحرب هي إعادة التأسيس لواقع أمني جديد، وهو ما يتطلب بالضرورة تقويض قدرات حماس العسكرية، وإنهاء حكمها لقطاع غزة، فضلاً عن اتخاذ تدابير أمنية طويلة الأجل في قطاع غزة، مازالت غير واضحة، قد تشمل تقليل عدد سكان القطاع، وفرض مناطق عازلة، وفرض آلية رقابة أمنية إسرائيلية على القطاع تضمن عدم إتاحة المجال للمقاومة لإعادة بناء قدراتها وشن هجمات جديدة.
الحسابات الشخصية لنتنياهو ومستقبل الحرب
يتصرف رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، كسياسي بات بقاؤه في السلطة مهدداً تماماً، لذلك فإن حساباته الشخصية المتعلقة باستطلاعات الرأي وعدد المقاعد في الكنيست، تتداخل مع الحسابات الاستراتيجية، وهو يعتقد في الوقت الحالي أن استمرار الحرب يضمن له البقاء في المشهد السياسي.
لكن بحسب “أسباب”، فمن المبالغة تصور أن حسابات نتنياهو الشخصية تتحكم بمستقبل الحرب؛ حيث إن قيادة الجيش والأجهزة الأمنية ربما تكون أكثر أهمية في هذا الصدد، وتغلب على نظرتها للحرب الأبعاد الاستراتيجية المتفق عليها، والتي سيكون لها تأثير على مستقبل “إسرائيل” ومكانتها.
وفي الوقت نفسه، لا تزال الولايات المتحدة تشكل الغطاء الدولي الداعم واللازم لتحقيق أهداف المعركة الاستراتيجية، في ظل قناعة إدارة بايدن بضرورة استهداف حركة حماس، وخلق واقع أمني جديد في قطاع غزة، وصولاً لاستكمال مشاريع التطبيع والتسويات الشاملة في المنطقة.
أهداف بعيدة التحقيق
مع ذلك، فإن تمسك قيادة الاحتلال بأهدافها الاستراتيجية لا يعني أن مدى نجاحها في تحقيقها بات مضموناً؛ حيث تبرز عوامل مضادة من شأنها أن تعيق أجندة الاحتلال وتترك مستقبل الحرب مفتوحاً على عدة سيناريوهات.
من هذه العوامل، قدرة المقاومة على الاحتفاظ ببنيتها الاستراتيجية والدفاع عنها، فضلاً عن إعاقة أهداف الاجتياح البري، ومدى صلابة الموقف الإقليمي الرافض لبعض هذه الأهداف، والتي قد تؤدي لمزيد من توسع المواجهة إقليمياً، خاصة إعادة احتلال القطاع وخطط التهجير التي تتوقف أيضاً على موقف أهل غزة أنفسهم. كما أن استمرار مستوى الدعم الأمريكي ليس مسلَّماً به كلما اقتربت الانتخابات الرئاسية.
بالإضافة لذلك، فإن العوامل الاقتصادية الخاصة بالاحتلال، والضغط الدولي، وضغط عائلات الأسرى والمحتجزين، وتطورات المواجهات في الضفة الغربية، قد تؤثر أيضاً على وتيرة العملية العسكري نفسها وحدودها، لكن تأثيرها على الأهداف الاستراتيجية إزاء وضع غزة سيكون أقل مقارنة بالعوامل الأخرى السابقة.