مع كثرة الأخبار الخاصة بالحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، لما يقارب الشهرين، سواء تلك التي يتم نشرها عبر وسائل الإعلام أو منصات مواقع التواصل الاجتماعي، يصبح من المحتمل أن يعاني عدد كبير من الأشخاص من حالة يطلق عليها في علم النفس “التخدير الإعلامي”.
إذ يكون المتلقي في هذه الحالة قد وصل لمرحلة التعود على ما يشاهده ويقرأه من أخبار، ليصل إلى درجة من عدم الاهتمام الكامل، وهو ما يقلل من تفاعله.
ومن أجل تفادي التخدير الإعلامي، أطلق عدة نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد مرور ما يزيد على شهر من الأحداث، وسماً جديداً، وهو “كي لا نتعود”، يعيد حس المسؤولية بالدفاع عن القضية الفلسطينية بالرغم من تكرار المشاهد والأخبار يومياً.
ما هو التخدير الإعلامي؟
يحدث التخدير الإعلامي عندما توفر وسائل الإعلام قدراً هائلاً من التغطية الصحفية حول موضوع محدد، بحيث يصبح الجمهور غير مبالٍ بالأحداث، وغير قادر على التصرف بشكل حكيم وبناء رأي قوي، بناءً على المعلومات التي يتعرض لها، بغض النظر عن مدى إلحاح المشكلة التي تكشف عنها هذه التغطية الإعلامية.
وتشير هذه الحالة إلى النظرية التي تشير إلى أن الإكثار من تلقي معلومات معينة لفترة طويلة يؤدي إلى انعدام الاهتمام بها، وهنا يتم استبدال المعرفة بالعمل، ما يعني تراجع محاولة الفهم، والاكتفاء بالاستهلاك فقط.
إذ يكون الشخص في هذه الحالة مجرد متابع لقضايا ومشاكل المجتمع، حسب الأخبار التي يتم الحديث عنها والموضوع المرتبط بها، دون محاولة التدخل، أو إبداء رأي أو القيام بأي فعل يساهم في حل هذه المشاكل، على المدى القريب أو البعيد.
ومن هناك يمكن أن يصيب الشخص حالة نفسية أخرى يطلق عليها “الخلل الوظيفي”، بحكم الإهمال الفعلي للمجتمع، وسيطرة اللامبالاة على التصرفات وردود الفعل.
كيف يحدث التخدير الإعلامي؟
يحدث التخدير الإعلامي عند الشعور بأن هناك خللاً في طريقة التوصل بالمعلومات حول حدث معين سواء عليه نقاش، أو مثير للجدل، وغالباً ما يكون هذا الخلل في هذه الحالة وكثرتها، وتصدير معلومات كثيرة عنها.
إذ يمكن أن يؤدي هذا الشعور بحالة من عدم الاهتمام بالمشهد السياسي، أو المجتمعي، والتفكير في احتمالية أنه لا حاجة لنا بمعرفة تفاصيل زائدة أو معلومات أخرى، سواء عبر وسائل الإعلام، أو مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد كان عالم الاجتماع النمساوي بول فيليكس لازارسفيلد قد حدد هذا المصطلح في مقالاته سنة 1948، ووصفه بأنه عبارة عن نوع من الاتصال الجماهيري والذوق الشعبي مع العمل الاجتماعي الشعبي، الذي قد يتحول بفعل كثرة المعلومات إلى سلوك سلبي قد يضر بالنشاط الاجتماعي للشعوب.
طرق تفادي الوقوع في فخ التخدير الإعلامي
هناك مجموعة من الطرق والخطوات البسيطة، التي إذا تم الالتزام بها، عند متابعة الأخبار الخاصة بالمواضيع المهمة والمتكررة بشكل دائم، ستساعدنا في تفادي الوقوع في فخ التخدير الإعلامي، ما يجعلنا قادرين على المتابعة بشكل صحي، والتحرك بشكل إيجابي من أجل المساعدة أو إبداء رأي واعٍ على سبيل المثال.
وتتمثل هذه الخطوات فيما يلي:
1- تطوير الوعي الإعلامي، من خلال معرفة أين يكمن التأثير السلبي والإيجابي لوسائل الإعلام.
2- تنويع المصادر التي يتم من خلالها الحصول على الأخبار، لتجنب الوقوع في حالة التأثير الواحد، التي تخلع نوعاً من النمطية في طريقة الوصول إلى المعلومة.
3- تطوير مهارات التفكير النقدي، من أجل التمكن من تقديم نقد سليم للمحتوى الإعلامي عبر مختلف المنصات.
4- ممارسة التواصل الاجتماعي البناء، الذي يساعد على نقاش الأفكار التي تفرضها الحالة التي يتم تتبعها عبر وسائل الإعلام، والشعور بحاجة إلى معرفة تفاصيل دائمة لإغناء هذا النقاش، ومواكبته بشكل مستمر.
5- متابعة منصات إخبارية متوازنة قادرة على تقديم معلومات دقيقة.
6- التقرب من القصص الإنسانية الخاصة التي تكشف تفاصيل جديدة عن الموضوع، وذلك من أجل الارتباط بشكل مختلف مع القضية التي تثار عبر الإعلام.