دراما بنكهة كوميدية وحبكة اجتماعية ملهمة وُلدت من رحم الصدمات النفسية والعلاقات الأسرية المفككة؛ هذا بالضبط ما بُني عليه مسلسل “بابا جه” الذي يشهد البطولة المطلقة الثانية للنجم أكرم حسني بعد تجربته العام الماضي ومسلسل “مكتوب عليا” الذي حقق نسب مشاهدات مرتفعة ورفع سقف توقعات الكثيرين تجاه ما يقدمه أكرم مُستقبلا.
ورغم أهمية الرسالة الإنسانية التي يطرحها “بابا جه”، فإن اختيار أكرم حسني الذي اعتاده الجمهور “كوميديانا” خوض السباق الرمضاني بهذا المسلسل، يعد بمثابة تحد جريء وغير متوقّع، وهو ما ضاعف مفاجأة الجمهور وبالتبعية تقديرهم لطبيعة المحتوى.
أب للإيجار
“بابا جه” مسلسل ينتمي لدراما الـ15 حلقة؛ وهو ما يعني أنه أوشك على الانتهاء، ورغم أنه مقتبس عن فيلم كوري بعنوان “أب للإيجار” (Dad for Rent) فإنه جرى تمصيره بطريقة ذكية مناسبة للواقع العربي.
ويمكن وصف العمل بكونه ظريفا وعائليا وإن كان لن يُسقطك أرضا من فرط الضحك، ومع ذلك فهو يستحق المشاهدة ليس فقط من أجل المتعة اللحظية وإنما لما يتضمنه من رسائل مهمة وشائكة لن تلبث أن تتماس مع الكثيرين من الكبار والصغار.
تدور فكرة المسلسل حول خلل في العلاقة بين أب وابنته، وبسبب هذا الخلل الجليّ والممتد لسنوات، وخلال إحدى فعاليات مدرسة الابنة لتعليم الأطفال ثقافة العطاء والاستغناء عمّا يفيض عن حاجتهم، تُعلن الطفلة على الملأ أن والدها عديم الفائدة، ويمكنها منحه لمن يريد، وهو ما يُقابل بحفاوة وسعادة من طفل آخر يتيم الأب يُعرب عن رغبته بالحصول على هذا الأب.
ومع أن ذلك يُصيب البطل في مقتل لكنه كذلك يُغيّر مسار حياته 180 درجة، إذ يُنشئ صفحة على منصات التواصل الاجتماعي تُعلن عن خدمة “بابا جه” للباحثين عن شخص يقوم بدور الأب لبضع ساعات وبأجر يتم الاتفاق عليه. الغريب أن الخدمة تلقى رواجا، ومع توالي الحلقات نتعرّف إلى عائلات وأبناء وأحيانا رجال كبار السن بحاجة إلى أب، كل لسبب خاص ومُحدد.
كتابة ذكية وحساسة
ينتمي العمل بالأساس إلى فئة الكوميديا، لكن ذلك لا ينفي حساسية القضية التي يتناولها، وتحديدا إهمال الآباء احتياجات أولادهم العاطفية والنفسية، وهو ما ينتج عنه تعرّضهم إلى كثير من المشكلات ويؤثر بدوره على سلوكياتهم واختياراتهم الحياتية.
وفي حين يتحول بعضهم إلى متنمرين أو يلجؤون إلى المخدرات، نجد آخرين يميلون إلى العزلة ويفقدون الثقة بالنفس أو الشعور بالانتماء والأمان، ومع الأسف كثيرا ما يتسبب هذا الوجع الهائل بخلق جرح غائر لا يندمل مهما تقدم العمر.
وقد ساهمت جودة السيناريو في أن يخرج العمل مضبوطا بدون استسهال أو مبالغة، ومن جهته استطاع خالد مرعي منح المُشاهد كادرات جميلة وماتعة بصريا، كذلك أجاد قيادة طاقم العمل وهو ما لم يكن سهلا على الإطلاق كون الغالبية منهم أطفالا ومراهقين يخوضون تجربة التمثيل أول مرة.
ضيوف الشرف ينقذون الموقف
أما على مستوى النجوم الرئيسيين فجاء أكرم حسني على قدر توقعات الجمهور منه بلا زيادة أو نقصان، ولم يلجأ إلى الاستظراف أو كوميديا الإفيهات المكررة والدارجة على منصات التواصل.
ورغم وجود أوتاكا المعروف بخفة الظل والذي سبق أن شارك أكرم بطولة أعمال أخرى، فإنه جانبه التوفيق هذه المرة سواء على مستوى الأداء أو القدرة على الإضحاك، والأمر نفسه تكرر مع ياسر الطوبجي، في حين لم يُمنح مصطفى غريب مساحة درامية كافية لإبراز طاقاته الكوميدية بخلاف مساحته الاستثنائية والتي أحسن استغلالها بمسلسل “أشغال شقة” الذي يُعرض حاليا ويحتل أعلى مراتب المشاهدة.
لكن المفاجأة الأسوأ كانت من نصيب نسرين أمين التي توقع الجمهور أن تُقدم ثنائيا كوميديا مع أكرم، خاصة أنها -رغم قلة مساهماتها الكوميدية- حفرت مكانها في قلوب الجمهور بما أبدته من خفة ظل لا تُنسى بفيلم “حملة فريزر” مع شيكو وهشام ماجد، ومع ذلك قدمت في “بابا جه” دورا دراميا باهتا لا يُضيف إليها.
ولحسن الحظ، نجح بعض ضيوف الشرف في ضخ جرعات من اللُطف والخفة وقدموا ثنائيات مؤقتة ماتعة مع أكرم حسني، على رأسهم بالطبع أحمد أمين شريك الأول بمسلسل “الوصية”، يليه محمود البزاوي، وعمرو وهبة، والطفلة لافينيا نادر التي تفوقت على الكثير من الكبار بالعمل.
العمل تأليف وائل حمدي ومحمد إسماعيل أمين وإخراج خالد مرعي، والبطولة من نصيب أكرم حسني، نسرين أمين، محمد أوتاكا، سماء ابراهيم، فريال يوسف، ولافينيا نادر، ومعهم الكثير من ضيوف الشرف.