حزب سياسي عربي بدأ قوميا اشتراكيا ورفع شعار “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة” وانتهى علمانيا. حكم العراق لأكثر من أربعة عقود وأسقطه الغزو الأميركي من رأس السلطة عام 2003، وطاردته الحكومات الجديدة في بنيات الدولة وهياكلها، وأُعدم أبرز رموزه “صدام حسين” عام 2006.
النشأة والتأسيس
تأسس حزب البعث العربي في بداية الأمر بسوريا في أبريل/نيسان 1947 على يد المفكر والسياسي ميشيل عفلق -الذي ترأسه في البداية- وصلاح البيطار، وجلال السيد ووهيب الغانم وزكي الأرسوزي، وأصدروا مجلة باسم البعث.
وبعد توسع فروع الحزب في عدد من الأقطار العربية باتت له قيادتان؛ الأولى قومية تشرف على التنظيم العربي العام، والثانية قيادة قُطرية للحزب على مستوى كل دولة.
وفي هذا السياق بدأ التأسيس لحزب البعث العراقي بالتدريج، إذ بدأت المرحلة الأولى بنشر أفكار الحزب بين العراقيين في أواخر الأربعينات عبر قناتين رئيسيتين: الطلبة العراقيون الذين كانوا يدرسون في سوريا ولبنان واعتنقوا الفكر البعثي، والمعلمون السوريون البعثيون الذين كانوا يُدرسون بالمدارس والجامعات العراقية.
اعترفت القيادة القومية لحزب البعث في سوريا بفرع العراق عام 1952، وتشكلت أول قيادة قُطرية يتزعمها “فؤاد الركابي” بصفته أمين السر، برفقة فخري ياسين قدروي وجعفر قاسم حمودي وشمس الدين كاظم ومحمد سعيد الأسود.
ولم يكن عدد أعضاء الحزب يتجاوز حينها 100 بسبب هيمنة أحزاب أخرى، وخاصة الحزب الشيوعي، على المشهد الحزبي العراقي، وعدم تجاوب العراقيين مع أفكار البعث ومبادئه.
غير أن الأمر اختلف بعد منتصف خمسينات القرن العشرين، إذ تمدد الحزب وسط المجتمع العراقي، وخاصة بعد الانقلاب على الملكية عام 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم.
الفكر والأيديولوجيا
تبنى الحزب الأم في البداية التوجه القومي العربي والفكر الاشتراكي، وأعلن في مؤتمر تأسيسه عام 1947 شعار “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”، واعتمد ثلاثة مبادئ، وهي الوحدة والحرية والاشتراكية، وثلاثة أهداف، وهي:
- النضال ضد الاستعمار من أجل تحرير الوطن.
- العمل على توحيد العرب في دولة واحدة ذات سيادة.
- بعث الواقع العربي عن طريق الانقلاب على ما يسوده من فساد.
كما كرس حزب البعث العراقي نظام الحزب الواحد، وراهن على أن تحقيق الاشتراكية شرط أساسي لبقاء الأمة العربية ولإمكان تقدمها، ونادى بفصل العروبة عن الإسلام، وفصل الدين عن السياسة، وترجم ذلك في تجريد الدستور العراقي من كل ما يمت للإسلام بصلة، وباتت العلمانية دستور العراق ومعتقدات البعث ومبادؤه مصدر التشريع.
توصيات
ورد في التوصية الرابعة من توصيات مقررات المؤتمر القومي الرابع: يعتبر المؤتمر القومي الرابع الرجعية الدينية إحدى المخاطر الأساسية التي تهدد الانطلاقة التقدمية في المرحلة الحاضرة، ولذلك يوصي القيادة القومية بالتركيز على النشاط الثقافي والعمل على علمانية الحزب، خاصة في الأقطار التي تشوه فيها الطائفية العمل السياسي.
كما يؤكد ذلك ما ورد من توصيات في التقرير المركزي لمؤتمر الحزب القطري التاسع ببغداد في شهر يونيو/حزيران سنة 1982، ومنها:
- أما الظاهرة الدينية في العصر الراهن، فإنها ظاهرة سلفية ومتخلفة في النظرة والممارسة.
- حزب البعث العربي الاشتراكي، حزب قومي علماني انقلابي له طروحات فكرية متعددة يتعذر الجمع بينها أحيانا فضلا عن الإقناع بها.
- الرابطة القومية عنده هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدولة العربية، التي تكفل الانسجام بين المواطنين وانصهارهم في بوتقة واحدة وتكبح جماح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية.
وقال فيلسوف الحزب إبراهيم خلاص إن “الطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هو خلق الإنسان الاشتراكي العربي الجديد، الذي يؤمن بأن الله والأديان والإقطاع ورأس المال وكل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست إلا دمى محنطة في متاحف التاريخ”.
هيكلة حزب البعث العراقي
تبنى الحزب هيكلة سعت للتغلغل ما أمكن في المجتمع العراقي، إذ تنطلق من الخلية (ثلاثة أشخاص على الأقل) والفرقة تتكون من ثلاث إلى سبع خلايا، والشعبة تتكون من فرقتين على الأقل، والفرع الذي يتكون من شعبتين فما فوق.
وغطت فروع الحزب كل محافظات العراق، إذ وصل عددها عام 2003 إلى 22 فرعا، منها ثلاثة بمحافظة بغداد. وقُدر عدد أعضاء الحزب المنتسبين قبيل الغزو الأميركي في العام نفسه حوالي 11 مليون شخص بين عضو مرشح، ونصير متقدم، ونصير مؤيد وصديق.
أعلام ورموز
يبقى المفكر القومي والسياسي السوري ميشيل عفلق مؤسس البعث الأول، وأبرز أعلام الحزب في العالم العربي، ويضاف له المفكر صلاح الدين البيطار، الذي تولى منصب رئيس الوزراء بسوريا، وجلال السيد ووهيب الغانم.
ومن أبرز الرموز الذين بصموا ذاكرة الحزب وتاريخه في العراق وهيمن على ما سواه المهندس فؤاد الركابي والدكتور سعدون حمادي؛ والرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وتحمل مسؤولية الحزب بعد اعتقاله وإعدامه عام 2006 عزت إبراهيم الدوري.
محطات كبرى
بدأ خروج حزب البعث بالعراق إلى الواجهة بمساهمته في الإطاحة بالنظام الملكي بعد دخول لواء بقيادة عبد السلام عارف يوم 14 يوليو/تموز 1958 إلى بغداد والاستيلاء على محطة الإذاعة، وإعلان الثورة وقتل الملك فيصل الثاني، وولي عهده عبد الإله ونوري السعيد وأعوانه.
وبعد عشرة أيام فقط زار منظر حزب البعث ميشيل عفلق بغداد لإقناع أركان النظام الجديد بالانضمام للجمهورية العربية المتحدة، التي قامت بين سوريا ومصر، لكن الحزب الشيوعي العراقي رفض ذلك وأُعلن عبد الكريم قاسم زعيما للعراق.
في تلك الفترة انقسم العراق بين تيارين سياسيين أساسيين: التيار القومي العربي والتيار اليساري، واستغل حزب البعث كراهية العراقيين لكثرة الانقلابات (ثماني محاولات انقلابية بين 1958 و1968 نجحت أربعة منها) لصالحه، وشارك في السلطة بحقيبة وزارة الإعمار تولاها فؤاد الركابي.
بعد نجاح انقلاب الحزب بالتحالف مع ضباط ناصريين في الثامن من فبراير/شباط 1963 على نظام عبد الكريم قاسم، تشكلت أول حكومة بعثية بالعراق تحت رئاسة عبد السلام عارف، لكن الخلاف بين الجناح المعتدل في الحزب والجناح المتشدد جعل عارف يسقط الحكومة في 18 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، ويُعيَّن الضابط البعثي أحمد حسن البكر نائبا لرئيس الجمهورية.
أوصى “ميشيل عفلق” في فبراير/شباط 1964 بتعيين صدام حسين عضوا في قيادة حزب البعث العراقي. ويوم 17 يوليو/تموز 1968، أسقط الحزب بالتحالف مع ضباط غير بعثيين نظام عبد الرحمن عارف، وعيّن أحمد حسن البكر رئيسا لمجلس قيادة الثورة ورئيسا للجمهورية وقائدا عاما للجيش، وصدام حسين نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة مسؤولا عن الأمن الداخلي.
وبعدما تخلص الحزب ممن تحالفوا معه في آخر انقلاب وغيَّر نظام الحكم في العراق، بدأت حالة من التصفيات داخله، إذ اغتيل المنظر الأول للحزب وأحد أبرز قادته التاريخيين؛ فؤاد الركابي داخل السجن في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1971، ويوم 8 يوليو/تموز سنة 1973 أُعدم رئيس الحكومة وجهاز الأمن الداخلي ناظم كزار، و35 شخصا من أنصاره بعد فشلهم في محاولة انقلاب.
أصبح صدام حسين في يونيو/حزيران 1979 رئيسا للجمهورية العراقية بعد إعفاء سلفه أحمد حسن البكر من كل مناصبه وفرض الإقامة الجبرية عليه. ونفذ في الشهرين المواليين من العام نفسه سلسلة إعدامات شملت ثلث أعضاء مجلس قيادة الثورة، وأبرز أعضاء حزب البعث العراقي.
وقيل إن عدد نت أعدموا تجاوز 500 شخص، كما أعدم أيضا غانم عبد الجليل وزير التعليم ومحمد محجوب وزير التربية ومحمد عايش وزير الصناعة وصديقه الحميم عدنان الحمداني والدكتور ناصر الحاني سعيد، وعشرات المسؤولين الحزبيين.
ولم يبق على قيد الحياة من الذين شاركوا في انقلاب عام 1968 سوى عزت إبراهيم الدوري، وطارق عزيز وطه ياسين رمضان.
بات الحزب مع صدام بعدما تحكم في كل مفاصل السلطة والحياة بالعراق وسعى لزعامة البعث داخل العالم العربي على المستوى الفكري والأيديولوجي، خاصة بعدما انتقلت أغلب رموز البعث السوري إلى العراق والجناح العراقي، لكن السوريين لم يسلموا له بذلك.
الغزو الأميركي للعراق وحل الحزب
بقي الحزب يتحكم في زمام الأمور وحيدا بالعراق إلى أن حدث الغزو الأميركي للبلاد يوم 20 مارس/آذار 2003، وأعلن الحاكم الأميركي بول بريمر -المدير الإداري لما سُمي بالسلطة الائتلافية المؤقتة في العراق- في مايو/أيار 2003 حلَّ حزب البعث العراقي وطرده وقياداته من كل مفاصل النظام السياسي والسلطة في البلد.
كما أن بريمر عمل على عدم عودة الحزب إلى السلطة عبر تشكيل الهيئة الوطنية لاجتثاث البعث التي بقيت تعمل حتى سنة 2008، كما حرصت السطلة الجديدة في العراق على مطاردة أتباع الحزب وقياداته، والقضاء على أيديولوجيته، وفصلت ما لا يقل عن 30 ألفا من البعثيين من سلطات الدولة، واضطر كثير منهم إلى مغادرة البلاد.
تولى عزت إبراهيم الدوري (نائب رئيس الجمهورية سابقا) الأمانة العامة لحزب البعث بعد إعدام صدام حسين شنقا يوم 30 ديسمبر/كانون الأول 2006، ولم يعرف له نشاط ولا أثر باستثناء إصدار بضع بيانات حول قضايا داخلية وخارجية، ومن بين هذه البيانات فصل 150 عضوا بارزا من الحزب بينهم أعضاء في القيادة القطرية لعقدهم اجتماعا في سوريا دون موافقة القيادة القومية.
وتم الحديث بعدها عن انشقاق داخل الحزب بين جناح الدوري وجناح يونس الأحمد، الذي أعلن عن حركة إصلاحية للبعث العراقي.
وأعلن عزت الدوري في تسجيل صوتي منسوب له في يوليو/تموز 2010 أن حزب البعث هو الحاضن للمقاومة العراقية بجميع أطيافها، وعاد في خرجة له في أبريل/نيسان 2012 في ذكرى تأسيس الحزب ليؤكد في تسجيل مرئي أن حرب الحزب أصبحت ضد إيران ونفوذها في العراق.