على وقع 5 أشهر من المجازر المستمرة تُجرِّف القوات الإسرائيلية الأراضي الزراعية وتدمر المنازل والمدارس الفلسطينية في قطاع غزة، لإنشاء منطقة عازلة بطول حدود القطاع مع المستوطنات الإسرائيلية. فكيف سيؤدي ذلك إلى إعادة تقطيع وتشكيل قطاع غزة؟
كيف ستؤدي إقامة “المنطقة العازلة” إلى إعادة تشكيل قطاع غزة؟
يقول المسؤولون الإسرائيليون إن منطقة الحظر -التي سيُمنع الفلسطينيون من دخولها- تمثل “إجراءً أمنياً سيعمل على نزع سلاح غزة”، ولطمأنة الإسرائيليين بأن بإمكانهم العودة بسلام إلى المستوطنات الواقعة قرب الحدود، والتي تم إخلاؤها بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بحسب السلطات الإسرائيلية.
وبحسب صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، ستؤدي الخطط التي رسمها المسؤولون الإسرائيليون منذ اليوم الأول للحرب إلى إنشاء أرض محظورةٍ بعرضٍ يتجاوز الـ800 متر، حيث سيصبح بإمكان الجنود الإسرائيليين رؤية وإيقاف أي شخص يقترب من الحدود مع المستوطنات.
وفي حال إنشاء المنطقة العازلة بالكامل فسوف تقلّ مساحة القطاع الذي يبلغ طوله 40 كيلومتراً بنسبة 16%، وفقاً لأستاذ الجغرافيا في الجامعة العبرية أدي بن نون الذي يحلل الخطوات الأمنية الإسرائيلية.
وتعارض إدارة بايدن هذه الخطة، كما حذرت من أي مقترح يهدد سلامة أراضي قطاع غزة، الذي تصل مساحته إلى نحو 362 كيلومتراً مربعاً، ويصل عرض القطاع في بعض أجزائه إلى نحو 6.4 كلم فقط.
إسرائيل مسحت المناطق الحدودية في قطاع غزة عن بكرة أبيها
وضمن خطتها لما بعد الحرب في قطاع غزة، دمّرت إسرائيل مئات المنازل والبنايات والأراضي الزراعية الفلسطينية داخل حدود القطاع، وذلك من أجل إنشاء منطقة عازلة أمنية يتجاوز عرضها الـ800 متر.
واعتمدت إسرائيل قبل الحرب على منطقة أمنية بعرض 300 متر فقط داخل غزة، بهدف منع أي شخصٍ من الاقتراب من الجدار، وكان الجنود الإسرائيليون يطلقون النار ويقتلون الفلسطينيين الذين يقتربون من الحدود بدم بارد. والآن تعمل إسرائيل على توسيع تلك المنطقة العازلة، رغم اعتراضات الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الغربيين.
طريق يفصل القطاع إلى نصفين
تعمل إسرائيل كذلك على إنشاء طريق سمّته “ممر نتساريم” يتجاوز طوله الـ6.4 كلم لفصل قطاع غزة إلى نصفين فعلياً، شمالي وجنوبي. وقدّر بن نون، أستاذ الجغرافيا بالجامعة العبرية، أن إسرائيل دمّرت ما لا يقل عن 150 بنايةً حتى الآن لبناء هذا الطريق، الذي قال إن عرضه يبلغ 320 متراً تقريباً.
ومن المقرر استخدام الطريق المار من الشرق إلى الغرب وتأمينه بدوريات حتى تنتهي العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وهو الأمر الذي قد يدوم لأشهر أو سنوات بحسب المسؤولين الإسرائيليين. ويقول بعض المسؤولين الإسرائيليين إنهم لا ينوون إعادة احتلال غزة بشكلٍ دائم، لكنهم يخططون للاحتفاظ بـ”السيطرة الأمنية” داخل حدود غزة إلى أجلٍ غير مسمى.
ودمّرت إسرائيل أكثر من 40% من البنايات الموجودة في المنطقة العازلة المقترحة، التي يبلغ عددها 2800 بناية حسب التقديرات، مُستخدمةً الجرافات والتفجيرات المفخخة المنظمة بحسب بن نون.
وتؤثر أعمال إنشاء المنطقة العازلة على عشرات آلاف الفلسطينيين بالفعل، الذين دُمِّرت منازلهم ومساجدهم وبناياتهم السكنية ومدارسهم بطول الحدود نتيجة الخطة الإسرائيلية.
ويقول وزير شؤون الشتات الإسرائيلي، أميحاي شيكلي، إن الطريق الجديد “سيسهل” على الجيش الإسرائيلي شنّ غارات شمال مدينة غزة وجنوبها، وشن عمليات عسكرية دقيقة.
مضيفاً في تصريحات صحفية، في 7 مارس/آذار 2024، أن الطريق سيستخدم لمدة عام على الأقل، وستكون به 3 مسارات؛ واحد للدبابات الثقيلة والمدرعات، وآخر للمركبات الخفيفة، وثالث للحركة السريعة. وأوضح أنه سيكون من الممكن القيادة على “ممر نتساريم” من بئيري، وهو كيبوتس إسرائيلي بالقرب من حدود غزة، إلى البحر الأبيض المتوسط في 7 دقائق.
جريمة حرب
كان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، قد قال في 8 فبراير/شباط، إن تدمير المباني بشكل ممنهج، والذي يؤكد خبراء ومنظمات حقوقية أن إسرائيل تقوم به في قطاع غزة بغرض إقامة منطقة عازلة، غير قانوني، ويرقى إلى “جريمة حرب”.
وأشار المفوّض، فولكر تورك، في بيان إلى تقارير مفادها أن الجيش الإسرائيلي يعمل داخل قطاع غزة على تدمير جميع المباني الواقعة على بعد كيلومتر واحد من السياج الحدودي مع إسرائيل، بهدف إنشاء منطقة عازلة.
وقال تورك: “أؤكد للسلطات الإسرائيلية أن المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظر على قوة الاحتلال تدمير ممتلكات أشخاص عاديين، باستثناء الحالات التي يصبح فيها هذا التدمير ضرورياً جداً بسبب عمليات عسكرية”.
وحذّر من أن الهدف من إقامة منطقة عازلة لأغراض الأمن العام “لا يبدو متسقاً مع الاستثناء الضيق للعمليات العسكرية المنصوص عليه في القانون الإنساني الدولي”.