شن تشاك شومر هجوماً حاداً على بنيامين نتنياهو ووصفه بأنه “عقبة أمام السلام”، مطالباً بحكومة جديدة في إسرائيل، فماذا دفع زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ إلى تغيير موقفه 180 درجة فجأة؟
شومر هو أكبر مسؤول أمريكي يهودي منتخب وأحد أشرس المدافعين عن إسرائيل، بل تربطه علاقة قوية للغاية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه، وبالتالي فإن وقوف شومر في قاعة مجلس الشيوخ الأمريكي منتقداً نتنياهو وحكومته ومطالباً بإجراء انتخابات جديدة في إسرائيل، هو أمر استثنائي وأثار زلزالاً سياسياً في واشنطن وتل أبيب، على حد سواء.
ماذا قال شومر عن نتنياهو وحرب غزة؟
في كلمة طويلة بشأن استثنائي أمام مجلس الشيوخ، مساء الخميس 14 مارس/آذار، قال شومر إن حكومة نتنياهو “لم تعد تناسب احتياجات إسرائيل”، مضيفاً: “كدولة ديمقراطية، لإسرائيل الحق في اختيار قادتها، ويجب أن نترك الأمور تحدث دون تدخل. لكن الشيء المهم هو أن يُتاح للإسرائيليين خيار. ويتعين أن يكون هناك نقاش جديد بشأن مستقبل إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول. في رأيي، أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي إجراء انتخابات”.
استغرقت كلمة شومر 45 دقيقة، استعرض خلالها ما وصفها بأنها المخاطر التي تواجه الدولة العبرية داخلياً وخارجياً في حال استمرت حكومة نتنياهو: “إذا ظل الائتلاف الحالي لرئيس الوزراء نتنياهو في السلطة بعد أن تبدأ الحرب (على غزة) في الانحسار، واستمر في اتباع سياسات خطيرة وتحريضية تضع المعايير الأمريكية الحالية للمساعدة أمام اختبار، فلن يكون أمام الولايات المتحدة خيار سوى لعب دور أكثر فاعلية في صياغة السياسة الإسرائيلية باستخدام نفوذنا لتغيير المسار الحالي”.
لكن شومر لم يذكر احتمال طرح تشريع يربط بين إمداد إسرائيل بالأسلحة الأمريكية وبين تخفيف الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، وهو ما يدعو إليه بعض الديمقراطيين، لكن زعيم الأغلبية الديمقراطية أثار احتمال استخدام واشنطن لنفوذها إذا لم تغير إسرائيل مسارها.
لماذا يعد انتقاد شومر لإسرائيل ونتنياهو غريباً؟
شومر هو أحد كبار زعماء الحزب الديمقراطي ويتولى حالياً زعامة الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، وهو أكبر مسؤول يهودي منتخب وداعم مطلق لإسرائيل بشكل عام، كما أنه تربطه علاقة وثيقة للغاية وممتدة مع نتنياهو نفسه.
وكي نقف على مدى تأثير انتقادات شومر تحديداً لنتنياهو وإسرائيل، نتذكر هنا في مارس/آذار 2015 عندما وجه نتنياهو انتقادات حادة للاتفاق النووي بين إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما وإيران، وذلك في خطاب لرئيس الوزراء الإسرائيلي أمام مجلس الشيوخ. كان شومر عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي الوحيد الذي لم يوجه انتقادات لنتنياهو وقتها.
وبعد عدة أشهر، كان شومر عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي الوحيد الذي صوت ضد الاتفاق النووي مع إيران، في تحدٍّ مباشر لأوباما (الرئيس الديمقراطي) وفي اصطفاف مع موقف نتنياهو.
ولهذه المواقف وغيرها كثير، كان شومر هو آخر مسؤول أمريكي يتوقع نتنياهو منه أن يقف في قاعة مجلس الشيوخ ويصف رئيس وزراء إسرائيل بأنه واحد من “4 عقبات رئيسية أمام السلام”، جنباً إلى جنب مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس واليمين الإسرائيلي المتطرف، بحسب تقرير لموقع Axios الأمريكي.
كما أن خطاب شومر يمثل مفاجأة من العيار الثقيل للمحللين والمراقبين في واشنطن وتل أبيب، على حد سواء، كون دعمه المطلق لإسرائيل ثابتاً لا يتزعزع منذ عقود، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة بشأن أسباب ودوافع هذا التحول المفاجئ. وبالإضافة إلى ذلك، ستخلق انتقادات شومر اللاذعة مزيداً من الأرضية السياسية أمام مشرعين ديمقراطيين آخرين للتعبير علناً عن انتقاداتهم للحكومة الإسرائيلية في خضم الحرب على قطاع غزة.
ماذا تعني انتقادات شومر لنتنياهو وإسرائيل الآن؟
يعكس خطاب شومر الإحباط المتزايد في واشنطن من نتنياهو وإدارته للحرب على غزة وعدم بذله جهوداً كافية لحماية المدنيين الفلسطينيين والعرقلة الملحوظة لدخول المساعدات إلى غزة، حيث قال شومر إن نتنياهو “أسرف في قبول خسائر في صفوف المدنيين في غزة، وهو ما يدفع الدعم لإسرائيل في جميع أنحاء العالم إلى أدنى مستوياته تاريخياً. ولا يمكن لإسرائيل أن تبقى إذا أصبحت منبوذة”.
كما تشعر إدارة بايدن بالإحباط من مقاومة نتنياهو الشديدة للدعوات الأمريكية لدعم تنفيذ حل الدولتين، الذي تعتبره الولايات المتحدة ضرورياً للمساعدة في كبح الصراع وتحقيق السلام الدائم.
إذ قال شومر إن رفض إسرائيل حل الدولتين “خطأ فادح”، داعياً المفاوضين في الصراع الإسرائيلي بغزة إلى بذل كل ما هو ممكن لتأمين وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن وإيصال المساعدات إلى القطاع.
وبشكل عام، يواجه شومر وغيره من الديمقراطيين البارزين، بما في ذلك الرئيس جو بايدن، انتقادات شديدة من داخل الحزب الديمقراطي بسبب دعم واشنطن غير المشروط لإسرائيل في ظل تأثير العدوان الإسرائيلي على غزة الكارثي على المدنيين الفلسطينيين.
إذ تُظهر التقارير حول أرقام استطلاعات الرأي أن الرئيس جو بايدن يواجه مشكلة غير مسبوقة، وهي تراجع شعبيته في أوساط الناخبين الشباب واليساريين والأقليات، خاصة المسلمين، وهي الفئات التي ساهمت في فوزه على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حسبما ورد في تقرير لموقعthe Real News الأمريكي.
“الرأي العام الأمريكي يغلي، ولكن الصحافة لا ترى البخار”، إذ تتراجع شعبية بايدن بشكل كبير لدى أخلص قواعده، بحيث يبدو الرئيس الأمريكي معرّضاً لكارثة انتخابية بسبب فقدان أصوات الشباب، ولكن الغريب أن وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية ترصد تراجع شعبيته، غير أنها تقلل من تأثير حرب غزة على الانتخابات بشكل يبدو متعمداً، بحسب تقرير الموقع الأمريكي.
مسؤولون أمريكيون وأعضاء ديمقراطيين في مجلس الشيوخ يرون أن خطاب شومر يعكس تغيراً في المزاج الأمريكي العام تجاه حكومة نتنياهو، وبصفة خاصة داخل الحزب الديمقراطي والمجتمع اليهودي الأمريكي الأكثر ليبرالية، بحسب تقرير أكسيوس.
أحد أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين قال للموقع الأمريكي إن “شومر لم يكن بإمكانه أن يدخل أي معبد يهودي في نيويورك عام 2015 لو كان قد صوت لصالح الاتفاق النووي (مع إيران)، أما اليوم فسيتم استقباله استقبال الأبطال”، في إشارة إلى أن انتقادات شومر لنتنياهو وحكومته تحظى بالشعبية بين اليهود الأمريكيين، الذين يدعمون إسرائيل ويريدون تدمير المقاومة الفلسطينية، لكنهم في الوقت نفسه “فقدوا صبرهم على نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة”.
ما رد فعل البيت الأبيض؟
أخبر شومر كبار المسؤولين في البيت الأبيض، الأربعاء 13 مارس/آذار، بأنه ينوي إلقاء خطاب عن إسرائيل، لكنه لم يقدم لهم نسخة من الخطاب ولم يطلب الإذن منهم، بحسب ما قاله مسؤول أمريكي لأكسيوس.
البيت الأبيض لم يشجع شومر على إلقاء كلمته المنتقدة للغاية والحادة، لكنه أيضاً لم يمنعه، وقد أصيب عدد من مسؤولي البيت الأبيض بالدهشة من مدى حدة الانتقادات: “لا أعرف إذا ما كانوا في إسرائيل يفهمون ضخامة هذه الخطوة بالنسبة له (شومر)، أي أن يقول ما قاله”، بحسب أحد مسؤولي البيت الأبيض.
جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض قال للصحفيين: “نحن نحترم تماماً حقه في الإدلاء بهذه التصريحات وأن يقرر بنفسه ما سيقوله في مجلس الشيوخ”، ورداً على سؤال عن رأي واشنطن في إجراء إسرائيل انتخابات بعد الحرب، قال كيربي: “هذا متروك للإسرائيليين”.
طريق مسدود بين بايدن ونتنياهو
تأتي تصريحات شومر، التي أحدثت هزة في إسرائيل دون شك، في وقت يسعى البيت الأبيض للتخفيف من الانتقادات العلنية المتبادلة مع حكومة نتنياهو، بعد التوصل لنتيجة مفادها أن هذه الانتقادات العلنية تصب في مصلحة نتنياهو السياسية الداخلية، بحسب ما قاله مسؤول أمريكي لأكسيوس.
لكن هذه هي المرة الثانية خلال هذا الأسبوع التي يتطرق فيها مسؤول أمريكي رفيع للموقف السياسي الضعيف الذي يواجهه نتنياهو. ففي يوم الثلاثاء 12 مارس/آذار، حدد تقييم المخاطر السنوي لمدير الاستخبارات الوطنية أن “بقاء” نتنياهو كرئيس للوزراء أصبح في مهب الريح بسبب الاستياء بين الإسرائيليين.
على الجانب الآخر، جاء رد حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو حاداً للغاية على تصريحات شومر. فقد قال متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء إنه “لا تعليق في الوقت الراهن” على تصريح شومر، بينما قال حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو إن إسرائيل “ليست جمهورية موز وإن سياسة نتنياهو تحظى بدعم شعبي واسع”.
وجاء في بيان الليكود “على عكس تصريحات شومر، فإن الجمهور الإسرائيلي يؤيد النصر الكامل على حماس، ويرفض أي إملاءات دولية لإقامة دولة فلسطينية، ويعارض عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة”، مضيفاً: “من المتوقع من السيناتور شومر أن يحترم حكومة إسرائيل المنتخبة وألا يسعى إلى تقويضها. وهذا يصح دائماً، بل يصح أكثر في زمن الحرب”.
لكن أحدث استطلاعات الرأي المنشورة نتائجها في إسرائيل الأربعاء، عبر قنوات التلفاز الرئيسية تقول عكس ما جاء في بيان الليكود، حيث كشفت أن أغلبية الإسرائيليين يريدون انتخابات مبكرة، وأنه إذا ما أقيمت الانتخابات اليوم فإن نتنياهو سيتعرض للهزيمة أمام منافسه بيني غانتس.
أما غانتس، فقد اختار أن يبعد نفسه عن الجدال أو الهزة السياسية التي أحدثتها تصريحات شومر نفسه. قال غانتس إن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ أخطأ بإلقائه هذا الخطاب، مضيفاً أن أي تدخل في سياسة إسرائيل الداخلية “غير مقبول”.