بعد أن كانت تلقب بأرض التكنولوجيا الناشئة، ها هي إسرائيل تشهد نفوراً من أحد أهم أصناف المستثمرين الأجانب، والذين يلقبون بـ”المستثمرين الملائكيين”، ما يعرض الاقتصاد الإسرائيلي لضربة قاسية وغير مسبوقة.
الشركات الناشئة تهرب من إسرائيل
على مدى 30 عاماً عززت إسرائيل مكانتها وقدمت نفسها كـ”عاصمة عالمية للشركات الناشئة”، خاصةً في القطاع التكنولوجي، وأصبحت وجهة للباحثين عن العالمية، لكنه واقع تغير بسرعة في 2023، وفق مؤشر “المستثمرين الملائكيين”.
مؤشر “المستثمرين الملائكيين” هو مقياس على جاذبية الدولة في صناعة الشركة الناشئة، ويظهر عدد المستثمرين الذي يضخون من مالهم الخاص في شركات ناشئة في قطاعات حيوية، بصدارة التكنولوجيا.
إلا أن العام الماضي شهد ضربتين أثّرتا بشكل حاد على مكانة إسرائيل عاصمة للشركات الريادية الناشئة، الأولى تمثلت بخطة التعديلات القضائية التي نفرت رؤوس الأموال من إسرائيل.
بينما الضربة الثانية كانت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأوامر استدعاء جنود الاحتياط، والذين ينشط معظمهم في الاقتصاد الإسرائيلي، ومن أهم قطاعاته التكنولوجيا. وتظهر بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي ووزارة العمل انخفاضاً في استثمارات قطاع التكنولوجيا، وتسريح العمال، وانهيار شركات ناشئة سريعة النمو.
من هم المستثمرون الملائكيون في إسرائيل؟
المستثمرون الملائكيون أو (angel investors) هو لقب يطلق على مستثمري القطاع الخاص الذين يستثمرون من رؤوس أموالهم الخاصة، بشكل رئيسي في شركات المرحلة المبكرة، في جولات التمويل الأولي، للحصول على أسهم في الشركة ونسبة مئوية من الأرباح المستقبلية.
ويعمل المستثمرون الملائكيون أحياناً في مجموعات ويندمجون للاستثمار في شركة ما، وفي بعض الأحيان يتواصلون شخصياً مع المشاريع ويقترحون استثماراً، بينما تقترب منهم الشركات الناشئة في مناسبات أخرى.
تظهر بيانات صادرة الأسبوع الماضي عن منظمة “Startup Nation Central” الإسرائيلية، والتي يتم نشرها الآن للمرة الأولى، أنه وفي حين كان هؤلاء المستثمرون يشكلون في الماضي أحد الكوادر الرئيسية والأكثر أهمية للشركات الناشئة التي تم تأسيسها حديثاً، إلا أن هذا الاتجاه يتغير اليوم.
وبحسب البيانات، ففي عام 2023، كان هناك 61 مستثمراً ملائكياً نشطاً في إسرائيل فقط، مقارنة بـ251 في 2022، بانخفاض يزيد على 75%.
وعام 2021، كان نحو 300 مستثمر ملائكي نشطين في إسرائيل، وهو العام الذي أعقب جائحة كورونا، ما يعني أن العدد انخفض 80% تقريباً بين 2021 و2023.
الشركات تهرب من إسرائيل نحو الولايات المتحدة
في المقابل، وجد تقرير جديد صادر عن منصة “Fusion VC” يستطلع الشركات الناشئة الإسرائيلية، الإثنين 11 مارس/آذار 2024، أنه من بين 900 شركة جديدة أنشئت في إسرائيل عام 2023، تم تأسيس 80% منها في الولايات المتحدة.
ويبرر التقرير سبب تغيير جنسية بلد منشأ الشركات، بعدم الاستقرار السياسي والأمني في إسرائيل خلال العام الماضي، إلى جانب التعديلات القضائية التي أجراها الكنيست (البرلمان) والحرب.
ووجد التقرير أنه لم ينخفض عدد الصفقات فحسب، بل أيضاً المبالغ التي تم جمعها في الصفقات. ووجدت شركة “Fusion” أن 57% من استثمارات الملائكيين العام الماضي كانت أقل من 100 ألف دولار لكل صفقة، وأن 35% من “استثمارات الملائكة” كانت بأقل من 5000 دولار لكل صفقة.
كما وجد التقرير أن 65% من المستثمرين الملائكيين لم يستثمروا في أكثر من شركتين ناشئتين خلال العام الماضي، وأن 45% من الأموال استثمرت في شركتين إلى 4 شركات ناشئة خلال العام الماضي.
وتفسر هذه الأرقام الصادمة للإسرائيليين واقع الشركات الناشئة في إسرائيل، والتي يتوقع أن تنتهي إما بالإفلاس أو البقاء على حالها دون استثمارات صاعدة خلال العام الجاري، بفعل استمرار الحرب، والتحديات التي تواجه الاقتصاد الإسرائيلي بعد انتهاء الصراع.
عجز متصاعد في الاقتصاد الإسرائيلي
ليس ببعيد عن الواقع الاقتصادي المتردي في إسرائيل، واصل العجز المالي اتساعه في فبراير/شباط الماضي، ليصل إلى 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر الـ12 المنتهية في فبراير/شباط 2024 أو 105.3 مليار شيكل (29.2 مليار دولار).
وتتمحور موازنة إسرائيل المعدلة لعام 2024، والتي من المقرر أن يوافق عليها الكنيست هذا الأسبوع حول عجز في الميزانية 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتعتقد وزارة المالية الإسرائيلية، بحسب ما أعلنه المحاسب العام لوزارة المالية يالي روتنبرغ، في بيان صحفي، الأحد 10 مارس/آذار 2024، أن العجز سيستمر في الاتساع خلال الأشهر المقبلة. وبعبارة أخرى، من المتوقع أن يتجاوز العجز عتبة 6.6% في الأشهر المقبلة.
وفي الشهرين الأولين من 2024، بلغ العجز المالي 10.9 مليار شيكل (3 مليارات دولار) مقارنة بفائض قدره 16.9 مليار شيكل (4.7 مليار دولار) في الفترة المقابلة من 2023.
وأظهرت بيانات صادرة عن مكتب الإحصاء الإسرائيلي، في 19 فبراير/شباط 2024، انكماش الاقتصاد المحلي بنسبة 20% في الربع الأخير من عام 2023، وسط حرب تشنها تل أبيب على قطاع غزة. وذكر المكتب في بيان، أن الانكماش المسجل بالربع الأخير على أساس سنوي، جاء مدفوعاً بتدهور كافة القطاعات “في وقت تراجع مستوى الاستثمار بنسبة 70%”.
بينما انكمش الاستهلاك الخاص في الربع الرابع بنسبة 27%، رافقه انكماش في الاستهلاك العام بنسبة 90% تقريباً خلال الفترة نفسها، وذلك على أساس سنوي. وقال مكتب الإحصاء: “انكماش الاقتصاد في الربع الرابع 2023، تأثر بشكل مباشر باندلاع الحرب في غزة. تغيرت تركيبة الناتج المحلي الإجمالي بعد التعبئة الواسعة لجنود الاحتياط، ودفع تكاليف الإسكان البديل، ونقص العمالة في البناء”.