إقليم انفصالي يقع في شرق مولدوفا، أعلن استقلاله من جانب واحد عام 1991، ولم تعترف به أي دولة عضو في الأمم المتحدة، أو أي منظمة دولية، ويعد قانونيا جزءا من جمهورية مولدوفا، ولكن السلطة المركزية في الجمهورية لم تستطع بسط سيطرتها عليه.
يحظى الإقليم بدعم اقتصادي وسياسي وعسكري روسي، ويضم 3 أعراق رئيسية: المولدوف والروس والأوكران، واللغة الروسية هي السائدة، ويعتنق معظم السكان المسيحية الأرثوذكسية.
الموقع والجغرافيا
يقع إقليم ترانسنيستريا في أوروبا الشرقية، في الجهة الشرقية من مولدوفا، وتحده أوكرانيا من 3 جهات: الشمال والشرق والجنوب، ويحده من الغرب نهر دنيستر، الذي يشكل الحدود الطبيعية للإقليم مع مولدوفا.
والإقليم الذي يعرف -وفقا للسلطة الانفصالية- باسم “جمهورية بريدنيستروفيان المولدافية” هو عبارة عن شريط ضيق من الأراضي المنبسطة، يبلغ طوله نحو 225 كيلومترا، ويتراوح عرضه بين 12 و30 كيلومترا، ويمتد على مساحة تزيد على 4 آلاف كيلومتر مربع.
المناخ
تتمتع منطقة ترانسنيستريا بمناخ قاري بفصول مميزة، إذ تكون درجات الحرارة معتدلة في الربيع والخريف، بينما يكون الصيف حارا ومشمسا، والشتاء باردا مع تساقط الثلوج، ويعد معدل الهطول معتدلا في الإقليم، إذ يتراوح متوسطه السنوي بين 500 إلى 600 ملم، ويعد شهرا مايو/أيار ويونيو/حزيران الأكثر رطوبة عادة.
السكان
يبلغ عدد سكان الإقليم نحو 470 ألف نسمة، ويتكون من 3 أعراق رئيسية، بنسب متقاربة، وهي المولدوف والروس والأوكران، مع أعداد صغيرة من الجاجوز والبلغار. والروسية هي اللغة السائدة في الإقليم، أما اللغات الرسمية، وفقا لسلطات ترانسنيستريا، فهي المولدوفية والروسية والأوكرانية. وتمثل المسيحية الأرثوذكسية الديانة الأكثر شيوعا في الإقليم.
التاريخ
منذ أكثر من ألفي عام تعاقب على ترانسنيستريا كثير من الأعراق والأجناس، فقد استقر فيها البدو الأوراسيون وخضعت للروس وحكمها الكومنولث البولندي الليتواني، ثم دخلت تحت الحكم العثماني، وأواخر القرن الـ18 ميلادي، تم ضم المنطقة إلى الإمبراطورية الروسية، وفي تلك الحقبة، بدأ سكان الريف الناطقون بالرومانية بالهجرة من الجانب الغربي إلى الضفة اليسرى لنهر دنيستر التي كان يغلب عليها العرق الأوكراني.
وأسس الاتحاد السوفياتي في أثناء حكمه المنطقة جمهورية “مولدوفا الاشتراكية السوفياتية” عام 1940، من اتحاد منطقتين متمايزتين:
- ترانسنيستريا: وهي الأراضي الواقعة شرق نهر دنيستر، وكانت جزءا من أوكرانيا وتتمتع بحكم مستقل، ومعظم سكانها أوكرانيون.
- بيسارابيا: وتقع إلى الغرب من نهر دنيستر، وكانت جزءا من رومانيا قبل الحكم السوفياتي، وينحدر شعبها من أصول رومانية.
ونفذ الاتحاد السوفياتي تغييرات ديمغرافية واجتماعية كبيرة في كلتا المنطقتين، فمع حلول عشرينيات القرن العشرين، أنشأ السوفيات في مولدوفا لغة مولدوفية بالنص السيريلي وهوية مولدوفية خاصة، وهو ما عزز ظهور القومية المولدوفية في بيسارابيا مع أواخر الثمانينيات، في حين أصبحت ترانسنيستريا ذات تنوع عرقي، نتيجة لتدفق عشرات الآلاف من المهاجرين الناطقين بالروسية الذين جاؤوا للعمل في الصناعات الثقيلة، وقد شكلت الاختلافات الديمغرافية والاجتماعية عائقا دون الاندماج الكامل بين المنطقتين.
الانفصال عن مولدوفا
بدأ بعض سكان بيسارابيا عام 1988 التحيز للقومية المولدوفية، وأدى انبعاث النزعة القومية إلى إنشاء حركة الاستقلال التي أُطلق عليها “الجبهة الشعبية لمولدوفا”، وكان هدفها الرئيسي الاعتراف باللغة المولدوفية بوصفها لغة الدولة الوحيدة وعودة الأبجدية اللاتينية، وأظهرت بعض الفصائل توجها أكثر تطرفا، حين دعت إلى طرد الأقليات العرقية الأخرى.
وقد تمكنت “الجبهة الشعبية” عام 1989 من الحصول على دعم بعض أعضاء البرلمان، إلى جانب الاحتجاجات المنظمة، لإقرار قانون بمقتضاه أصبحت اللغة المولدوفية اللاتينية اللغة الرسمية للدولة، وعندئذ، بدأت بوادر الانشقاق بجمهورية “مولدوفا الاشتراكية السوفياتية”، حين شعر سكان ترانسنيستريا بالتهديد من القومية المولدوفية، وسعوا إلى الانفصال.
وبمرور الوقت، أصبحت “الجبهة الشعبية” أكثر ميلا للتمسك بالجذور الرومانية، وفي أبريل/نيسان 1990، تم اعتماد العلم الروماني الثلاثي الألوان، وهو ما أثار مخاوف سكان ترانسنيستريا متعددي الأعراق من إمكانية اتحاد جمهورية مولدوفا مع رومانيا، وشكل ذلك قلقا لهم بشأن أرجحية فقدانهم حينئذ المساواة اللغوية والتعددية الثقافية.
وبعد عدة جولات من الاستفتاءات، أعلن سكان ترانسنيستريا من جانب واحد عن إنشاء “جمهورية بريدنيستروفيا المولدوفية الاشتراكية السوفياتية” التابعة للاتحاد السوفياتي، وذلك في سبتمبر/أيلول 1990، واستولت القوات شبه العسكرية للإقليم على المؤسسات العامة المولدوفية في المنطقة، ولكن رئيس الاتحاد السوفياتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف أبطل قرار الاستقلال.
ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، أعلن الانفصاليون في أغسطس/آب 1991 تأسيس “جمهورية بريدنيستروفيا المولدوفية” المستقلة، ونجم عن هذه التطورات تصاعد النزاع المسلح في مارس/آذار 1992، واندلعت معارك دامية بين الطرفين.
وكانت الجماعات الانفصالية مدعومة من الجيش السوفياتي، الأمر الذي أسهم بشكل حاسم في تحديد مصير النزاع لصالح الانفصاليين، ومع صيف ذلك العام توصل الطرفان إلى وقف إطلاق النار، وتم إنشاء منطقة أمنية منزوعة السلاح.
ونشأ على إثر ذلك نوع من “الصراع المجمد”، وأصبحت جمهورية ترانسنيستريا مستقلة بحكم الأمر الواقع، فقد بقيت تحت سيطرة السلطات الانفصالية، وباتت لها عملتها الخاصة ودستورها وبرلمانها وعلمها وجيشها ونشيدها الوطني، وأُعلنت مدينة تيراسبول عاصمة لها.
ولم يتم الاعتراف باستقلال الإقليم من قبل أي دولة عضو في الأمم المتحدة، ومن بينها روسيا، ولا من جانب أي منظمة دولية، واعترفت به الأقاليم الانفصالية المماثلة له، وهي أبخازيا وأوسيستا الجنوبية في جورجيا، وناغورني قره باغ، ومن الناحية القانونية تعد الأمم المتحدة الإقليم جزءا من جمهورية مولدوفا، ولم تقبل مولدوفا بعقد اتفاق سلام من شأنه وضع حد للصراع.
وحافظت روسيا عقب ذلك على وجود عسكري لها في ترانسنيستريا، تمثل في نحو 1500 جندي، الأمر الذي يسمح لها بممارسة نفوذها على مولدوفا وتهديد أوكرانيا، ومع مرور الزمن احتلت روسيا واللغة الروسية موقعا مهيمنا في الإقليم.
عام 1997، تم توقيع “مذكرة بريماكوف” الرامية إلى تطبيع العلاقات بين مولدوفا وترانسنيستريا، ودعم إقامة علاقات قانونية بين الطرفين، ومنح ترانسنيستريا الحق في القيام بأنشطة اقتصادية أجنبية بشكل مستقل.
ورغم عدم وجود سيطرة مباشرة لها على أراضي ترانسنيستريا، فإن حكومة مولدوفا أصدرت عام 2005 قانون الأحكام الأساسية للوضع الخاص بالمناطق على الضفة اليسرى لنهر دنيستر، الذي جعلت بمقتضاه من ترانسنيستريا منطقة ذات حكم ذاتي داخل جمهورية مولدوفا.
وعام 2006، أجرت سلطات الإقليم استفتاء لتأكيد الإصرار على المطالبة بالاستقلال، والتصويت على الانضمام إلى الاتحاد الروسي، وقد صوت أكثر من 97% من الناخبين لمصلحة الانضمام إلى روسيا، ولكن مولدوفا لم تعترف بنتائج الاستفتاء، وكذلك المجتمع الدولي. وعادت سلطات الإقليم عام 2014، عقب ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، للمطالبة بالانضمام إلى الاتحاد الروسي، إذ قدمت إلى مجلس الدوما طلبا رسميا بهذا الشأن.
الإقليم وحرب روسيا على أوكرانيا
وعقب 30 عاما من الهدوء في ترانسنيستريا، عاد الإقليم في أبريل/نيسان 2022 يتصدر المشهد إلى جانب الحرب على أوكرانيا، فقد تسببت سلسلة من الانفجارات الغامضة في الإقليم بإحداث حالة من التوتر، زادت حدتها مع تصريح مسؤول عسكري روسي بارز بأن روسيا تهدف إلى السيطرة على جنوب أوكرانيا، مما يتيح لها تشكيل ممر للوصول إلى ترانسنيستريا.
وتخوفت أوكرانيا من احتمال استخدام القوة العسكرية الروسية المتمركزة في ترانسنيستريا لمهاجمتها من الغرب، فضلا عن إمكانية استخدام روسيا ترانسنيستريا للمساندة في المساعدات الطبية والغذاء، وحراسة القوافل وتأمين شبكة السكك الحديدية، وتوفير مساحة آمنة لإعادة إمداد قواتها وإصلاح المعدات وإعادة تجميع صفوفها.
وأغلقت أوكرانيا كامل حدودها مع ترانسنيستريا، وأصبح الوصول إلى الإقليم المنعزل يقتصر على طريق مولدوفا، التي أغلقت هي أيضا مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية بعد فترة قصيرة من الحرب، وأدى ذلك إلى معاناة الإقليم من نقص حاد في الموارد والإمدادات كان معظمها من المساعدات الروسية، التي تأتي عبر ميناء “أوديسا” الأوكراني.
وفي فبراير/شباط 2024، طلبت سلطات ترانسنيستريا الحماية من روسيا في مواجهة مولدوفا، بدعوى ممارستها ضغوطا اجتماعية واقتصادية على الإقليم، بما يتناقض مع المبادئ والقواعد الأوروبية الخاصة بحماية حقوق الإنسان والتجارة الحرة. وأعلنت روسيا عندها أن حماية مصالح سكان ترانسنيستريا إحدى أولوياتها.
وكذلك ناشدت ترانسنيستريا كلا من الأمين العام للأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ورابطة الدول المستقلة وجهات أخرى لمساندتها.
الاقتصاد
يرتكز اقتصاد ترانسنيستريا على التجارة والصناعة بشكل رئيسي، ويضم الإقليم معظم البنية التحتية الصناعية في مولدوفا، ويبرز بشكل خاص في صناعة الصلب والمنسوجات وإنتاج الكهرباء، ولكن إمكاناته الاقتصادية محدودة بسبب عزلته الدولية، لذلك يعتمد إلى حد كبير على المساعدات الروسية والغاز الطبيعي، الذي تقدمه روسيا مجانا، إذ تتم إعادة بيعه بأسعار زهيدة، وتمكن الأرباح المكتسبة بهذه الطريقة ترانسنيستريا من تمويل إنفاقها العام.
وتسيطر شركة شريف القابضة، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالحزب الحاكم، على ما يقرب من 60% من الاقتصاد في الإقليم، فهي تمتلك أصولا متنوعة مثل محلات السوبر ماركت ومحطات الوقود وشركة اتصالات ومصنع الصلب الرئيسي، الذي يعد محور النشاط الاقتصادي في الإقليم، وإليه يرجع حوالي 40% من إيرادات ميزانية الإقليم.
عام 2018 تحول النشاط الاقتصادي نحو الغرب بعد انضمام ترانسنيستريا إلى اتفاقية التجارة الحرة لمولدوفا مع الاتحاد الأوروبي، وأصبحت صادرات ترانسنيستريا إلى الاتحاد الأوروبي على أقل تقدير 4 أضعاف صادراتها إلى روسيا.
وقد أحدثت الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022 تغييرا جذريا في الوضع الاقتصادي في ترانسنيستريا، إذ انخفض حجم الإنتاج الصناعي في الربع الأول من عام 2022 بنسبة 7%، وذلك بسبب انخفاض إمدادات الغاز الطبيعي الروسي وتقويض سلاسل التوريد اللوجستية، الأمر الذي أثر بشكل خاص على القطاعات التي تعتمد على المواد الخام المستوردة، لا سيما الصناعة الخفيفة والمعادن، كما انخفضت التجارة المحلية بنسبة 3%.
وقد أثرت الحرب بشكل كبير على التجارة الخارجية لترانسنيستريا، إذ كانت أوكرانيا تمثل شريكا تجاريا رئيسيا للإقليم، وتمر عبرها غالبية البضائع والمنتجات الغذائية، واعتمدت ترانسنيستريا بسبب وضعها غير المعترف به على أوكرانيا لتوفير الوصول الحر إلى بعض الأسواق الأجنبية.
وعلى إثر اندلاع الحرب، أغلقت أوكرانيا حدودها مع الإقليم، وأصبحت الواردات والصادرات من ترانسنيستريا وإليها تتم بالكامل عبر أراضي مولدوفا وتخضع لسيطرتها، وتزايدت أهمية أسواق الاتحاد الأوروبي والسوق المولدوفية بالنسبة للإقليم، وانخفضت التعاملات التجارية (باستثناء تجارة الغاز) بنسبة تصل إلى 22% مع روسيا.
وزاد معدل التضخم عقب الحرب، فقد وصل في الربع الثالث من عام 2022 إلى 14.5%، بسبب ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة وارتفاع التكاليف اللوجستية، وحققت المواد الغذائية، وخاصة المستوردة منها، أعلى ارتفاع في الأسعار.
واستغلت مولدوفا الوضع، وقد كانت كافة الأنشطة الاقتصادية على أراضي الإقليم معفاة من ضرائب ورسوم حكومة مولدوفا، ولكن في أغسطس/آب 2023، فرضت مولدوفا على شركات ترانسنيستريا دفع رسوم أداء الإجراءات الجمركية.
ويواجه الإقليم عديدا من المشاكل الاقتصادية الأخرى، ومن بينها انتشار بيع الأسلحة غير المشروعة والتهريب وغسل الأموال واستشراء الفساد.
أبرز المعالم
تمتلك ترانسنيستريا معالم تاريخية وطبيعية مميزة، من أبرزها:
مدينة تيراسبول: وهي عاصمة ترانسنيستريا، وتمثل مركزا لاستكشاف ثقافة المنطقة وتاريخها، وتحمل الطابع المعماري السوفياتي، وتضم تمثالا ضخما للزعيم السوفياتي فلاديمير لينين أمام مبنى البرلمان المبني على الطراز السوفياتي، وتحتوي على عدد من المتاحف، أشهرها المجمع التذكاري للحرب، الذي يضم معروضات عن حرب ترانسنيستريا، إضافة إلى نصب تذكاري كبير وشعلة الذاكرة.
قلعة بندر: تقع في مدينة بندر، ويعود تاريخها إلى القرن الـ16، وتمتاز بأسوارها وأبراجها القديمة، التي تقدم لمحة عن تاريخ المنطقة.
دير نول نعمت: يقع في قرية تشيتشاني، ويعود تاريخه إلى القرن الـ18، ويتميز بلوحاته الجدارية وحدائقه.
محمية تيرنوفسكي الطبيعية: تقع في ترانسنيستريا، وهي موطن لأنواع نادرة من النباتات والحيوانات، وتوفر فرصة للمشي لمسافات طويلة في الطبيعة واستكشاف الغابات.