انتشرت مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو عديدة لاستخدام القوات الروسية ما يعرف بـ”القنابل الانزلاقية”٬ وهي قنابل ضخمة مزودة بأجنحة لضرب أهداف في عمق أوكرانيا٬ في تكتيك روسي جديد وصف بالمميت والمدمر والخطير على القوات الأوكرانية. فما هي القنابل الانزلاقية الروسية٬ وكيف باتت تغيّر وجه الحرب في أوكرانيا؟
ما هي القنابل الانزلاقية؟
القنابل الانزلاقية أو القنبلة المجنحة٬ هي سلاح تدميري مع أجنحة للتحكم في مسار طيران القنبلة لمنحها مساراً أكثر انسيابية ودقة في إصابة الهدف من القنبلة التقليدية التي لا تحتوي على مثل هذه الأجنحة. وهذا يسمح بإطلاقها على مسافة من الهدف بدلاً من إسقاطها فوقه مباشرة؛ ما يسمح بهجوم ناجح دون تعريض الطائرة المُطلقة لنيران الدفاعات الجوية القريبة من الهدف.
تعمل هذه القنابل عن طريق استخدام نظام التوجيه والتحكم لتوجيهها نحو الهدف المحدد بدقة عالية. ويمكن للقنابل الانزلاقية أن تطلق رؤوساً حربية بدقة بطريقة مماثلة لصواريخ كروز بجزء بسيط من التكلفة؛ أحياناً عن طريق تركيب أدوات التحكم في الطيران على قنابل بسيطة غير موجهة٬ ومن الصعب جداً على الصواريخ أرض-جو اعتراضها بسبب أجزائه الرادارية الصغيرة ومدة الطيران القصيرة. لكن الإجراء المضاد الفعال الوحيد للقنابل الانزلاقية هو اعتراض الطائرات المطلقة قبل أن تقترب من نطاقها.
وتعود القنابل الانزلاقية إلى حقبة الحرب العالمية الثانية؛ مثل القنابل الألمانية Fritz X و Henschel Hs 293، حيث كانت رائدة في استخدام أنظمة التحكم عن بُعد؛ ما يسمح للطائرات المتحكمة بتوجيه القنبلة إلى هدف محدد كشكل رائد من الذخائر الموجهة بدقة. وعادةً ما تكون الأنظمة الحديثة ذاتية التوجيه أو شبه آلية، وتستخدم نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أو محددات الليزر لإصابة هدفها.
ويشير مصطلح القصف الانزلاقي إلى أسلوب القصف الانسيابي ذي الزاوية الضحلة٬ حيث تعمل القنابل الانزلاقية عن طريق إطلاقها من طائرة في الجو، ثم تستخدم آلية منحدرة تسمح لها بالانزلاق على مسار منحدر للوصول إلى الهدف. حيث تحتوي القنابل الانزلاقية على أجنحة قابلة للطي أو منحدرات قابلة للتمدد تعمل على توجيهها نحو الهدف.
كيف تغير القنابل الانزلاقية الروسية شكل الحرب في أوكرانيا؟
في معقل أوكراني بالقرب من خط المواجهة مع القوات الروسية، وعلى بعد أقل من 30 كيلومتراً من مدينة دونيتسك الشرقية، اندفعت كالسهم قنبلةٌ مجنحة باتجاه مبنى متعدد الطوابق. وضربت العبوة الناسفة التي يبلغ وزنها 1500 كيلوغرام المبنى الواقع في بلدة كراسنوهوريفكا، فتحوَّلت إلى كرة من اللهب، وغطَّت المبنى بأكمله بعمودٍ من الدخان الرمادي والأسود.
على الرغم من أن الكاميرا التقطت هذا المشهد من مسافة عدة مئات من الأمتار، فإن الأرض اهتزت تحتها من وقع الانفجار، ولمَّا انحسر الدخان عن الموقع تبيَّن أن القنبلة قد دمَّرت المبنى تدميراً كاملاً٬ كما تقول صحيفة The Independent البريطانية.
وتضيف الصحيفة أن هذه اللقطات لم تكن إلا مشهداً آخر من مشاهد استعمال روسيا لسلاحها الفتَّاك الجديد “قنابل فاب 1500″، فقد برهن هذا السلاح على قوة تدميره الهائلة في كل مرة استخدمته روسيا في ضرب التحصينات الدفاعية الأوكرانية على خط المواجهة أو بالقرب منه.
هناك أسباب عدة يُعزى إليها التقدم الروسي في الجبهات القتالية خلال الأسابيع الماضية -منها مثلاً أن أوكرانيا تنقصها بعض الأسلحة والذخائر لتباطؤ الحلفاء الغربيين في حشد تمويل جديد ومساعدات عسكرية لها- إلا أنه يمكن القول إن الرؤوس الحربية “فاب 1500” التي طورتها موسكو حديثاً أحد أبرز الأسباب، لأنها تُوقع بالقوات الأوكرانية أضراراً هائلة.
ونشر عسكريون روس هذا الأسبوع ثلاثة مقاطع فيديو تظهر الاستعانة بهذه القنابل الانزلاقية لتدمر مباني متعددة الطوابق في بلدات تسيطر عليها أوكرانيا بالقرب من الخطوط الأمامية في دونباس. في أحد المقاطع يمكن ملاحظة قنبلة تقترب بشكل سريع قبل أن تضرب عدة مبانٍ وتنفجر على شكل كرات نارية، وفي مقطع آخر ينهار مبنى بشكل كامل بعد تعرضه للقصف.
قنابل فاب 1500 الروسية.. سلاح مميت يفتك بالقوات الأوكرانية
تستخدم أوكرانيا أيضاً قنابل موجَّهة شبيهة لقنابل “فاب” الروسية، وهي القنابل المعروفة باسم “ذخائر الهجوم المباشر المشترك” (جدام)، لكن الإمدادات الأمريكية إلى أوكرانيا من هذه القنابل أقل وتيرة بكثير من إنتاج روسيا لقنابلها.
وزعم جون فورمان، الملحق العسكري البريطاني السابق في موسكو، أن قنابل “فاب 1500” الروسية أقل فاعلية من قنابل “جدام” الأمريكية، ولكن الأولى أرخص بكثير وإمداداتها أقرب للقوات الروسية من إمدادات القنابل الأمريكية التي تستخدمها أوكرانيا.
الرأس الحربي الروسي هو نسخة معدلة من قنابل “فاب” السوفييتية، التي أُنتج أول إصدار منها “فاب 250” في عام 1946. وتأتي هذه القنابل محمولة على متن الطائرات المقاتلة، وتنزل على أهدافها من الجو، وتتسم بقوة تأثيرها الانفجاري، إلا أن الطراز الجديد من قنابل “فاب” يختلف عن النسخ السابقة في كونه مزوَّداً بأجنحة تتيح له التحليق نحو أهدافه، ومن ثم تحولت هذه الرؤوس الحربية إلى قنابل حائمة موجَّهة.
وقنابل “فاب 1500” الروسية هي أحدث إصدار من قنابل “فاب”، ويحتوي هذا الإصدار على 675 كيلوغراماً من المتفجرات، ويمكن إطلاقه من مسافة تبعد ما بين 40 إلى 70 كيلومتراً من هدفها، ويبلغ نصف قطر مداها التدميري 200 متر. وقد أطلق مدونو الحرب الروس على هذه القنابل لقب “مدمرة المباني”.
قال فورمان، الملحق العسكري البريطاني السابق: “لقد كانت في الأساس قنابل غبية غير موجهة من الحقبة السوفييتية، ثم أُضيف إليها أجنحة توجيه لمهاجمة الأهداف الثابتة بدرجة أعلى من الدقة”، ويمكن تصحيح مسار القنبلة كذلك باستخدام الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية أو الليزر، فيزيد ذلك من دقة توجيهها.
القنابل الانزلاقية الروسية.. قوة تدميرية كـ”الجحيم”
يقول جندي أوكراني من “اللواء 46″ المحمول جواً المتمركز في منطقة دونيتسك، لشبكة CNN الأمريكية، إن القوة التدميرية لهذه القنبلة كـ”الجحيم”، فالأضرار التي تُحدثها هائلة، وإن نجوت من انفجارها، فلا مفر من الإصابة برضةٍ دماغية، و”لذلك فإن لها تأثيراً كبيراً على معنويات الجنود”.
وتستمد هذه القنبلة قوة فتكها من ثلاثة أسباب أساسية: أولها، أن تأثيرها الانفجاري أشد من تأثير قذائف المدفعية والذخائر المستخدمة في الخطوط الأمامية، فهي أكبر حجماً ووزناً.
السبب الثاني، أنه يمكن إطلاقها من مسافة تبلغ نحو 40 كيلومتراً، ومن ثم تحتاج أوكرانيا إلى صواريخ اعتراضية طويلة المدى من أجل التصدي لها، وإمدادات أوكرانيا من هذه الصواريخ قليلة. أما التعديلات التي تستحدثها روسيا على قنابلها القديمة فلا تكلفها كثيراً.
أما السبب الثالث، فيوضحه جوستين برونك، الباحث المعهد الملكي للخدمات المتحدة البريطاني، بالقول: “لا شك في أن قدرة روسيا على إنتاج مزيدٍ من معدات التوجيه الانزلاقية وإضافتها إلى قنابل (فاب) القديمة، أكبر من قدرة أوكرانيا على توفير ذخيرتها من صواريخ الدفاع الجوي (سام) أرض جو، لذا فإن السعي لاعتراض القنابل الروسية وإسقاطها مباشرة ليست استراتيجية قابلة للتطبيق مدة طويلة”.
روسيا تستخدم قنابلها بكثافة بعد اختبارها في أوكرانيا
وزار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في يناير/كانون الثاني مصنع أسلحة بالقرب من موسكو يُقال إنه ينتج قنابل “فاب”، وزعم مدير المصنع أثناء الزيارة أن الإنتاجية زادت بنسبة 40%، وأنهم باتوا يعملون على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. ويشير ذلك إلى أن إنتاج هذه القنابل أصبح أحد الأمور التي تتصدر اهتمام القوات الروسية في هذه الحرب.
ترددت الشائعات الأولى قنابل “فاب 1500” في أواخر سبتمبر/أيلول حين ادعى مدوّن عسكري مُعتمد من الكرملين يُدعى Fighterbomber، ويُقال إنه طيار في القوات الجوية الروسية، أن روسيا على وشك الفراغ من اختبار هذه القنابل. ولم يكد يمر شهران، حتى حذّر قائد القوات الجوية الأوكرانية، ميكولا أوليشوك، في نوفمبر/تشرين الثاني، من وجود “بوادر على استعدادات روسية لاستخدام قنابل (فاب 1500) بكثافة” في الجبهات القتالية.
ثم بدأت تنتشر على الإنترنت مقاطع فيديو كثيرة تُظهر استعمال روسيا لهذه القنابل في مهاجمة المواقع والتحصينات الأوكرانية، خاصة في جبهة “أفدييفكا” في شرق أوكرانيا.
وتمكنت القوات الروسية من السيطرة على مدينة أفدييفكا في منتصف فبراير/شباط، بعد انسحاب القوات الأوكرانية التي تعرضت خطوطها الدفاعية لعشرات الهجمات بقنابل “فاب 1500” كل يوم على مدى أسابيع. وكانت هذه أول جبهة دفاعية عن بلدة أو مدينة تضطر أوكرانيا إلى الانسحاب منها منذ ما يقرب من عام.
قال ماكسيم جورين، نائب قائد اللواء الهجومي الثالث الأوكراني، إن روسيا كانت تسقط ما بين 60 إلى 80 قنبلة من هذه القنابل كل يوم. وتشير التقديرات الأوكرانية إلى أنه لم يتبق أي مبنى في المدينة الصغيرة على حالِه بحلول دخول القوات الروسية إليها، “فهذه القنابل تدمر أي موقع تصيبه تدميراً كاملاً، ولا يتبقى من المباني والهياكل المقامة بعد ضربة واحدة من هذه القنابل إلا حفرة كبيرة”.
بعد أن انسحبت القوات الأوكرانية من المدينة، وأُرغمت على مغادرة ثلاثة مواقع دفاعية قريبة على الأقل، قال يوري إغنات، المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية، إن روسيا تستخدم هذه القنابل لمهاجمة الجنود الأوكرانيين أثناء الفرار، “فالقنابل الانزلاقية الموجهة تحوم خلف المدافعين لدينا وتطاردهم لضرب مواقع القيادة الخلفية، وخطوط الإمدادات والذخيرة، وما إلى ذلك”.
كيف تفكر أوكرانيا لمواجهة هذه القنابل؟
يقول المسؤولون العسكريون الأوكرانيون إن مقاتلات “إف 16” الأمريكية -التي من المقرر أن تتسلم أوكرانيا عدداً منها خلال الصيف من حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا- سوف تخفف من المشكلة لأنها ستزيد من قدرة القوات الجوية الأوكرانية على مهاجمة الطائرات الروسية التي تحمل قنابل “فاب 1500″، ومن ثم تزيد من خطورة استخدام هذه القنابل وترفع أثمان الاعتماد عليها.
لكن برونك، المحلل في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، لديه شك في الزعم الأوكراني، ويرى أنه “من المستبعد أن تؤدي طائرات (إف 16) إلى أي تحسن معتبر في قدرات اعتراض أوكرانيا لهجمات القنابل الانزلاقية الروسية”.
وأوضح برونك “أن المقاتلات والمقاتلات الضاربة متعددة المهام التي تطلق القنابل الانزلاقية تفعل ذلك من مسافات إطلاق تصل إلى عشرات الكيلومترات خلف الخطوط الأمامية الروسية، ويعني ذلك أن طياري مقاتلات (إف 16) يتعيَّن عليهم الاقتراب بشدة من صواريخ الدفاع الجوي (أرض جو) الروسية حتى يتمكنوا من الاشتباك مع المقاتلات الروسية بمجرد إقلاعها”.
وأشار فورمان، الملحق العسكري البريطاني السابق، إلى أن أوكرانيا إما ستضطر إلى تحريك دفاعاتها الجوية الأرضية إلى مواقع أمامية لمحاولة التصدي للهجمات الروسية، وإما ستطالب الحلفاء بتعزيزات للدفاع الجوي في جبهات متقدمة.