أبو علي الحسين ابن سينا، عالم وطبيب وفيلسوف مسلم، يعد أحد أهم المفكرين الموسوعيين في العصور الوسطى والمرجع الأساسي للكثير من العلوم لعدة قرون، نشأ وتعلم في بخارى، ونبغ في العديد من العلوم والمعارف قبل سن العشرين، إذ طاف البلاد وناظر العلماء واتسعت شهرته، وعمل في السياسة وتقلد الوزارة، وكان يُنفى تارة ويسجن تارة أخرى حتى أنه اتُّهم بالإلحاد والزندقة.
ترك تراثا ضخما من المؤلفات المحفوظة في مكتبات الشرق والغرب، جزء منها طبع وبعضه لا يزال مخطوطا، وكثير منها اختفى بلا أثر، وبعضها ترجم إلى اللاتينية في أيامه، وللفرنسية والصينية والأيرلندية حديثا، بالإضافة إلى لغات أخرى.
يلقب في الشرق وبين تلاميذه وأتباعه بـ”الشيخ الرئيس” و”أرسطو الإسلام” وفي الغرب بـ”أمير الأطباء” و”أبو الطب”، وصفه المؤرخون بأنه كان يمتلك عقلا نبيها وفطنا كالأديب يوهان غوته، ويتسم بعبقرية وإبداع الفنان ليوناردو دافنشي، وساهم بكفاءته وعلمه النابغ في نهضة الحضارة الإسلامية وتقدمها وارتقائها، وقدم إنتاجا علميا لا يزال العالم يعتمد عليه حتى اليوم.
المولد والنشأة
ولد الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي المشهور بـ”ابن سينا” عام 980 ميلادي (370 هجري) في قرية أفشنة الواقعة الآن بمنطقة أوزبكستان، حيث تنسب إليها والدته وتسمى “ستارة” وفي رواية “استنارة”.
أما والده فكان من بلخ (في أفغانستان)، ثم انتقل إلى بخارى وتولى العمل بإحدى قراها ويقال لها “خرميثن”، ثم عمل محاسبا في جمع الضرائب بالمدينة التي استقر فيها مع أسرته عام 985 ميلادي (375 هجري)، وكان حينئذ في الخامسة من عمره.
نشأ الصبي الحسين في أسرة علم كان بيتها ملتقى لرجال العلم المشهورين وذات مركز سياسي في البلاط الساماني زمن نوح بن منصور الملقب بـ”أمير خراسان”، لكن هوى نجمها لما مات الأمير عام 997 ميلادي (387 هجري).
وعندما بلغ الـ22 من عمره فقد أباه، فاضطربت حياته وتغير وضعه، فثقلت عليه الإقامة في بخارى ورحل عنها، وكانت الأوضاع السياسية تضطره إلى تغيير موطنه والارتحال من بلد إلى آخر، وكان يتلقى فيها التشريفات أحيانا، ويعيش عيشة بائسة أحيانا أخرى، ويقتات في أطوار مختلفة مما يتلقاه من أجر نظير خدمات طبية يقدمها للمرضى.
شخص ابن سينا كما روي عنه
يحكى عنه أنه كان يحب الأنس والأطعمة الفاخرة، فكان كل ليلة بعد نهاية الدرس يستقدم العازفين ويمد الموائد الممتعة ويقضي كذلك طرفا من الليل مع تلاميذه وأحبابه، إذ أبان شعره أنه لم يكن من الزهاد.
اختلف الباحثون في عقيدته، بين من قال إنه مسلم مخلص في إسلامه، ومن اتهمه بالكفر والزندقة، فكان يرد على الذين اتهموه في دينه “إن تكفير مثلي ليس بالأمر الهين، ولا يوجد إيمان أقوى من إيماني، أنا وحيد دهري وأكون كافرا، إذن لا يوجد في العالم كله مسلم واحد”.
أثبتت الرسومات الشارحة التي حفلت بها مخطوطاته أنه كان رساما موهوبا، كما كان أديبا وشاعرا وموسيقيا يحسن العزف على العود، وعني بالموسيقى سماعا ودراسة نظرية، ونسب إليه علي واجد خان اختراع آلة الطنبور في كتابه “مطلع العلوم”، وهناك من نسب إليه اختراع العود.
كان متقنا الفارسية والعربية لغة العلم حينها، ويظهر من أخباره أنه تميز بذاكرة قوية، وذكاؤه كان من النوع الذي يظهر قبل أوان ظهوره عند أشباهه في السن والمواهب، وكان طموحا وشديد الاعتداد بنفسه، ويتمتع ببنية جسمانية قوية وبحدة النظر والسمع.
وحفظ ابن سينا سيرته في مرحلة ما من سنوات عمره الأخيرة، حيث أملاها على تلميذه أبو عبد الله الجوزجاني الذي لازمه أكثر من 25 سنة.
التكوين العلمي
كان ابن سينا منذ الصغر شغوفا بالعلم والمعرفة، وقد أظهر نبوغا مبكرا تفوق به على أقرانه، ويقول عن علوم نشأته الأولى “لقد أحضر والدنا لي ولأخي الوحيد معلما للقرآن وآخر للآداب، ولقد استطعت أن آتي على القرآن حفظا، وتعلمت الكثير من نصوص الأدب وأنا لم أكمل العاشرة من عمري بعد، وهذا ما أثار إعجاب المعلمين بصورة كبيرة”، حتى أن معلمه امتحنه أمام والده في حفظه، ففاجأه بأنه حفظ أيضا ألف بيت من الشعر وعشرين رسالة من رسائل الحكماء (الأطباء) والعلماء.
كان الصبي يلتقط العلوم بشكل سريع، فاختار له والده خيرة من يقوم بتعليمه، فأخذ اللغة من أبي بكر الخوارزمي، والفقه على يد محمد إسماعيل الزاهد، وتعلم الحساب من بقال يدعى محمود المساح “وكان عالما في الحساب والجبر والمقابلة” كما وصفه البيهقي.
بعد ذلك أتى إلى بخارى رجل اسمه أبو عبد الله الناتلي كان يُدعى “المتفلسف”، فقرأ عليه كتابي إيساغوجي في علم المنطق والمجسطي في علم الهيئة والجغرافيا، وتعلم منه مطلع “كتاب العناصر” في علم الهندسة، ثم تولى بنفسه حل بقيته، ولما سبق معلمه وفاقه علما فارقه ونصح والده بألا يشغله بغير العلم.
بلغ الفيلسوف الصغير من الولع بالعلوم حدا جعله يدرسها بنفسه ويجتهد في تحصيلها، ويقول “صارت أبواب العلم تنفتح علي”، ثم يصف حاله في تلك الفترة “ومهما أخذت أدنى نومة أحلم خلالها بالمسائل التي شغلتني في يقظتي حتى أن كثيرا منها اتضحت وجوهها في المنام”.
وهكذا عرف في عصره بعلمه وذكائه وتصانيفه حتى لقب بـ”العالم الصغير” وهو لم يتجاوز الـ18 من عمره، ولما بلغ سن الـ21 كان قد ملك زمام العلوم المعروفة في عهده فلقب بـ”الشيخ الرئيس”، وصار التأليف والتصنيف من أبسط الأمور وأسهلها وأسرعها لديه.
دراسة الطب والفلسفة
درس ابن سينا علم الطب وهو دون سن الـ15 في أنفس الكتب، وكان يراجع أبا سهل بن يحيى صاحب كتاب “المئة في الطب” وأبا منصور الحسن بن نوح القمري كما جاء في بعض الروايات.
وما إن بلغ سن الـ16 حتى أحكم هذا العلم، وأصبح من أعلام الطب في عصره، يقول في مذكراته “ليس الطب من العلوم الصعبة أبدا، فقد برزت فيه في أقل مدة حتى بدأ الأطباء يقرؤون علمي، وتعهدت المرضى ففهمت من تجربة علاجهم الكثير”.
وقد وصفه المؤرخ بن خلكان بالقول “وتعلّمه (أي الطب) حتى فاق فيه الأوائل والأواخر في أقل مدة، وأصبح عديم القرين فقيد المثيل، وفي مدة اشتغاله لم ينم ليلة واحدة بكمالها، وكان إذا أشكلت عليه مسألة توضأ وقصد المسجد الجامع، وصلى ودعا الله عز وجل أن يسهلها عليه ويفتح غلقها له”، وقيل إن مسلكه هذا كان دليلا على العاطفة الدينية القوية في نفسه، وأن إيمانه كان جزءا من عبقريته.
لما شاعت شهرته استدعاه سلطان بخارى ليتولى علاجه من مرض عضال، فنجح فيما عجز الأطباء عن تحقيقه وهو حينئذ في سن الـ17، فقرّبه وسمح له باستخدام مكتبته، ويقول “بدخولي إلى هذه المكتبة وكأنني نفذت إلى عالم كبير مليء بالعلوم والمعرفة”، وقد حدث أن أحرقت المكتبة فاتهمه خصومه بأنه أحرقها حتى يتفرد بما وعته من الحكمة وأن ينتفع بعلومها دون سواه.
بعد ذلك بدأت رحلة “أمير الأطباء” مع الفلسفة، وكان عليه تعلم علم الطبيعة أولا حتى يدرك ما وراءها، لكن ميتافيزيقيا أرسطو (علم ما وراء الطبيعة) سببت له مصاعب كبيرة، إذ قرأها 40 مرة حتى صارت لديه محفوظة، ولم يستطع فهمها إلا بعد قراءة مصنف الفارابي.
في سن الأربعين حفزته كلمة سمعها من أبي منصور الجبائي وكان قد خاض معه في حديث اللغة فقال له “إنك حكيم، ولكنك لم تقرأ من اللغة ما يرضي به كلامك”. ثم أقبل على دراسة كتب أسرار العربية ثلاث سنين حتى واجه الجبائي بعد سنوات بما أفحمه واستغلق عليه.
الحياة المهنية
بدأ “الشيخ الرئيس” حياته المهنية كاتبا وطبيبا في بلاط نوح بن منصور سلطان بخارى، وكان أول حكيم (طبيب) توسم بخدمة الملوك بعد سقوط دولة السامانيين، انتقل إلى كركانج (عاصمة خوارزم) عام 1002 ميلادي، وعاش في قصر شاه علي بن مأمون فقيها وعالما.
في جرجان تقدم إلى أميرها قابوس قبل سجنه، وعمل طبيبا فعاش مكرما من أجل ذلك، وتعرّف هناك على رجل يسمى الشيرازي، فاشترى له دارا بجواره أقام فيها فترة لإلقاء الدروس على طلابه.
ثم سافر إلى الري (قرب طهران) وليس معه ما ينفقه على نفسه، وعُيّن في منصب حكيم الدولة في بلاط الملك مجد الدولة، وبعدها انتقل إلى قزوين حيث حصل على أسباب العيش بواسطة التطبيب.
بعد ذلك توجه إلى همذان عام 1012 ميلادي، حيث اختاره الأمير أبو طاهر شمس الدولة طبيب البلاط والوزير الأعظم، فخصص النهار للشؤون العامة والليل للشؤون العلمية، لكن وزارته لم ترض الجند فأسروه وطلبوا قتله فأقصي من منصبه، وبعد فترة أعيدت إليه الوزارة مرة أخرى، لكنه تركها بعد وفاة الأمير.
ثم كان في خدمة علاء الدولة أمير أصفهان حوالي 14 عاما، منشغلا في النهار بواجبات البلاط طبيبا ومسؤولا عن الإدارة في الدولة، وفي ليالي الجمعة بعقد المجالس مع علماء البلدة، فيما كان يقضي الليل مع طلابه، وتبع الأمير في رحلاته ومغامراته العسكرية، لكنه تمكن خلالها من إتمام أهم مؤلفاته.
التأليف والإنتاج العلمي
بدأ ابن سينا إنتاجه العلمي والفكري مبكرا، ففي سن الـ17 ألّف كتاب “معتصم الشعراء في العروض”، وفي الـ21 من عمره ألّف كتاب “المجموع” ويعرف بـ”الحكمة العروضية”، وكتاب “الحاصل والمحصول” في عشرين مجلدا ولا توجد منه حاليا إلا النسخة الأصل، ثم كتاب “البر والإثم” في مجلدين.
وكتب أهم تصنيفاته في أوقات الهدوء التي كان يغتنمها في بلاط جرجان والري وهمذان وأصفهان، يقول تلميذه إنه كان يملي عليه كل يوم خمسين ورقة دون أن ينظر في كتاب.
من أشهر أعماله خلال هذه الفترة: “الشفاء” و”القانون في الطب” وقد لخصه في قالب شعري، فألّف “الأرجوزة في الطب” وتشمل 1329 بيتا ترجمت إلى اللاتينية ونشرت أخيرا مع ترجمة فرنسية وتعليقات عليها.
وكذلك كتاب “المعاد”، وكتاب “علم التشريح” وطبع في البندقية عام 1562 ميلادي في 590 ورقة، ولا يزال الأسلوب العلمي التشريحي الذي قدمه به منذ ألف عام هو المعتمد في أكثر الجامعات في عصرنا هذا.
كما كان يكتب مؤلفاته أحيانا خلال السفر وأحيانا خلال محبسه وأحيانا أخرى أثناء الفراغ من عمله الوزاري، فقد كتب “النجاة” وهو في طريقه إلى سابور خواست، وكتب “الهداية في الحكمة” وهو محبوس في قلعة فردجان، وفيها كتب أيضا “القولنج” وقصة “حي بن يقظان” التي تعتبر المرجع الأول لكثير من الروايات العالمية كرواية “روبنسون كروزو” لدانييل ديفو، وأعاد صياغتها ابن طفيل بعد مئتي عام.
من مؤلفاته أيضا كتاب “الأنصاف” شرح فيه كتب أرسطو، ولم تتبق منه إلا ثلاثة أجزاء مبعثرة، كما ألّف في أصفهان عمله الأخير “شريعة الشريعة”.
ينسب إلى ابن سينا تأليف 406 مؤلفات باللغة العربية و32 مؤلفا باللغة الفارسية، أهمها كتاب “الحكمة العلائية” كما ذكر العالم الإيراني سعيد نفيسي، فيما كتب يحيى مهدوي في كتابه “فهرست مصنفات ابن سينا” أن عدد مؤلفاته بلغ 242 رسالة وكتابا ومقالة.
وله في فهارس مكتبات العالم أكثر من 160 مؤلفا محفوظا إلى يومنا هذا، بعضها في مكتبات القاهرة وبغداد ودمشق، لكن أكثرها محفوظ بإسطنبول، إذ تضم مكتبة السليمانية 600 نسخة مخطوطة عن جميع أعمال ابن سينا المعروفة، ويعود تاريخ بعضها إلى القرن الـ11.
أشهر المؤلفات
من بين أهم مؤلفات ابن سينا -الذي يسميه الغرب “أفيسين”- كتابان جامعان نالا شهرة واسعة دون غيرهما، أولهما كتاب “الشفاء” الذي ترجم إلى اللاتينية، ولا يزال الأصل العربي لهذا المصنف موجودا إلى اليوم، ونسخة منه كاملة محفوظة بجامعة أكسفورد.
وهو دائرة معارف فلسفية في 18 مجلدا و280 جزءا استغرق ابن سينا في تأليفها قرابة 8 سنوات كما يذكر تلميذه الجوزجاني الذي تكفل بأمر كتابته، وتشير بعض المصادر إلى أنه كتب ما يقارب مئة صفحة منه دون الاستعانة بأي مصادر في ليلة واحدة.
والمرجع الآخر هو كتاب “القانون في الطب” أكبر كتب ابن سينا حجما وأعظمها شهرة، وهو مؤلف في خمسة كتب، ويقول عنه “لقد مثّل هذا الكتاب عملي الرئيس في الطب، وهو يدور حول الأمراض المختلفة وكيفية تشخيصها وعلاجها”.
وظل الكتاب لخمسمئة عام المرجع العملي والأوحد في الطب في كثير من أرجاء أوروبا، فاعتمد في جامعة “لوفان” ببلجيكا وجامعة مونبلييه في فرنسا حتى منتصف القرن الـ18، ولا يزال يدرّس ويطبق في إيران وباكستان.
وفي القرن الـ12 ترجم إلى اللاتينية في طليطلة، وترجمت أجزاء منه إلى الفرنسية والألمانية والإنجليزية وغيرها من اللغات، وتوجد منه نسخة مطبوعة في البندقية عام 1512 باللغة اللاتينية لكن بحروف قوطية، وأخرى مترجمة إلى اللغة اللاتينية طبعت في مدينة بال بسويسرا عام 1556.
وتضم المكتبة التراثية في مكتبة قطر الوطنية نسخا تاريخية نادرة عن كتاب “القانون في الطب” وترجماته المختلفة، منها مخطوط أصلي باللغة العربية خُطَّ عام 1025 في خمسة مجلدات، ونسخة لاتينية مذهبة أنتجت في ستراسبورغ بفرنسا عام 1473، ومخطوط كامل مصور من الترجمة اللاتينية للإيطالي جيرارد كريمونا عام 1498، وكذلك أول نسخة مطبوعة باللغة العربية، وهي نسخة نادرة طبعت في مطبعة ميديشي الشرقية بروما عام 1593، وكانت مملوكة لطبيب سرياني أضاف تعليقاته الخاصة إلى هوامش الكتاب.
أبرز إنجازات ابن سينا
لابن سينا الكثير من الابتكارات التي ما زال يعتمد عليها في الطب الحديث، ومنها:
- ابتكر استعمال كيس الثلج عند الحمى المحرقة (التيفوئيد)، وقد طورت هذه الطريقة في ما بعد بشكل أنابيب.
- حقن الدواء بالإبر تحت الجلد واستعمال التخدير في العمليات الجراحية، ويعدان أهم اكتشافين في الطب الباطني والطب الجراحي.
- اكتشف أن الجنين يأخذ مقومات حياته من شريانين في المشيمة، ويرد بطريق واحد متصل بحبل السرة، وهو أول من شرح قلب الجنين وقسّمه إلى الأقسام المعروفة في عالم الطب اليوم.
- يعد أول من وصف التهاب السحايا الأولي وصفا صحيحا، واكتشف الشعور واللاشعور، وانتبه إلى أثر المعالجة النفسية في الشفاء.
- اكتشف العدوى وكيفية انتقال الأمراض كالجدري والحصبة، وقال إن الماء يحتوي على حيوانات صغيرة جدا لا ترى بالعين المجردة تسبب بعض الأمراض، وهو ما أكده فان ليوتهوك في القرن الـ18 والعلماء المتأخرون من بعده بعد اختراع المجهر.
- اكتشف طفيل “الإنكلستوما” وسماه الدودة المستديرة، وسبق بذلك الإيطالي دوبيني بنحو 900 سنة.
- كان يعالج تشوهات السلسلة الفقرية بالرد العنيف، وهي طريقة أعاد إدخالها في العلاج الجراح الفرنسي مالو عام 1896.
- وصف السكتة الدماغية الناتجة عن كثرة الدم، مخالفا بذلك ما استقر عليه أساطين الطب اليوناني القديم.
- أضاف إلى “علم التشريح” الطريقة العلمية الصحيحة في الشرح والوصف، كما أغناه بتحقيقاته وأوصافه، ومنها ما لا يزال صالحا حتى الوقت الحالي.
- عرف تقلص الحدقة واسترخاءها، وكان عالما في “علم النبض”.
الآثار
ترك ابن سينا أثرا كبيرا في عالم الطب والفلسفة والأدب، واحتفاء بما قدمه خلال مسيرته لا يزال ذكره حاضرا في كثير من الأماكن والمناسبات، ومنها:
- يحتفل محرك البحث غوغل في أغسطس/آب كل عام بذكرى ميلاد العالم ابن سينا، لما له من فضل على البحوث العلمية.
- سيرة ابن سينا التي أملاها على تلميذه محفوظة في ثلاثة كتب، وهي “أخبار العلماء بأخبار الحكماء” للقفطي و”تاريخ حكماء الإسلام” للبيهقي و”عيون الأنباء في طبقات الأطباء” لابن أبي صبيعة، ويحتفظ المتحف البريطاني بترجمتها ضمن مخطوطاته.
- عام 1937 كانت تركيا أول دولة تحتفل بذكرى مرور 900 عام على وفاة ابن سينا، ونشرت في المطبعة الأميرية كتابا عن حياة الفيلسوف وأعماله، وعرضت كتبه المخطوطة والمطبوعة في المعهد البيولوجي.
- كما احتفلت أوزبكستان بالذكرى الـ900 لوفاة ابن سينا، وجمعت نماذج نادرة لمؤلفاته بالعربية والعبرية واللاتينية في مكتبة طشقند، وطبعت نشرة تضمنت مقالات عدة عنه.
- احتفلت جامعة السوربون بابن سينا بمناسبة ذكرى مرور ألف عام على ميلاده عام 1952.
- أقامت الجامعة العربية مؤتمرا لإحياء ذكرى ألف عام على مولده في بغداد عام 1952.
- عام 1953 نشر كتاب يشمل الخطب بالعربية التي ألقيت في احتفالات طهران وهمذان، وشاركت فيها العديد من الدول تقديرا وتكريما لذكرى “الشيخ الرئيس”.
- أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) قرارا في دورتها الـ20 عام 1978 دعت فيه الدول الأعضاء إلى الاحتفال بالذكرى الألفية لمولد ابن سينا.
- أصدرت لجنة احتفال اليونسكو عام 1980 كتابا تضمن جزء منه ما قاله الأقدمون في ابن سينا، والجزء الثاني ضم المحاضرات والدراسات والبحوث التي ألقيت في احتفالات الذكرى الألفية لمولد ابن سينا.
- لا تزال صورة ابن سينا تزين كبرى قاعات كلية الطب في جامعة باريس حتى الآن تقديرا لعلمه واعترافا بفضله وسبقه، وأخرى على جدران مكتبة جامعة أكسفورد بين أعظم رجال العالم وفلاسفتهم.
- نحت لابن سينا تمثال في جامعة السوربون الفرنسية.
قالوا عن ابن سينا
قال عنه المؤرخ شمس الدين بن خلكان “كان نادرة عصره في علمه وذكائه، إن فضل ابن سينا الوحيد على العلم هو أنه جمع في صدره شتات الحكمة وهضم نتاج المفكرين الأقدمين بقدر ما سمحت له الظروف، وزاد عليها ورقّاها”.
ووصفه المؤرخ البلجيكي ألفريد جورج ساتون فقال إنه “ظاهرة فكرية عظيمة، ربما لا نجد من يعادله في ذكائه ونتاجه الفكري الذي يعد مرجعا في الفلسفة في القرون الوسطى، ولست أدري كيف اتفق لابن سينا أن ينتج هذا الإنتاج الضخم وسط حياته القلقة المضطربة، فلم يكتب كتبه -التي بلغت 276- في بلد واحد ولا في فترة متصلة ولا في دولة واحدة، وإنما كان يحرر رسائله الصغيرة أثناء رحلاته”.
وكتب فيه عباس محمود العقاد “كان رجلا عظيم الذكاء عظيم الشهرة عظيم الاعتداد بالنفس عظيم النشاط ممتلئا بالحياة، لا حيلة له في اجتناب مراتب الرفعة لأنه طبيب مشهور وفيلسوف مشهور، فلو ترك الأمراء والرؤساء لما تركوه”.
وقال عنه المؤرخ الألماني دي بور “كان تأثير ابن سينا في الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى عظيم الشأن، واعتبر في مقام أرسطو”.
المؤرخ وعالم الطبيعة البريطاني جون هولميارد قال إن “علماء أوروبا يصفون أبا علي بأنه أرسطو طاليس العرب، ولا ريب في أنه عالم فاق غيره في علم الطب وعلم طبقات الأرض”.
وقال الفيلسوف الإنجليزي روجر بيكون عنه “تحددت الفلسفة باليونانية على يد أرسطو، ثم تحددت بالعربية على يد ابن سينا”.
وذكره الطبيب المؤرخ الأميركي كامستون قائلا “يعتبر ابن سينا معجزة من معجزات العقل الراجح، ويجوز أنه لم يسبقه ولم يظهر بعده من العلماء من يدانيه في حدة الذكاء وسرعة نبوغ العقل بالنسبة للعمر مع عزم ونشاط لا يعرف الملل وهمة شاسعة الحدود”.
وكتب أبو القاسم الشيرازي الكازروني عنه “كان تلميذا لتصانيف الفارابي وأستاذا للحكماء الإسلاميين، ولم ينتفع أهل الحكمة النظرية والأطباء بعد أرسطو طاليس وأفلاطون من أحد مثلما انتفعوا من آثاره وتعليقاته، ولذا لقبوه بالشيخ الرئيس”.
الوفاة
توفي ابن سينا عن سن ناهز 58 عاما يوم الجمعة الأولى من شهر رمضان سنة 428 هجرية (1037 ميلادية)، وحكى ابن الأثير في تاريخه الكبير أنه توفي بأصفهان، فيما ذكر أغلب المؤرخين أنه توفي ودفن في همذان (الواقعة في إيران) أثناء سفره مع أميرها، وجاء في بعض الروايات أنه مات في السجن.
وكان سبب وفاة ابن سينا داء القولنج (داء الحبس/ إمساك شديد)، إذ كان يبالغ في أخذ الحقن والأدوية لمعالجته، فسببت له تقرحا في أمعائه، وقيل إنه في مرض وفاته “اغتسل وتاب، وتصدق بما معه على الفقراء، ورد المظالم على من عرفه وأعتق ممالكه وجعل يختم القرآن كل ثلاثة أيام”.