غـــــــــــزة

يـــــــــــوم

تقارير

لماذا يفضل ساسة أمريكا إدانة الإسلاموفوبيا بينما يتجنبون الإشارة لصعود ظاهرة معاداة الفلسطينيين؟

نتائج الثانوية العامة

معاداة الفلسطينيين أو ما يمكن تسميته  بظاهرة “فلسطينوفوبيا” تتصاعد بشكل خطير في الولايات المتحدة منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولكن الاخطر أن الساسة الأمريكيين لا يعترفون بـ”معاداة الفلسطينيين كظاهرة مستقلة عن الإسلاموفوبيا وحتى لو تداخلت معها، والغريب أن هذا الموقف يشترك فيه كثير من مؤيدي إسرائيل والمعارضين للإسلاموفوبيا في آن واحد.

كان وديع الفيومي صبياً مسلماً جميلاً يبلغ من العمر 6 أعوام، وقتله مالك المنزل الذي يقطنه في شيكاغو يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول بـ26 طعنة. بينما تعرض ثلاثة طلاب جامعيين هم هشام عورتاني، وكنان عبد الحميد، وتحسين علي أحمد لإطلاق النار في عطلة عيد الشكر بفيرمونت أواخر العام الماضي. في ما تعرض زكريا دوار (23 عاماً)، وهو أبٌ مسلم يعيش في تكساس، للطعن في مدينة أوستن بعد مظاهرةٍ شارك فيها يوم الثامن من فبراير/شباط.

وجاء رد الساسة، وخاصةً كبار الليبراليين، على هذه الهجمات العنيفة وغيرها بإصدار تصريحات حزينة تُدين رهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا). واستعداداً لبداية شهر رمضان، ذكّر الرئيس جو بايدن الأمريكيين بأن “الإسلاموفوبيا لا مكان لها داخل الولايات المتحدة على الإطلاق”. وبعد أسابيع قليلة من مقتل الفيومي بطريقةٍ وحشية، أعلنت نائبة الرئيس كامالا هاريس عن وضع “الاستراتيجية الوطنية الأولى على الإطلاق لمكافحة الإسلاموفوبيا”. أما على المستوى المحلي، فقد شكّل مستشار المدارس الحكومية في مدينة نيويورك ديفيد بانكس “مجلساً استشارياً لحوار الأديان”، وأعلنت العديد من المدارس العامة والخاصة الأخرى عن تشكيل مجموعات للتقارب مع المسلمين.

لماذا يفضل ساسة أمريكا إدانة الإسلاموفوبيا بينما يتجنبون الإشارة لصعود ظاهرة معاداة الفلسطينيين؟
النائبة الأمريكية رشيدة طليب ذات الأصول الفلسطينية تخاطب الحضور أثناء مشاركتها في احتجاج يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة خارج مبنى الكابيتول الأمريكي، في واشنطن في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023-رويترز

وتبدو هذه الخطوات إيجابيةً وكبيرة في ظاهرها بواسطة المسؤولين، الذين يبدون قلقين بصدقٍ حيال تصاعد أعمال العنف ضد المسلمين بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

لكن وديع الفيومي لم يُقتل لمجرد كونه مسلماً. ولم يُطلَق النار على هشام وكنان وتحسين لمجرد أنهم مسلمون. كما لم يُطعن زكريا بسبب كونه مسلماً فحسب. بل تعرض جميعهم للاستهداف لأنهم فلسطينيون، حسبما ورد في تقرير لموقع The Intercept الأمريكي.

لماذا يفضل الجميع مكافحة الإسلاموفوبيا وليس الاعتراف بانتشار ظاهرة العداء للفلسطينيين؟

ومع ذلك، سنجد أن ردود الأفعال على موجة العنف هذه لم تؤكد تلك الحقيقة. حيث يُعد الحديث العام عن “مكافحة الإسلاموفوبيا” أكثر أماناً سياسياً من مواجهة الظاهرة التي عصفت بأمريكا بقوة منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2023: معاداة الفلسطينيين.

إذ إن إخفاء الهوية الفلسطينية للضحايا يسمح للساسة الليبراليين بأن يتظاهروا باللياقة ويتحدثوا عن سياسات الهوية. وأرسل بايدن مثلاً ديلاوار سيد، أكبر مسؤول مسلمٍ في الإدارة، لحضور جنازة الفيومي. لكن ديلاوار ليس من أصول فلسطينية ولا حتى عربية.

حتى الجماعات التي تتصدى للإسلاموفوبيا لا تركز على ظاهرة معاداة الفلسطينيين

ويتجلَّى الميل للتجاوز عن ذكر معاداة الفلسطينيين في المواقف التي لا تحتل الكثير من عناوين الأخبار، مثل طعن الأطفال حتى الموت. وسنجد أن المسؤولين الليبراليين الذين رثوا الفيومي يختارون الصمت عادةً حين يتعرض الفلسطينيون أو أنصار الحرية الفلسطينية للاستهداف، وذلك بالمضايقات والتصرفات الانتقامية نتيجة نشاطهم.

وسنجد أن التحايل من أجل الحديث عن الكفاح للقضاء على التحيز ضد المسلمين، بدلاً من الحديث مشاعر معاداة الفلسطينيين، يتجلّى لدى بعض الجماعات التي تتصدى للإسلاموفوبيا. كما أن الجماعات التي تتمتع بتاريخ من معارضة النشاط المؤيد لفلسطين مستعدةٌ للانضمام إلى ركب مكافحة الإسلاموفوبيا أيضاً.

الساسة الأمريكيون يتجنبون الحديث عن العداء للفلسطينيين كي لا يغضبوا أنصار إسرائيل

وبالتركيز على الإسلاموفوبيا، يعتقد الساسة الليبراليون الأمريكيون أن بإمكانهم الموازنة بين دعم العدوان الإسرائيلي على غزة وبين التظاهر بأنهم يكترثون لأمر ناخبيهم محلياً. وإذا قرر هؤلاء الليبراليون مواجهة معاداة الفلسطينيين مباشرةً، فسيضعهم ذلك على مسار صدامي مع الفصيل القوي المناهض لفلسطين داخل الولايات المتحدة.

وتُعد الضغوط التي تفرضها القوى الموالية لإسرائيل هي السبب تحديداً في إلقاء كلمات مثل “فلسطين” و”فلسطيني” إلى غياهب النسيان -ناهيك عن فكرة وجود شعب فلسطيني من الأساس. وقد يثير الليبرالي حسن النوايا الجدل لمجرد ذكره “غزة” أو “الاحتلال” في خطاب أوسكار على سبيل المثال، ودون أن ينطق حتى بكلمة “فلسطين”.

لماذا يفضل ساسة أمريكا إدانة الإسلاموفوبيا بينما يتجنبون الإشارة لصعود ظاهرة معاداة الفلسطينيين؟

وتقول العبارة الشائعة بين الشخصيات الموالية لإسرائيل إن الفلسطينيين لا يجب ولا يمكن أن يكون لهم وجود، وليس لهم وجود من الأساس. حيث ظهر الشعار الصهيوني الذي يقول إن فلسطين هي “أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض” قبل أكثر من قرنٍ ونصف. لهذا لا يمكن الفصل بين تجاهل معاداة الفلسطينيين وبين حملة المحو الكامل هذه.

ولا شك أن معاداة الفلسطينيين خاطئة، كما أن لها آثارها الجانبية المدمرة أيضاً. إذ إن عدم الاعتراف بها يُحول الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني إلى معركة بين اليهود والمسلمين. ومن المؤكد أن النظر إلى وقائع العنف المعادي للفلسطينيين في الولايات المتحدة مؤخراً من هذه العدسة هو فعلٌ غير تاريخي، واختزالي، ومجنون. ويُمكن أن يسقط حتى الليبراليين من ذوي النوايا الحسنة في هذا الفخ.

هذا المنظور يتجاهل وجود مسيحيين فلسطينيين متحمسين لتحرير أرضهم

كما أنّ هذه الرواية الطائفية الخطيرة تنفي وجود المسيحيين الفلسطينيين. ويشكل المسيحيون الفلسطينيون أقليةً مؤثرة تنقسم بين أرثوذكسي وكاثوليكي، وهم متحمسون للتحرير بقدر المسلمين الفلسطينيين. وينطبق الأمر ذاته على الأمريكيين من غير الفلسطينيين، الذين وقفوا جنباً إلى جنب مع أبناء وطنهم من ذوي الأصول الفلسطينية.

وقد عانى العديد من هؤلاء تداعيات شخصية ومهنية لم تحظَ بدعم المسؤولين الذين “يتصدون للإسلاموفوبيا”. ويُمكن القول إن النظر إلى العواقب التي لحقت بهذا التحالف المتنوع يُسلِّط الضوء على العامل الذي يُوحّد بينهم، وهو اتخاذهم لمواقف موالية لفلسطين وليس الإسلام.

معاداة الفلسطينيين
طلاب يشاركون في احتجاج لدعم الفلسطينيين في جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، بالولايات المتحدة في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023-رويترز

ومن المؤكد أن مشاعر الإسلاموفوبيا حقيقية تماماً، إذ كانت موجودةً قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، ثم ازدادت حدةً بعد الهجمات. وتُشكل هذه المشاعر قوةً عالمية شديدة؛ لدرجة أن الجمعية العامة للأمم المتحدة صوّتت قبل عامين على اعتماد الـ15 من مارس/آذار يوماً عالمياً لمكافحة كراهية الإسلام، بالتزامن مع الذكرى الخامسة لمذبحة مسجد كرايست تشيرش في نيوزيلندا. أما في الولايات المتحدة، فسنجد أن التعصب ضد المسلمين يغلي تحت السطح دائماً، مع بعض الحوادث الدورية التي تأتي في أعقاب الأحداث الجارية المتنوعة والمفتعلة أحياناً.

وعادةً ما يكون هناك تداخلٌ بين معاداة الفلسطينيين وبين الإسلاموفوبيا. فعندما كرّر مسؤول إدارة أوباما السابق ستيوارت سيلدويتز مضايقته لبائع عربة طعام مصري في نيويورك، حمل تعصُّبه تقاطعاً بين معاداة الفلسطينيين والإسلاموفوبيا.

ويتعيّن على الليبراليين مكافحة الإسلاموفوبيا بكل السبل، ويجب الثناء عليهم لفعلهم ذلك حين يكون الفعل مناسباً. ومع ذلك، يتعيّن على ساسة التوجه الليبرالي أن يعترفوا بأن القنابل الإسرائيلية لا تُفرق بين المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين. ولا يهتم الاحتلال وأتباعه من الكارهين بما إذا كانوا يضطهدون المؤمنين أو غير المؤمنين. ففي داخل الولايات المتحدة، يهاجم أنصار الأفكار الموالية لإسرائيل الفلسطينيين وغير الفلسطينيين واليهود والمسيحيين والمسلمين والملحدين، ويعتبرونهم هدفاً طالما أنهم يناضلون من أجل الحقوق الفلسطينية.

ولهذا يجب على الليبراليين الاعتراف بوجود معاداة الفلسطينيين. ويجب أن يكافحوها بشتى الطرق الممكنة إذا كانوا قلقين بصدق. وخير نقطة يمكن البدء منها هنا هي معارضة الحرب الإسرائيلية على غزة.


شبكة الغد الإعلامية - مؤسسة إعلامية مُستقلة تسعى لـ تقديم مُحتوى إعلامي راقي يُعبّر عن طموحات وإهتمامات الجمهور العربي حول العالم ونقل الأخبار العاجلة لحظة بلحظة.

منشورات ذات صلة