فلاديسلاف دافانكوف نائب رئيس مجلس الدوما الروسي، وعضو حزب “الناس الجدد”، رشح نفسه في انتخابات الرئاسة 2024، ووعد الجماهير بتغيير نهج عاشوا فيه ربع قرن في حكم بوتين، وبشّر بإلغاء “الممارسات القمعية”، وضمان حرية الصحافة. يعرف بأنه صاحب المشاريع التعليمية والخيرية الكبيرة ويوصف بأكثر المرشحين ليبرالية، تطارده العقوبات الدولية بسبب مساندته لحرب بلاده على أوكرانيا.
المولد والنشأة
ولد فلاديسلاف دافانكوف يوم 25 فبراير/شباط 1984 في مدينة سمولينسك التي تبعد 400 كيلومتر عن العاصمة الروسية موسكو، وتقع على ضفاف نهر دنيبرو.
والده أندريه فاديموفيتش دافانكوف كان طيارا في الجيش الروسي، وافتتح عام 2012 نادي طيران في مدينة ستاريتسا بمنطقة تفير، أما جده لوالده فهو الكيميائي العالمي الشهير فاديم دافانكوف (1937–2022) الذي أنتج أكثر من 400 بحث علمي، وحصل على جوائز علمية عدة، ورشح لجائزة نوبل.
نشأ دافانكوف في كنف عائلة يمتزج فيها العلم بريادة الأعمال والرياضة، فإضافة إلى جده عالم الكيمياء، وعمه رجل الأعمال المشهور ألكسندر دافانكوف، كانت لأفراد آخرين من أسرته أنشطة رياضية، فدافانكوف نفسه عرف بمهارته في لعبة “غو” (Go) التي انتشرت في موسكو.
تشبه لعبة “غو” الشطرنج لكن الفوز فيها لا يتطلب هزيمة كاملة للخصم، وفاز دافانكوف في بطولة لهذه اللعبة عندما كان في السنة الثالثة بكلية التاريخ، أما ابنة عمه فاسيليسا دافانكوف فهي بطلة في الرقص على الجليد، وحصلت على الميدالية البرونزية في بطولة العالم للناشئين لعام 2012، وفازت بالميدالية الفضية في نهائي “غي جي بي” لعام 2012، كما أنها بطلة روسيا للناشئين لعام 2012.
تزوج فلاديسلاف دافانكوف عام 2021 ولديه طفلان، هما سفياتوسلاف ونيكيتا.
الدراسة والمسار التعليمي
تخرج فلاديسلاف دافانكوف في مدرسة الاقتصاد والقانون عام 2002، ثم انتقل إلى موسكو ليلتحق بجامعة موسكو الحكومية ويدرس التاريخ الحديث والمعاصر وتخرج فيها عام 2006، كما حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية عام 2008.
وفي عام 2014 حصل دافانكوف على شهادة الإدارة من جامعة موسكو للإدارة سكولكوفو.
بدأ دافانكوف مسيرته في العمل بروح شاب عصامي، فقد عمل أثناء دراسته في مغاسل السيارات ونادلا في النوادي وساعي بريد، قبل أن يدخل إلى عالم المال والأعمال بتأسيسه شركة حاسوب عام 2001 مع مجموعة من أصدقائه في مدينة سمولينسك.
توالت بعدها نجاحاته العملية، فقد ترأس شركة “فابرليك” لمستحضرات التجميل عام 2013 التي كان عمه رجل الأعمال ألكسندر دافانكوف أحد مؤسسيها، ونجح ابن الأخ الطموح في زيادة مبيعات الشركة إلى 3 أضعاف خلال عامين ونصف العام من ترؤسه لها.
انغماس فلاديسلاف دافانكوف في التجارة وإدارة المؤسسات الاقتصادية لم يبعده عن المشاريع الخيرية، حيث ترأس مشروع “نقباء روسيا” الخيري عام 2017، الذي أنشئ بمبادرة رجال أعمال نجحوا في افتتاح عدد من الكليات ومعاهد التدريب للناشئين والشباب الراغبين بالدخول في مشاريع صغيرة، حيث تخرج في تلك المؤسسات التعليمية الخيرية آلاف الشباب الذين انطلقوا منها نحو عالم العمل الحر وتأسيس المشاريع.
عام 2018 انتقل دافانكوف للعمل نائبا لمدير منظمة “روسيا أرض الفرص” غير الربحية، التي أنشئت بمرسوم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتعنى بدعم الشباب الموهوبين واستقطابهم من شتى أنحاء العالم.
وقد أنشأت المنظمة أكثر من 10 مشاريع منحت للشباب فرصة ريادة الأعمال والتعليم، وانتشرت أنشطة تلك المشاريع في دول مختلفة وأبرمت عقود تعاون مع مؤسسات دولية، وبعد النجاح الذي حققه دافانكوف في تلك المؤسسة غادرها عام 2021.
التجربة السياسية
دخل فلاديسلاف دافانكوف إلى مضمار السياسة عام 2020 بانضمامه لحزب “الناس الجدد”، الذي أسسه عمه رجل الأعمال ألكسندر دافانكوف وأليكسي نيتشايف، وأصبح رئيس اللجنة التنفيذية المركزية للحزب، كما قاد حملة الحزب في انتخابات 2021 التشريعية.
تمكن حزب “الناس الجدد” من حصد 8% من الأصوات في الانتخابات التشريعية الروسية عام 2021، ما مكّن دافانكوف من الدخول إلى مجلس الدوما (مجلس النواب) بتجاوز الحزب نسبة 5% اللازمة لذلك، وحصل على 13 مقعدا من إجمالي 450.
أصبح دافانكوف بعدها عضوا في لجنة الميزانية والضرائب ولجنة مراجعة نفقات الميزانية الفدرالية، وفي عام 2021 أصبح نائبا لرئيس مجلس الدوما في انتخابات دورته الثامنة.
طموح دافانكوف لم يتوقف عند هذا، حيث شارك في الانتخابات المحلية لعمدة العاصمة موسكو التي أجريت في الفترة من 8 إلى 10 سبتمبر/أيلول 2023، بترشيح من حزب “الناس الجدد”، لكنه أخفق في الحصول على المنصب بحصوله على 5.34% من الأصوات فقط، رغم الوعود الانتخابية التي طرحها، والتطلعات التي حاول من خلالها التركيز على احتياجات سكان موسكو، لكن هذه الوعود لم تشفع له لدى ناخبي سكان موسكو، حيث أعيد انتخاب عمدة العاصمة سيرجي سوبيانين بحصوله على 76.39% من الأصوات.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، اتحد حزبا “الناس الجدد” و”النمو” في مؤتمر وقّعا خلاله وثيقة اتحادهما، واختارا نائب رئيس مجلس النواب فلاديسلاف دافانكوف، ليكون أصغر مرشح في الانتخابات الرئاسية الروسية لعام 2024.
دافانكوف على قوائم العقوبات
لم يكن دافانكوف بمنأى عن التحدي الذي تعيشه بلاده مع القوى الغربية بسبب حرب روسيا على أوكرانيا، فقد شملته العقوبات وأدرج على لائحة العقوبات الدولية التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى، بسبب دعمه للحرب، ومساندته لوثيقة التعاون بين روسيا وإقليم دونيتسك ولوغانسك، ولأنه أحد الشخصيات الروسية المعروفة بتأييدها لمسار العلاقات الخارجية الروسية.
أدرجت المملكة المتحدة دافانكوف على قائمة العقوبات يوم 11 مارس/آذار 2022، لتتوالى بعدها العقوبات الغربية عليه، ففي 30 سبتمبر/أيلول 2022 وضعته الولايات المتحدة على قائمة العقوبات الخاصة بها، وأضافت كندا اسمه يوم 23 فبراير/شباط 2023، ومع الركب سارت كل من أستراليا واليابان وأوكرانيا ونيوزيلندا.
فكره في برنامجه الانتخابي
يؤكد فلاديسلاف دافانكوف على بعض الأفكار الليبرالية، مثل الحرية الإلكترونية، والمحافظة على خصوصية البيانات، وضرورة المشاركة الجماهيرية المباشرة في الإدارة، ويطالب بإلغاء الواجبات المدرسية وتخصيص 20% من الميزانية الفدرالية للتعليم والصحة، ولكنه يحرص دائما على إظهار ضمور مشروعه السياسي وبقائه داخل ما يسمى في روسيا “المعارضة النظامية”، إذ يدلي بتصريحات تكرر رؤى السلطات، مثل ضرورة التفرقة بين المعارضين أصحاب المشاريع البناءة وأهل المؤامرات الذين يفكرون في هدم روسيا.
أعلن دافانكوف برنامجه الانتخابي في 170 نقطة مجموعة في 18 قسما، وكان الاقتصاد في مقدمة القضايا التي وضعها في برنامجه، مستفيدا من خبرته في عالم المال والأعمال، ومساندة عمه رجل الأعمال ألكسندر دافانكوف.
فكان تعزيز دور الاقتصاد وتحسين الإنفاق الحكومي في عدد من القطاعات في طليعة البنود، إذ ركز على دعم التعليم والصحة، وخصص 20% من الإنفاق الحكومي لهذين القطاعين، مستشهدا بطوابير المرضى الذين يقفون على أبواب المستشفيات في روسيا، وضعف الطاقة الاستيعابية لعدد من المستشفيات الحكومية.
كما طرح قضايا حاول من خلالها استمالة الشباب بالحديث عن التحديات التي يعيشونها، كما أعانه التقارب العمري بينه وبينهم في مخاطبتهم بلغة يأمل أن تكون هي الأقرب لتطلعاتهم، مطلقا وعودا بوضع قانون للحماية من تسريح العمال.
ولم يخلُ برنامجه من وعود الإصلاحات السياسية وتعميق الديمقراطية وحرية الفرد، من خلال تعزيز دور الصحافة ومنحها المزيد من المساحة، وطرح فكرة الانتخاب المباشر لرؤساء البلديات في مختلف أنحاء البلاد، وانتخاب القضاة وضباط الشرطة في المناطق التي يعملون فيها.
وتضمن البرنامج الانتخابي لدافانكوف التوزيع العادل للأموال بين موسكو وسائر مناطق روسيا، وقضية استفادة تلك المناطق من ثرواتها. أما في ما يخص العلاقات الخارجية الروسية، فقد ركز دافانكوف على تطويرها عبر المفاوضات والسلام دون التراجع عن مواقف روسيا المعلنة.