ما زال لقب أسرع طوربيد في العالم حكراً على الروس، رغم صنعه قبل نحو نصف قرن، وهو يعتمد على تقنية متطورة فشل الأمريكيون في تقليدها حتى الآن، تجعله يتحرك تحت الماء بسرعة تضاهي بعض الطائرات، ليستهدف أعتى الغواصات.
إنه الطوربيد الروسي التكهفي “شكفال” في إيه-111 الذي أنتجه الاتحاد السوفييتي عام 1978، ويُعد من أكثر الأسلحة تطوراً تحت الماء. وكان طوربيد شكفال شديد السرية ومجهولاً فعلياً قبل نهاية الحرب الباردة، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
وجاء الطوربيد مدعوماً بمحركٍ صاروخي ليتمكن من بلوغ سرعات مذهلة تصل إلى 200 عقدة في الساعة (370.4 كلم).
ولم يصبح الطوربيد التكهفي “شكفال” معروفاً سوى في منتصف التسعينيات.
لكن كيف نجح المهندسون الروس في بلوغ هذه السرعة الفارقة صانعين هذا السلاح الذي استحق عن جدارة لقب أسرع طوربيد في العالم، خاصةً أن الأسلحة المستخدمة تحت المياه لا تتجاوز سرعة غالبيتها حاجز الـ50 عقدة؟
أسرع طوربيد في العالم يعتمد على محرك صاروخي بدلاً من المراوح والمضخات
اعتمدت الطوربيدات تاريخياً على استخدام المراوح الدافعة أو المضخات النفاثة من أجل دفعها. بينما استخدم الروس لصنع أسرع طوربيد في العالم شكفال محركاً صاروخياً.
وكانت هذه الفكرة كافيةً لجعله أسرع طوربيد في العالم، لكن السفر عبر الماء يخلق مشكلات كبيرة على صعيد مقاومة المائع. لهذا كان الحل هو إبعاد الماء عن مسار الطوربيد. ولكن كيف يمكن للمرء إبعاد الماء عن مسار جسم موجود في وسط المحيط؟
تقنيته تقوم على تبخير الماء أمامه عبر التكهُّف الفائق
تمثّل الحل لتقليل المقاومة في تبخير الماء السائل وتحويله إلى غاز، ومن أطلق عليه الطوربيد التكفهي، أي الذي يصنع كهفاً من الغاز أمامه.
إذ يحل الطوربيد شكفال هذه المشكلة بإخراج العادم الصاروخي الساخن من أنف الطوربيد، ما يُحوّل الماء إلى بخارٍ أمام الطوربيد. ومع تقدمه إلى الأمام، يستمر الطوربيد في تبخير الماء من أمامه ليشكل فقاعةً غازية رقيقة.
وبالتالي يواجه أسرع طوربيد في العالم مقاومة أقل أثناء سفره عبر الغاز، ما يسمح له أن يتحرك بسرعات تصل إلى 200 عقدة. وتُعرف هذه العملية باسم التكهُّف الفائق.
وتكمن حيلة الحفاظ على التكهُّف الفائق في إبقاء الطوربيد داخل فقاعة الغاز طوال مساره.
ولكن هذا يجعل المناورة بالطوربيد أصعب؛ لأن تغيير الوجهة سيُجبر الطوربيد على الخروج من الفقاعة جزئياً؛ ما سيؤدي إلى ظهور مقاومة مائع عند سرعة تبلغ 230 ميلاً في الساعة (370 كيلومتراً/ساعة).
عيبه أن مساره يجب أن يكون مستقيماً
ومن الواضح أن إصدارات شكفال المبكرة كانت تتمتع بأنظمة توجيه شديدة البدائية، ولهذا كانت هجماتها تعتمد على الانطلاق في مسار شبه مستقيم تقريباً.
ولا شك أن هذا الانطلاق سيكون كافياً لتدمير الهدف بالنظر إلى أن الرأس الحربي سيكون نووياً. ومن الواضح أن الاتحاد السوفييتي كان مؤمناً بأن سرعة الطوربيد أهم من القدرة على المناورة به في بعض الأحيان.
صُمِّم طوربيد شكفال في الستينيات كوسيلةٍ لمهاجمة الغواصات النووية التابعة للناتو بسرعة، وإيصال الرؤوس النووية إليها بسرعات غير مسبوقة. ويتمتع هذا الطوربيد بقطر معياري يبلغ 533 ملم، ويستطيع حمل رأس حربي يزن 208 كلغ. ويصل أقصى مدى للطوربيد إلى 6.8 كلم.
وبدأ الإنتاج الضخم لطوربيدات شكفال في عام 1978، ودخلت الخدمة في الجيش السوفييتي خلال العام نفسه، ورغم أنه مر على دخوله الخدمة 46 عاماً فإنه مازال أسرع طوربيد في العالم.
وأنه يسبب ضجيجاً ينذر الغواصات
وهناك عيوب أخرى لهذه الطوربيد كما هو حال أي سلاح. فأولاً، سنجد أن الفقاعة الغازية والمحرك الصاروخي يصدران ضجيجاً كبيراً.
وبالتالي، ستكشف أي غواصة تُطلق الطوربيد التكهفي عن موقعها التقريبي بشكلٍ شبه فوري.
ومع ذلك، يجب القول إن أسرع طوربيد في العالم يستطيع أن يُدمر العدو قبل أن تتسنى له فرصة التحرك بناءً على المعلومات، لأن العدو سيضطر فجأةً للتعامل مع غواصة معادية وطوربيد يتقدم بسرعة 200 عقدة/ساعة في آن واحد.
كما يعرقل أنظمة التوجيه التقليدية، ولكن الحل بإرجاء التكهف لحين الاقتراب من الهدف
ويتمثّل عيب آخر للطوربيدات التكهفية في عدم القدرة على استخدام أنظمة التوجيه التقليدية معها. حيث تُصدر الفقاعة الغازية والمحرك الصاروخي ضجيجاً كافياً لعرقلة عمل أنظمة التوجيه المدمجة بالسونار النشط والسلبي. ومن الواضح أن النسخ المبكرة من شكفال لم تكن موجهة، أي إنها تخلّت عن التوجيه في مقابل السرعة.
أما النسخة الأحدث من الطوربيد، فسنجد أنها تعتمد على أسلوب تدرج يُتيح لها استخدام التكهُّف الفائق للتقدم نحو منطقة الهدف بسرعة، ثم الإبطاء من أجل البحث عن الهدف.
الولايات المتحدة وألمانيا حاولتا تقليد هذه التقنية
فهل هناك مستقبل للطوربيدات التكهّفية وهل يتم نزع لقب أسرع طوربيد في العالم من الروس؟
تعمل الولايات المتحدة على صنع سلاحٍ مماثل منذ عام 1997، لكن لا يبدو أنها توصّلت إلى سلاح قابل للاستخدام بعد.
ومع ذلك فإن متطلبات البحرية الأمريكية تُعَدُّ أعلى من قدرات شكفال بمراحل، حيث تشمل الالتفاف وتحديد الأهداف والتقدم نحوها.
وفي عام 2004، قدّمت شركة المقاولات الدفاعية الألمانية Diehl-BGT طوربيد باراكودا، الذي كان من المفترض أن يتحرك بسرعات تصل إلى 194 عقدة/ساعة، أي أنه لم يستطع أن يحصل على لقب أسرع طوربيد في العالم، لأنه أقل بخمسة عقدات من الطوربيد الروسي.
لكن البرنامج الألماني لم يُترجم إلى سلاح قابل للتسويق على الإطلاق على ما يبدو، حسب المجلة الأمريكية.
الإيرانيون يقولون إن لديهم طوربيداً مماثلاً
وفي الوقت الحالي، فإن الغواصات الروسية هي الوحيدة المزودة بطوربيدات تكهفية على مستوى العالم، وهي عبارةٌ عن نسخ مُحدَّثة من طوربيدات شكفال المسلحة برؤوس حربية. وتقدم الصناعة الروسية نسخة مخصصة للتصدير من أجل بيعها خارج البلاد، وتحمل اسم شكفال إي. وتزعم إيران أن لديها طوربيدها التكهّفي الخاص الذي يحمل اسم “حوت”، والذي تشير الافتراضات إلى كونه نسخةً مُهندسةً عكسياً من شكفال.
ويُمكن القول إن طوربيد شكفال الصاخب -والفعّال- يحطم النموذج المألوف للحرب في أعماق البحار. فلا شك أن امتلاك طوربيد تصل سرعته إلى 200 عقدة يُعد من القدرات الجذابة للغاية. ومن المحتمل أن نشهد تبنّي المزيد من القوات البحرية العالمية للتصاميم التكهّفية، مع تعديل تكتيكاتها تحت سطح البحر بما يتوافق مع ذلك، خاصةً بالتزامن مع ارتفاع حرارة المنافسة في المحيطين الأطلسي والهادئ. ويبدو أن الحرب تحت الماء على وشك أن تزداد صخباً وفتكاً في آن واحد.