في كل موسم دراما رمضاني يكون هناك مسلسل يمثل الجَواد الرابح وغالباً يكون مفاجأة، حيث لم يره أحد قادماً، وربما لا يحوي نجوم صف أول ولكن يستشعر الجمهور قربه من العمل فيقوم بمتابعته ليحصد العمل أعلى نسبة مشاهدة.
وهذا كاد أن يحدث مع مسلسل أعلى نسبة مشاهدة بالفعل، ولكن عقبة صغيرة اسمُها ليلى زاهر عرقلت أن يحقق المسلسل اسمه.
ليلى زاهر.. مشكلة في حركة الفك والصوت تخطف تركيزك من العمل
كل من شاهد المسلسل أو سمع عنه وتحمس لمتابعته بمجرد ظهور ليلى زاهر لعدة دقائق شعر بالاختناق من المبالغة في طريقة الكلام وحركات الوجه، فليلى التي تمثل شخصية “نسمة كاريزما” في المسلسل تتكلم بطريقة “التطجين” وتضخيم الكلمات، وتغيير بعض حروف اللغة بتحويل الكلمات إلى أخرى؛ مثل إضافة مقطع “شي” إلى الجملة، فتتحول أختي إلى “اختشي” وتتحول أبلة إلى “ابلتشي”.
ليس هذا فقط فهناك لزمة اخترعتها ليلى في أدائها للشخصية وهي ليست مط الكلمات فقط، بل مط فكها ذاته وتحريكه بطريقة جانبية مزعجة للغاية، تجعل من يشاهد يخرج عن تركيزه تماماً، ويمكنه أن يذكرك بالأداء الكوميدي المتعمد للفنانة المميزة “سيمون” في مسرحية لعبة الست، ولكن سيمون فعلتها ككاركتر للإضحاك، بينما ليلى تقدم شخصية واقعية لا يجوز معها مثل هذه اللزمات.
ليلى زاهر أضرت بالعمل
هكذا فبدلاً من التركيز مع الأحداث والقصة، يجد الجمهور أن أداء ليلى قد شغله فلم يعد يشاهد نسمة، ولا ما يحدث لها في العمل، بل يشاهد ليلى ويفكر هل هناك من يتكلمون بهذا الشكل في الواقع؟ وما هذه المبالغة؟ وهل سأظل طوال العمل أشاهد هذا الأداء الفاصل؟
وهنا يحدث الضرر للعمل فعندما يَخرج المُتلقي عن الاندماج مع العمل والشخصيات، يفشل المسلسل في حصد أعلى نسبة مشاهدة.
شخصيات واقعية تتكلم هكذا
بعض المدافعين عن أداء ليلى يؤكدون وجود شخصيات واقعية تتكلم هكذا، وأن أي متابع للتيك توك يمكنه أن يتعرف على شخصيات شهيرة تتكلم بذات التطجين ونفس Body language المزعجة والتي تعبر عن نوعية من الشباب اصطلح على تسمية طريقتهم “سرسجة”، مثل “قمر الوكالة” أو “سوزي” أو “أم سجدة”، ولكن هل هؤلاء يعبرون عن الواقع؟
ستخبرني بكل حماس أنك تشاهد هذه الطريقة في الواقع، في بائعة فرشة الملابس في المكان الفلاني أو سائق التوكتوك في المكان العلاني، ولكن دعنا نأخذ دقيقة ونفكر.
هل رأيت هذه النماذج قبل 10 سنوات في الحياة؟ الإجابة لا، فسكان المناطق الشعبية حتى في أدنى طبقاتها المادية كانوا يتحدثون مثلنا عادي، قد يتشرب كلامهم بلكنة ترجع لبعض الأصول الريفية، أو نطق خطأ لبعض الكلمات ذات الأصل الأجنبي، ولكن عامة فإنهم يتحدثون بشكل عادي غير مزعج.
ولكن مع انتشار التيك توك وأمثاله، وجد البعض أن الكنز للنجاح في هذه المواقع هو الاختلاف، لن تنجح وتتم متابعتك لو كنت عادياً..
لو تكلمت بطريقة عادية كما يتكلم البشر فلمَ يتابعونك؟ بل اكتشف البعض أنه كلما كنت أكثر تطرفاً وذهبت لأقصى Extreme ستحصد متابعات كثيرة وتحصد أموالاً أكثر، البعض اتجه إلى التطرف في الرقة وادعاء الرُّقي كفيديوهات “سلمى” التي لا تجيد نطق الكلمات العربية وتنطق كلمة “طحينة” “طهين”، والبعض الآخر وجد أنه لن يجاري هذا النوع فقرر أن يتطرف في الجهة الأخرى، فالفتاة الشعبية التي تتكلم بطريقة شعبية عادية بدأت “تأفور” في الأسلوب لتشد الانتباه، فوصلنا لإيمي تاتو التي تستخدم الأسلوب المقتحم والسباب والصوت العالي، ليتطور الأمر لأم سجدة وقمر وسوزي، وما خفي كان أعظم.
ولأن الطبيعة تقلد الفنان كما قال “أوسكار وايلد” فشباب وفتيات المناطق الشعبية بدأ بعضهم يعجب بطريقة حديث مشاهيرهم الذين يحصدون الآلاف عبر السوشيال ميديا، فأصبحوا يتحدثون بنفس الطريقة التي يعتبرونها تميزهم.
ليلى حولت نسمة لشخصية كاريكاتيرية
الحقيقة أن خطأ ليلى في ضعف أدائها، فالمفترض أن تُمسك الشخصية، وأن تفصل بين “نسمة” وهي تتحدث في منزلها ومع أسرتها وأختها وزميلاتها في المدرسة وقبل حتى شهرتها والتي كان يجب أن تكون طبيعية مثل والدها ووالدتها وأختها الكبرى، وبين طريقة “التطجين” التي تتبعها أمام الشاشة والتي تحصد بها المشاهدات.
ولكن ليلى لم تستطِع قراءة الشخصية، وللأسف فموهبتها البسيطة جعلتها تحول الشخصية لصورة كاريكاتورية، ففن الكاريكاتير يعتمد على تضخيم الأشياء لتظهر بفجاجة لتسليط الضوء أو الإضحاك، فذلك لديه أنف كبير يقوم فنان الكاريكاتير بتضخيمه وإبرازه بشدة، ولكن في الدراما المبالغة تحول الشخصيات لشخصيات غير حقيقة كارتونية، حيث بالغت ليلى في الصوت وطريقة الكلام وتعبيرات الوجه والجسد، وخرجت بالشخصية من حيز التصديق لحيز التشخيص وكأنها تقدم فقرة تقليد كوميدية.
لماذا ليلى؟ سؤال يجب إجابته؟
الحقيقة أن مسلسل أعلى نسبة مشاهدة يحوي داخله كل عوامل النجاح، فأدوار محمد محمود وانتصار وفرح يوسف مميزة حقاً، وأداء إسلام إبراهيم كشاب شعبي طبيعي جاءت جيدة جداً، حتى سلمى أبو ضيف جاءت مقبولة رغم مبالغة أدائها أيضاً، ولكن بشكل أقل حدة من ليلى، ورغم موهبة سلمى المتنامية ولكنها لم تتمكن من أداء الدور بشكل طبيعي وإن كانت أقل إزعاجاً من ليلى، كذلك فالكتابة الجيدة جداً لسمر طاهر سواء على مستوى السيناريو أو الحوار، وهو حوار متماسك لا يحمل ركاكة أو ضعفاً قد تحدث في هذه النوعية من الأعمال، بل جاء الحوار واقعياً ومعبر عن الشخصيات التي رسمت بشكل جيد جداً وعميق لا تسطيح به.
كذلك جاء الإخراج لياسمين أحمد كامل جيد جداً، في حركة الكاميرا وواقعية الديكور، وحركة الشخصيات خاصة الثانوية منها، ولكن يؤخذ عليها أمران، الكاستنج، حيث إعطاء ليلى دوراً كهذا دون أن يحوي تاريخها على عمل واحد متألق في الأداء يبشر بأداء مميز في دور نسمة، والأمر الآخر عدم توجيهها بتقليل الأداء الكاريكاتوري للشخصية وضبط تون الصوت وحركات الوجه على الأخص.
من عمر وسلمى حتى نسمة
ما هو تاريخ ليلى زاهر في التمثيل؟ الحقيقة أن تاريخها ليس طويلاً، فالفتاة صغيرة السن التي بدأت التمثيل في الثامنة من عمرها والتي بلغت الآن الـ20 عاماً، دخلت الوسط اعتماداً على موهبة والدها، فأحمد زاهر يحوي تاريخه أعمالاً جيدة جداً لفتت له الأنظار، واعتماداً على شهرته تسللت بناته إلى الوسط الفني، ولكن كثيراً من أبناء الفنانين دخلوا الوسط بالواسطة لأنهم أبناء أسماء كبيرة، ثم أثبتوا ذاتهم بمهارتهم؛ فمن ريهام عبد الغفور وحنان مطاوع، وأحمد السعدني وغيرهم كثيرون، ولكن الطفلة المنطلقة ليلى في عمر وسلمى لم تكبر معها موهبتها.
فمن بين تاريخ لأعمال لم تحقق نجاحاً جماهيرياً مطلقاً؛ كالفتوة، وكلبي دليلي، ووادي الجن والمحكمة، هل سمعت عن هذه الأعمال من قبل؟ أو تتذكرها؟ أو تتذكر دور ليلى بهم؟ أشك.
إلى في بيتنا روبوت وهو العامل الناجح الوحيد في مشوار ليلى القصير، والحقيقة أن نجاحه بالتأكيد لا يعتمد على ليلى، بل كان أداؤها هو الأقل بين الرباعي الأهم في العمل، فالقصة الجيدة وأداء عمرو وهبة في دور لذيذ، وشيماء سيف في دور زومبا هما أساس نجاح العمل يليهما أداء هشام جمال في دور يوسف، ولكن ليلى زاهر أو سارة كان يمكن استبدالها بأي فتاة صغيرة رقيقة قليلاً وستؤدي الغرض ولن تشعر بافتقادها.
أداء ليلى حتى الآن بعد مغادرتها مرحلة تألق الطفولة، تقليدي باهت لا يترك أثراً أو بصمة وإن كان هذا الأداء لم يسبب مشكلة في عمل كوميدي مثل في بيتنا روبوت، ولكنه في عمل درامي تراجيدي وجب أن تغير أداءها وأن تترك بصمة، ولكن بدلاً من فعل ذلك بالغت في الأداء لتحوله إلى أداء غير مقبول.
لو كانت أخرى غير ليلى
المسلسل طوال الأيام السابقة كان أحد التريندات الهامة في رمضان، والذي انحصر للأسف أغلبية النقد والتحليل له على أداء ليلى وسلمى المبالغ، وأداء ليلى وحركاتها المزعجة جداً، وتصاعد سؤال: ماذا لو كان دور نسمة لنجمة أخرى؟ مؤكدين أنه لو حدث ذلك لتحول العمل لأعلى نسبة مشاهدة حقاً، حيث تلافي نقطة ضعفه الأكبر.
البعض اقترح روبي، متذكراً أداءها في دور “مبسوطة” في مسلسل “بدون ذكر أسماء” والذي عبر عن فتاة شعبية من طبقة منخفضة بتلقائية بدون أن مبالغات أو تشنج وكذلك أداؤها في مسلسل “سجن النساء” في دور رضا.
عامة أياً كان الاسم المقترح كبديل، فإن الواقع أن ليلى لم تعطِ الدور حقه، بل كانت الثغرة الحقيقية في العمل، وأنها لو أرادت النجاح في عالم التمثيل، فلا يجب أن تعتمد على اسمها وعلى واسطة والدها، بل تستثمر بذرة الموهبة التي تواجدت في طفولتها لتنميها بالدراسة والعمل على ذاتها وأدائها، ربما يكون الانتقاد الحاد الذي لاقته مع هذا العمل اللافت للنظر نقطة انطلاق لها لتطور من أدائها وتتعلم التمثيل وليس التشخيص.
وربما الحوار المجتمعي الدائر حول العمل يدق ناقوس خطر عن تسلل هذه الطريقة في الحديث والحياة من مواقع كالتيك توك لتتحول لجزء من واقعنا الذي أصبح مشوهاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]