تزايد الحديث مؤخراً عن ظاهرة التسرب من التعليم في مصر، بعد أن طالب مجموعات من أولياء الأمور وزارة التربية والتعليم المصرية بإلغاء رصد الغياب المدرسي، وإتاحة الفرصة أمام الطلاب الراغبين لاستذكار دروسهم في منازلهم عدم الذهاب إليها دون تعرضهم للفصل.
وأرجع أولياء الأمور السبب إلى نقص المعلمين، وتكدس الفصول، وتدهور الوضع الاقتصادي فأصبحت رحلة الذهاب والإياب إلى المدرسة مكلفة.
واعتبر أولياء الأمور في تفسيرهم، أن الدراسة من المنزل عوض المدرسة حل يمكن أن يساهم في خفض معدلات التسرب من التعليم في مصر، بعد اتجاه البعض لتهريب أبنائهم بعد حصولهم على الشهادة الابتدائية.
حالة من النفور تجاه العملية التعليمية
وقالت إحدى المشرفات على مجموعات أولياء الأمور ممن تبنوا فكرة الدراسة من المنزل لـ”عربي بوست”، إن أوضاع المدارس الحكومية في مصر أصبحت صعبة، والطلاب وأولياء أمورهم يواجهون مشكلات عديدة تجعل هناك حالة من النفور تجاه عملية التعليم برمتها.
وقالت المتحدثة إنه مع تضاعف المصروفات الدراسية في المدارس الحكومية، رغم نص الدستور على مجانية التعليم، لم تعد الأسر الفقيرة قادرة على توفير مصروفات لثلاثة أو أربعة أبناء تصل إلى 2000 جنيه أو أكثر، إضافة إلى تراجع أدوار الجمعيات الأهلية.
وأضافت أن الاكتظاظ في الفصول أصبح منتشراً في المدارس الحكومية، تحديداً في المحافظات ذات الكثافة السكانية مثل الإسكندرية والجيزة والقاهرة والدقهلية، وهو ما يجعل فصول المرحلة الابتدائية يصل أعداد الطلاب فيها لأكثر من 100 طالب.
ورغم أن كثيراً من الأسر اختارت إبقاء أبنائها في المنزل يومين أو ثلاثة في الأسبوع لتدبير نفقات ذهابهم وعودتهم وواجباتهم المدرسية، فإن الاكتظاظ لم يتراجع، لأن بعض المدارس اتخذت قرار دمج الفصول في الحصص غير الأساسية نتيجة وجود عجز في المعلمين، إضافة إلى تراجع معدلات بناء المدارس الحكومية الجديدة.
وأشارت المتحدثة في تصريحها لـ”عربي بوست”، إلى أن هناك محاولات من جانب الوزارة ومن المعلمين الذين يحصلون على نصاب تعليمي ضعف ما هو مقرر لهم يومياً للحفاظ على انتظام العملية الدراسية، وهو ما يتحقق بشكل ما حتى الآن.
لكن في المقابل، تقول المتحدثة، إن الوضع آخذ في التدهور، لأن العجز تتزايد معدلاته، كما أن معلمي الحصة أو المتطوعين لم يستطيعوا ملء الفراغ الذي تركه المعلمون الذين لم يتم تعويضهم.
كما أن إدارات المدارس تواجهها صعوبات في توفير ميزانية اليوم الدراسي، سواء كان ذلك على مستوى دفع مكافآت العمال، أو شراء أدوات النظافة أو طباعة أوراق الامتحانات التي يدفعها أولياء الأمور من أموالهم الخاصة، ونهاية بالأقلام المستخدمة في عملية الشرح بالفصول والتي يتكفل بها الطلاب والمعلمون أيضاً.
وقالت المتحدثة لـ”عربي بوست”، إن هناك شكاوى مستمرة من إدارات المدارس بكون مصروفات الطلاب لا تصل إليهم وبالتالي يبقى الجميع أمام بيئة تعليمية طاردة، وفقاً لولية الأمر ذاتها.
ووصل عدد الطلاب المصريين في كافة المدارس خلال العام الدراسي الماضي (2022–2023) إلى 25 مليوناً و494 ألفاً و232 طالباً وطالبة، في حين وصل عدد أعضاء هيئة التدريس إلى 958 ألفاً و753 معلماً ومعلمة، كما وصل عدد المدارس إلى 60 ألفاً و254 مدرسة، بإجمالي 551 ألفاً و815 فصلاً دراسياً، وفق آخر إحصائيات نشرتها وزارة التربية والتعليم.
وكانت نسبة التسرب من التعليم بمصر قد بلغت في المرحلة الإعدادية 0.87% بنحو 43351 متسرباً، مقابل نسبة 0.2% بعدد 25380 متسرباً في المرحلة الابتدائية، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2022.
التسرب من التعليم في مصر بالأرقام
كشف مصدر مطلع بوزارة التربية والتعليم لـ”عربي بوست”، أن الأرقام الرسمية التي رصدتها الوزارة خلال العام الدراسي الماضي، تشير إلى هروب أكثر من 70 ألف طالب من المدارس الحكومية خلال المرحلة الابتدائية والإعدادية.
وأضاف المتحدث أن هذه الإحصاءات لم يتم نشرها بشكل رسمي، لكن الوزارة رصدتها من خلال تقارير يقدمها مديرو المدارس الحكومية إلى الإدارات التعليمية، التي ترفعها إلى المديريات في المحافظات ومنها إلى الوزارة.
ويعتقد المصدر نفسه أن تكون النسبة أكبر النسبة دقيقة، لأن مديري المدارس يحاولون تجميل الصورة من ناحية حتى لا يتم مساءلتهم عن مصير هؤلاء الطلاب، إلى جانب أن هناك أعداداً أخرى لم تقدم بالأساس للالتحاق بالمدارس.
وأشار مصدر “عربي بوست” إلى أن تقديرات وزارة التربية والتعليم تشير إلى أنه مع بداية كل عام دراسي يلتحق بالصف الأول الابتدائي مليونا طالب، في حين أنه من المرجح أن هناك نصف مليون إلى مليون طالب آخرين لم يلتحقوا من الأساس.
وقال إن الإدارة المركزية للتسرب من التعليم بوزارة التربية والتعليم لديها إحصائيات مرعبة بشأن المتسربين، لكن دون أن يتم الإفصاح عنها بشكل علني لاعتبارات عديدة، بينها عدم تحمل الحكومة مسؤولية هؤلاء، لأن معدلات بناء المدارس الحكومية تراجعت بشكل كبير، ولا يوجد أماكن لاستقبال كل هذه الأعداد إن تقدموا للدراسة.
وأوضح المصدر بوزارة التربية والتعليم، أن معدلات التسرب الأكبر تبقى في العاصمة القاهرة باعتبارها الأكثر من حيث الكثافة السكانية، ومن حيث أعداد الطلاب أيضاً وتليها الجيزة ثم الإسكندرية.
ويوضح أن وزارة التربية والتعليم ما زالت غير قادرة على توفير التعليم في كافة القرى والنجوع، وهناك أكثر من 2000 قرية لا توجد بها مدارس حكومية من الأساس، إلى جانب أن المناطق العشوائية في القاهرة الكبرى لا تشهد معدلات التحاق مرتفعة للطلاب.
ووصل عدد الطلاب في مناطق مثل الدويقة ومحيطها بالقرب من وسط القاهرة، إلى 35 طالباً فقط في الفصل، والأمر لا يرجع لزيادة أعداد المدارس، بل لأن الاهالي هناك- وأغلبهم جاءوا من محافظات أخرى- ليست لديهم قناعة بأهمية التعليم.
إضافة إلى ذلك، قال المتحدث إن هناك عدداً كبيراً من المعلمين والأساتذة لم يتمكنوا من الوصول إلى مدارسهم بسبب الشغب الذي تشهده الكثير من المدارس في المناطق العشوائية.
ووفقاً لآخر تقرير نشرته الهيئة العامة للأبنية التعليمية التابعة لوزارة التربية والتعليم والمسؤولة عن بناء المدارس، قبل ست سنوات، فإن هناك 2066 منطقة فى 17 محافظة، وتأتي سوهاج على رأس القائمة بـ351 منطقة، بلا مدارس.
أما محافظة قنا فيوجد بها 303 مناطق محرومة من المدارس، بين قرى ونجوع وكفور، يتجاوز عدد سكان المنطقة الواحدة منها 240 نسمة، فيما تحتل محافظة المنيا المرتبة الثالثة بين المحافظات الأكثر حرماناً من المدارس، وتوجد بها 291 منطقة محرومة من المدارس.
الدولة تولي اهتماماً بالتعليم ذي المصروفات
وبحسب المصدر الحكومي ذاته، فإن هناك نسبة قد تتراوح بين 20 و30% من إجمالي أعداد الطلاب المصريين في المرحلة الابتدائية فقط لا يذهبون إليها بشكل نهائي ويكتفون بدخول امتحانات نهاية العام.
ويرى المتحدث أن قرار وزارة التربية والتعليم السابق بمنع إجراء الامتحانات حتى الصف الثالث الابتدائي يدفع كثيراً من الأسر إلى تغييب أبنائهم في تلك السنوات رغم أنها سنوات التأسيس الأولى التي تؤهل الطلاب وتمكنهم من الاستمرار في العملية التعليمية.
وتابع أن “نسبة الغياب تتزايد بشكل كبير في المرحلة الإعدادية وتصل تحديداً في سنة الشهادة (الصف الثالث الإعدادي) إلى 60%، وهو ما يجعلنا أمام أمية مقنعة، لأن هؤلاء الطلاب ليست لديهم المهارات التعليمية، وأغلبهم يحصل على الشهادة من خلال عمليات الغش الممنهجة”.
وأشار المتحدث في تصريحه لـ”عربي بوست”، إلى أن معدلات التسرب في مصر تبقى أكبر كثيراً من المعلن عنها، لكن دون أن يكون هناك وسيلة تستطيع أن تحددها بشكل دقيق.
واعترف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر، الدكتور رضا حجازي، بأن مهارات القراءة والكتابة لدى 30% من تلاميذ المدارس دون المستوى، وفقاً لدراسة قومية أجريت لرصد تلك الظاهرة، التي عدّها الوزير من ضمن الأسباب التي تؤدي إلى التسرب من التعليم في مصر.
وتوضح خبيرة تربوية تعمل أيضاً كوكيلة لإحدى الإدارات التعليمية، أن مشكلات التسرب من التعليم في مصر لا تقابلها حلول فاعلة من جانب وزارة التربية والتعليم، والأمر أكبر من إمكانياتها كوزارة، لأنه يتعلق بسياسات الدولة المصرية التي تولي اهتماماً بالتعليم ذي المصروفات.
هذا الأمر حسب المتحدثة، تسبب في تراجع الإتاحات داخل المدارس بسبب التركيز على بناء المدارس الخاصة أو ذات طبيعة المصروفات على حساب المدارس الحكومية التي يصفها الدستور بأنها مجانية لحين إتمام مرحلة التعليم الأساسي.
وأضافت المتحدثة أن هناك تباطؤاً في تعيين المعلمين الجدد، بسبب عدم توافر ميزانيات لدى وزارة المالية، التي تتأخر في صرف مكافآت معلمي الحصة لأكثر من عامين؛ ما تسبب أيضاً في هروبهم.
وأكدت أن الوضع الاقتصادي يدفع كثيراً من أولياء الأمور للبحث عن مهن لأبنائهم في سن صغيرة، وهو ما ينعكس على مؤشرات التسرب من التعليم في مصر، التي تبقى مرتفعة لدى البنين مقارنة بالبنات عكس ما كان يحدث سابقاً.
وأشارت المتحدثة، إلى أن الأسر تدرك قيمة التعليم للولد والفتاة لكن الظروف تجبرهم على أن ينظروا إليه كوسيلة لتعلم الأساسيات ثم البحث عن حرفة أو مهنة تؤهلهم مباشرة لسوق العمل لمساعدة أسرهم، وأن الاتجاه نحو التعليم الفني يرجع أيضاً لهذا السبب وليس بسبب تطور هذا النوع من التعليم.
وأشارت إلى أن المناهج الحديثة التي أقرتها الوزارة على طلاب المرحلة الابتدائية منذ سنة 2018 ويتم تدريسها هذا العام لأول مرة لطلاب الصف السادس الابتدائي، بحاجة إلى متابعة مستمرة من جانب الأسرة، ولا يمكن الاعتماد فقط على المدرسة.
خطط الوزارة غير موجودة على أرض الواقع
وقال وزير التربية والتعليم المصري، إن هناك العديد من أسباب التسرب من التعليم في مصر، أبرزها المستوى الثقافي والتعليمي والاقتصادي للأسرة، فضلاً عن ظاهرة الزواج المبكر، مؤكداً أهمية التركيز على أسباب ظاهرة التسرب من التعليم لمواجهتها.
وأكد حجازي أن وزارته تعمل على أكثر من محور للتعامل مع المشكلة، في مقدمتها زيادة معدلات الإتاحة وإعطاء فرصة للطلاب المتسربين من التعليم للالتحاق بقطار التعليم من خلال مدارس التعليم المجتمعي
ويؤكد خبير تربوي، أن خطوات الوزارة لمواجهة التسرب من التعليم في مصر غير موجودة على أرض الواقع، وأن الخطوات التي تعلن عنها الوزارة من حين لآخر غير كافية من جانب، كما أنها تعاني الارتباك والتخبط على الجانب الآخر.
وأضاف المتحدث أن الحكومة كان لديها رؤية لمعاقبة أولياء الأمور الذين يتسرب أبناؤهم من التعليم في الفئة العمرية بين (6-14 عاماً)، من خلال فرض غرامة من 500 إلى 1000 جنيه على ولي أمر الطالب الذي يتغيب عن الحضور للمدرسة بدون عذر مقبول، لكنها تراجعت بعد رفض البرلمان تمرير قانون التسرب من التعليم في مصر.
وأوضح أن الحكومة المصرية اتجهت بعد ذلك لاتباع أسلوب التشجيع، وقررت إعادة تأهيل من تثبت أنه ترك المدرسة، وتقديم مساعدات مالية تعين الأسر التي لديها طفل متسرب ليعود إلى المدرسة مرة أخرى، كأحد حلول مواجهة الأمية العائلية مستقبلاً، لكن المشكلة في أنها لم تقدم سوى مساعدات لعدد ضئيل ولم يعرف كثير من المواطنين أن هناك أساليب تشجيعية.
وقالت وزارة التضامن الاجتماعي، المعنية بتقديم المساعدات للبسطاء، إنها نجحت في إعادة 480 ألف طفل متسرب إلى المدارس عبر منح أسرهم إعانات مالية، من بين قرابة 700 ألف شخص تسربوا من التعليم في السنوات الماضية.
وأشارت الوزارة إلى أنه سيتم منح المساعدات الشهرية للطفل أو المراهق، الذي ينتمي إلى أسرة بسيطة ويقل عمره عن 18 سنة، بشرط انتظام الابن في المدرسة، وبحد أقصى 350 جنيهاً شهرياً، وستكون المساعدات طوال فترة العام الدراسي، وإذا عاود الطفل الانقطاع عن الدراسة فسيتم وقف الإعانات.
وقبل ست سنوات قال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، إن هناك مليوناً و122 ألف متسرب من التعليم قبل الجامعي خلال عام 2017، وكان العدد ذاته في العام الذي سبقه، أي في عام 2016، يصل إلى 600 ألف.
ينص قانون التعليم رقم 118 لسنة 1976 على أن التعليم إلزامي ومجاني في مرحلة التعليم قبل الجامعي، وتشمل مرحلة التعليم الأساسي وتتكون من حلقتين؛ الابتدائية والإعدادية، ومرحلة التعليم الثانوي، ويقصد بالتعليم تكوين الطفل والطالب علمياً وثقافياً وروحياً، وتنمية شخصيته ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية.