محمد يونس أحد أشهر الاقتصاديين والمصرفيين في العالم، حاصل على جائزة نوبل للسلام، ولد عام 1940، له تجربة في مكافحة الفقر في بلاده، إذ نجح في إنشاء وتأسيس بنك “غرامين” (بنك الفقراء)، الذي يهدف إلى الحد من الفقر من خلال توفير قروض صغيرة للفقراء من دون ضمانات، ترك رئاسة البنك عام 2011 بطلب من البنك المركزي لتجاوزه سن التقاعد (60 عاما).
المولد والنشأة
ولد محمد يونس في 28 يونيو/حزيران 1940، بـ”باثوا” إحدى قرى مدينة شيتاغونغ الواقعة جنوب شرق ولاية البنغال الشرقية، التي أصبحت جزءا من باكستان عام 1955 ثم أصبحت بنغلاديش عام 1971، وكانت شيتاغونغ تعد في ذلك الوقت مركزا تجاريا لمنطقة البنغال الشرقي شمال شرق الهند وقتها.
هو الثالث بين 9 إخوة لعائلة مسلمة، كان والده يعمل صائغا في المدينة، وهو ما وفر له بيئة أفضل من أقرانه وقتها، في ظل الوضع المعيشي الجيد الذي جعل والده يصر على تعليمه هو وأشقاؤه تعليما رفيعا.
غير أن الأثر الأكبر في حياة يونس كان لأمه صفية خاتون، إذ عدّها قدوته، فعلمته كيف تكون له رسالة في الحياة، لا سيما لما رأى منها أنها لا تتردد في مساعدة أي فقير يطرق بابهم.
قضى طفولته المبكرة في قريته حتى عام 1944، وبعدها انتقل مع عائلته إلى مدينة شيتاغونغ، حيث توفيت والدته عام 1949.
التكوين التعليمي والثقافي
تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة لامابازار الابتدائية، وأكمل تعليمه الثانوي في مدرسة شيتاغونغ؛ إذ حصل على الترتيب 16 من بين 39 ألف طالب في باكستان الشرقية في الثانوية العامة.
خلال سنوات دراسته كان مشاركا في الكشافة، وسافر إلى غرب باكستان والهند عام 1952، وإلى كندا عام 1955 لحضور المهرجانات.
في عام 1957 التحق بجامعة دكا لدراسة الاقتصاد، وتخرج منها عام 1961، وعين محاضرا في الاقتصاد في كلية شيتاغونغ عام 1961، وأنشأ خلال هذه الفترة مصنعا للتعبئة والتغليف.
حصل عام 1965 على منحة من مؤسسة فولبرايت لدراسة الدكتوراه في جامعة فاندربيلت بولاية تينيسي الأميركية.
في تلك الأثناء نشبت حرب تحرير بنغلاديش (باكستان الشرقية) وقتها، والتي كانت تحارب للاستقلال عن باكستان الغربية، وبطبيعة الحال اتخذ يونس موقفا مساندا لبلاده، وأسس لجنة وحركة طلابية تطالب بالاستقلال.
عاد إلى بنغلاديش عام 1972، وعُين بلجنة التخطيط في الحكومة، لكنه وجدها وظيفة مملة، فاستقال منها للانضمام إلى جامعة شيتاغونغ، رئيسا لقسم الاقتصاد، وتعرضت بلاده لمجاعة صعبة عام 1974، تسببت في موت مليون ونصف مليون إنسان بنغالي.
كانت تلك الأحداث سببا في إحداث صدمة كبيرة في حياته العملية والعلمية، إذ رأى أنه يتعين عليه فعل شيء لمساعدة الفقراء في بلاده، وألا يبقى علمه ونظرياته الاقتصادية حبيسة جدران الجامعة.
إذ رأى أن الفقر يتسبب في حرمان صاحبه من كل قيمة إنسانية نبيلة، ولذلك فإن توفير قروض ولو صغيرة جدا تعد حقا من حقوق الإنسان ووسيلة فعالة لمواجهة الفقر والخروج من دائرته.
وحاول بعدها إقناع البنك المركزي أو البنوك التجارية بوضع نظام لإقراض الفقراء بدون ضمانات، وهو ما دعا رجال البنوك للسخرية منه ومن أفكاره، زاعمين أن الفقراء ليسوا أهلا للإقراض.
التجربة الاجتماعية
في عام 1976، حينما قام بجولة لزيارة الأسر الأكثر فقرا، في محيط القرى المجاورة لجامعة شيتاغونغ، اكتشف أن القروض الصغيرة جدا يمكن أن تحدث فارقا لهؤلاء الفقراء، خاصة لما وجد أن مجموعة من النساء يصنعن من الخيزران أثاثا، بالاعتماد على القروض لشراء المواد الخام، وهو ما أثر على أرباحهن.
كانت البنوك التقليدية وقتها توفر قروضا صغيرة بفائدة معقولة بسبب ارتفاع المخاطر الاقتراضية على البنوك نفسها، وهو ما كان يتناقض تماما مع فكرة يونس، التي تقوم على ضرورة توفير القروض للفقراء مقابل مدة سداد طويلة، حتى بدأ فكرته بإقراض 42 امرأة قروية 27 دولارا.
في ديسمبر/كانون الأول 1976، نجح يونس في الحصول على قرض من الحكومة عن طريق بنك جاناتا لإقراض الفقراء في قرية جوربا، وواصلت المؤسسة العمل، وتأمين قروض من البنوك الأخرى لمشروعاتها، حيث وصل عدد المقترضين 28 ألفا بحلول عام 1982، ومن هنا بدأ التفكير في مشروع تجريبي متكامل لتأسيس بنك غرامين (بنك القرية).
تجربة بنك غرامين
مع اختمار الفكرة واتجاهها نحو اتخاذ الطابع المؤسسي، واجه يونس وزملاؤه حملة قاسية من جانب بعض الحركات الراديكالية والحركات اليسارية، التي حاربت فكرة الاقتراض من البنك أساسا، ولكن كل ذلك لم يؤثر على فكرته والسير في طريق تنفيذها.
نجح يونس في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1983 في تحويل المشروع التجريبي في قرية “جوبرا” في مقاطعة تشاتوغرام ببنغلاديش إلى مصرف سماه “بنك غرامين”، وأعاد هيكلة المصرف وحوله إلى مؤسسة مستقلة، هدفها الأساسي التخفيف من حدة الفقر وتمكين الفقراء المهمشين في بنغلاديش من قروض صغيرة.
الميزة في نشاطات البنك، أنه لا يطلب ضمانات للحصول على قرض، وتتم جميع المعاملات المصرفية باستثناء صرف القروض في اجتماعات المقترضين في المراكز على مستوى القرية.
كان من أولويات البنك، تمكين المرأة وإشراكها في الأنشطة الاقتصادية، وكان نحو 98% من المقترضين نساء، وأثرت هذه القروض على حياتهن وحسنت ظروف عيشهن.
أرقام وإحصائيات
وفقا للموقع الإلكتروني للبنك، فقد افتتح فروعه في 40 منطقة، ويمتلك 40 مكتب تدقيق، و2568 مكتبا فرعيا، ويبلغ عدد موظفيه حتى يناير/كانون الثاني 2024 نحو 22 ألف موظف.
كما ذُكر على موقع البنك الرسمي مجموعة من الإحصائيات منها:
- في عام 2017، بلغ عدد فروعه أكثر من 2600 فرع في مختلف مناطق بنغلاديش، وبلغ عدد المقترضين أكثر من 9 ملايين، بمعدلات استرداد مرتفعة للغاية تتراوح ما بين 97% إلى 99.6%.
- ينشط البنك في 94% من قرى بنغلاديش، وتغطي نشاطاته 81 ألفا و678 قرية في البلاد، ويقدم الخدمات لحوالي 45 مليون شخص.
- قروض البنك لا تتعلق بالنشاطات الاقتصادية فحسب، بل يقدم قروضا تعليمية وقروضا جديدة لريادة الأعمال ومنحا دراسية لأبناء الأعضاء المقترضين.
ويعد برنامج “الأعضاء المتسولين”، من أكثر البرامج الإنسانية والاستثنائية التي يقدمها البنك لعملائه، إذ يقدم قروضا بدون فوائد لمساعدة المتسولين على بناء قدراتهم المالية، حتى لا يضطروا إلى التسول مرة أخرى، ونجح البنك في مساعدة أكثر من 21 ألف شخص على التوقف عن التسول وأصبحوا مكتفين ذاتيا.
يقدم البنك كذلك خدمات الإقراض للكوارث الطبيعية وخدمات الإقراض للأسرة، وبحلول عام 2005 بلغ إجمالي القروض التي منحها البنك على مدار عمله نحو 4.8 مليارات دولار، وارتفع إلى 7.6 مليارات دولار عام 2008.
وتماشيا مع مشروعات مواجهة تغير المناخ، نفذ البنك برنامجا جديدا لزراعة الأشجار، ونجح في زراعة أكثر من 206 ملايين شجرة حتى سبتمبر/أيلول 2023.
وإلى حدود يناير/كانون الثاني 2024، بلغ المبلغ التراكمي لقروض البنك، منذ إنشائه 37 مليونا و997 ألفا و9 دولارات أميركية، واستفاد منها 10.50 ملايين عضو مقترض، 97% منهم من النساء.
نشاطات وبرامج
توسعت نشاطات البنك وأفرعه ليس داخل بنغلاديش فقط، بل امتد ليقدم خدماته ونشاطاته في العديد من الدول من بينها (ماليزيا والفلبين ونيبال والهند وفيتنام)، بل امتدت نشاطاته أيضا لتصل إلى الدول الغنية، ومن بينها الولايات المتحدة، إذ يوجد بها 19 فرعا للبنك في 11 ولاية، وقدم خدماته لنحو 100 ألف امرأة وفقير أميركي بالطريقة نفسها التي يعامل بها أقرانهم في بنغلاديش.
كما تم إنشاء مؤسسة غرامين التابعة للبنك عام 1997 وكونت شبكة عالمية شملت 52 شريكا في 22 دولة قدمت المساعدة لنحو 11 مليون شخص في آسيا وأفريقيا والأميركتين والشرق الأوسط.
في أواخر الثمانينيات، بدأ البنك بتنويع نشاطاته من خلال مشاريع أحواض الصيد ومضخات الري مثل الآبار الأنبوبية العميقة، وفي عام 1989 دفعت هذه النشاطات المتنوعة القائمين على البنك إلى التفكير في إنشاء مؤسسات اقتصادية مستقلة.
وأصبحت للبنك مؤسسات وشركات ربحية وغير ربحية تابعة له، منها مؤسسة “غرامين لمصايد الأسماك” ومؤسسة “غرامين الزراعية” و”غرامين تراست” و”صندوق غرامين”، فضلا عن “غرامين تليكوم” التي تملك حصة في “غرامين فون” وتعتبر أكبر شركة للهاتف الخاص في بنغلاديش.
الوظائف والمسؤوليات
- 1961 بعد تخرجه في جامعة دكا انضم إلى لجنة التخطيط الاقتصادي التابعة للحكومة.
- تم تعيينه أستاذا ومحاضرا للاقتصاد في كلية شيتاغونغ بعد استقالته من لجنة التخطيط الحكومي الاقتصادية.
- 1972-1969 عمل أستاذا مساعدا في الاقتصاد بجامعة ولاية تينيسي الوسطى.
- 1976 أطلق مبادرته لتأسيس وإطلاق مشروعه التجريبي “غرامين” لمواجهة الفقر في بلاده.
- في الفترة (1983-2011) كان على رأس “بنك غرامين” حتى أجبره البنك المركزي على تركه لأنه تجاوز سن التقاعد الإلزامي (60 عاما).
الجوائز والإنجازات
حصل على جوائز دولية ومحلية، وأوسمة ودرجات للدكتوراه الفخرية، وصلت إلى 50 درجة دكتوراه، من جامعات في 20 بلدا، إضافة إلى 113 جائزة عالمية من 26 دولة مختلفة، بما في ذلك أوسمة الشرف من 10 دول، ومن بين أبرز تلك الجوائز:
- جائزة ماجسايساي رامون عام 1984.
- جائزة عيد الاستقلال المرموقة في بنغلاديش (1987).
- جائزة الغذاء العالمية وجائزة سيمون بوليفار الدولية (1994).
- جائزة أمير أستورياس للوفاق وجائزة سيدني للسلام في عام 1998.
- جائزة غاندي للسلام عام 2000.
- جائزة الملك الحسين الإنسانية (الأردن، 2000).
- جائزة سول للسلام عام 2006.
- جائزة نوبل للسلام سنة 2006، مناصفة مع بنك غرامين.
- وسام الحرية الرئاسي والميدالية الذهبية للكونغرس الأميركي 2009، كرمه بها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
كتب ومؤلفات
ألف يونس مجموعة من الكتب وشارك في تأليف مجموعة أخرى مع مؤلفين وخبراء، ومن بينها:
- كتاب عالم الأصفار الثلاثة: يستعرض فيه شرحا مفصلا لفكرته عن “الأصفار الثلاثة” التي يوضح فيها رؤيته لتحقيق التنمية الكاملة ومكافحة الفقر بنسبة صفر (بطالة، فقر، انبعاثات كربونية)، خاصة أنه يرى فشلا كبيرا ومشاكل واضحة في بنيوية الرأسمالية، بعد فشلها في تحقيق العدالة الاجتماعية وتدميرها للبيئة وتسببها في انتشار البطالة وتفاقم المشكلات الطبقية.
- بنك الفقراء- القروض الصغرى والمعركة ضد الفقر في العالم: يستعرض فيه تجربته مع فكرة بنك الفقراء، وكيف بدأت وكيف أصبحت حقيقة، ويتضمن الكتاب كذلك رؤيته لعدد من القضايا الاقتصادية، خاصة ما يتعلق بالمؤشرات الحقيقية للتطور في الدخل القومي، ورأيه في النظامين الاشتراكي والرأسمالي، ومزايا وعيوب كل منهما، ودور المشروعات الصغرى في التنمية المحلية.
- بناء الأعمال الاجتماعية-النوع الجديد من الرأسمالية: يوضح فيه المؤلف كيف يمكن تسخير روح المبادرة والذكاء التجاري لإنشاء أعمال مستدامة يمكنها حل أكبر المشكلات في العالم، ويوضح أيضا كيف يمكن وضع الأعمال الاجتماعية موضع التنفيذ لتحقيق النجاح في التنمية.
- عن المنظمات غير الربحية والقطاعات الاجتماعية: كتاب يتضمن 10 مقالات، لعدد من الخبراء من بينهم محمد يونس، يناقشون فيه كيف تحصل المنظمات غير الربحية والقطاعات الاجتماعية على حصة متزايدة من العمل الأكثر حيوية في العالم، وهل هذه المؤسسات جاهزة لهذا التحدي أم لا؟ وكيف يمكن مساعدتها لتحقيق التأثير الفوري والتغيير الدائم المطلوب؟
- رحلة إلى الأشخاص الذين يغيرون العالم – وما يمكننا تعلمه منهم: كتاب شارك في تأليفه الدكتور محمد يونس، إلى جانب أشخاص آخرين ملهمين ولهم تجارب أثرت وغيرت في واقع مجتمعاتهم، حيث يروي الكتاب قصصا متنوعة وملهمة لأشخاص من جميع أنحاء العالم تركوا بصمة مستدامة على العالم من خلال حياتهم المهنية، ويقدم الكتاب مجموعة أدوات حول كيفية تكوين مهنة لها تأثير إيجابي على العالم.
إضافة إلى ما سبق، ألف الدكتور محمد يونس وشارك في كتابة عدد آخر من الكتب، ومن بينها:
- عالم خال من الفقر.
- استجابة النبات لتلوث الهواء.
- الدليل الأبله الكامل للفيبروميالجيا.