عندما ننظر إلى أعماق الدماغ نجد عالماً غامضاً مليئاً بالألغاز والإمكانيات الهائلة، إذ كان منذ القدم مستحوذاً على اهتمام البشر، واعتبروه مقرّ الفكر ومصدر الذكاء والشخصية.
ومع مرور السنين تطورت الأبحاث العلمية، واكتشفات عن الدماغ، لتكشف النقاب عن أسرار جديدة لهذا العضو الرئيسي في جسم الإنسان.
فقد اهتم العلماء والفلاسفة بفهم عملية التفكير وتأثير العقل على سلوك الإنسان، ولكن مع التقدم التكنولوجي وتطور أساليب البحث العلمي تمكن الباحثون من استكشاف أعماق الدماغ بطرق لم تكن متوفرة سابقاً.
من فحوصات الأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي إلى الأبحاث الجديدة في علم الأعصاب والذكاء الاصطناعي، فإن رحلة استكشاف الدماغ لا تنتهي أبداً.
وفي هذا السياق، تُظهر دراسات جديدة تبايناً مدهشاً فيما يخص قدرات الدماغ، بما في ذلك قدرته على التعلم المستمر، وتأثير التغذية والتمارين العقلية على صحته.
وفي هذا الصدد نكشف النقاب عن أبرز اكتشافات عن الدماغ التي توصل إليها العلم خلال السنوات الأخيرة، والتي يمكن وصفها بأنها مذهلة.
نظارات واقع افتراضي صغيرة لبحوث دماغ الفئران
في دراسة غريبة، قام باحثون في جامعة نورث وسترن بتطوير نظارات واقع افتراضي للفئران، ما يسمح لهم بفهم أفضل لعمليات أدمغة الفئران.
سابقاً كان العلماء يستخدمون شاشات الحاسوب لإنشاء بيئة محاكاة للفئران، لكن كانت تواجه ببعض القيود، حيث كانت الشاشات تعرض واقعاً ثنائي الأبعاد، ولم تغطِّ مجال الرؤية بالكامل.
ومع ذلك، فإن هذه النظارات الجديدة لا تواجه هذه المشاكل، ما يفتح آفاقاً جديدة للبحث في علم الأعصاب الحيوي.
إذ قام الفريق البحثي في الجامعة حول اكتشافات عن الدماغ، باختبار النظارات الجديدة من خلال محاكاة هجوم طائر على الفأر من أعلى، ما يتيح لهم فهم كيفية استجابة أدمغة الفئران لتهديد مفترس في الوقت الحقيقي. وقد وضع الباحثون خططاً لما سيتبعونه بعد هذه التجربة.
وفيما يتعلق بمستقبل هذه التقنية، صرَّح جون عيسى، أحد مطوّري النظارات الرأسية التي ترتديها الفئران: “نطمح في المستقبل إلى استخدام هذه التقنية في مواقف حيث لا يكون الفأر الفريسة، بل المفترس، بإمكاننا تتبع نشاط الدماغ أثناء مطاردة الفأر لذبابة على سبيل المثال. هذه العملية تنطوي على الكثير من التفكير وتقدير المسافات، وهي أمور يمكننا البدء في تسجيلها”.
زراعة أجهزة للمساعدة في علاج اضطراب الوسواس القهري والصرع
آمبر بيرسون، البالغة من العمر 34 عاماً، كانت تعاني من آثار مدمرة لاضطراب الوسواس القهري. كانت تعاني من قلق شديد بسبب التلوث إلى درجة أنها كانت تحك يديها بقوة حتى تدميها، وهذه الطقوس كانت تستمر لمدة تتراوح بين 8 و9 ساعات يومياً، وكانت تعاني أيضاً من الصرع.
لكن الآن بفضل زراعة دماغية مبتكرة، ضمن اكتشافات عن الدماغ، أصبحت هذه الطقوس والنوبات شيئاً من الماضي، إذ استخدم العلماء أجهزة صغيرة زُرعت في الجمجمة لعلاج اضطراب الوسواس القهري والصرع بشكل منفصل، ولكن آمبر كانت الحالة الوحيدة التي دُمج فيها علاج الحالتين.
يعمل الجهاز المزروع عن طريق إرسال نبضات كهربائية عميقة في الدماغ، وهذه النبضات تساعد في تشتيت الأفكار المتطفلة.
والآن تستغرق طقوس آمبر نصف ساعة فقط، واختفت مخاوفها المتعلقة بتناول الطعام بشكل تام. في حديثها مع وكالة الأنباء الفرنسية صرحت آمبر قائلة: “إنها حقاً حاضرة في حياتي اليومية، وهذا شيء مذهل، في السابق كنت دائماً محاصرة في عالم طقوسي، والآن لا أشعر بالقلق بسبب الأشياء العادية في الحياة”.
العلماء نجحوا في إبقاء دماغ خنزير على قيد الحياة خارج جسمه
في جامعة جنوب غرب تكساس الطبية، قام الباحثون بتطوير آلة تمكنهم من الحفاظ على دماغ خنزير على قيد الحياة خارج جسده.
إذ تعتمد هذه الآلة على مضخة مصممة بشكل خاص لتزويد الدماغ بالدم، وتراقب خوارزمية معينة عوامل مثل ضغط الدم وتدفقه ومعدل النبض، كما تستطيع هذه الآلة تعديل إمدادات الدم، ما يشبه كيفية عمل الدورة الدموية في الجسم.
حتى الآن، تمكّن العلماء من الحفاظ على دماغ خنزير معزول عن جسمه وعلى قيد الحياة لمدة تصل إلى خمس ساعات، مع تغيير طفيف في النشاط الدماغي.
ويعتبر الأمل من وراء هذه التجربة أن تفتح آفاقاً جديدة لفهم كيفية عمل الدماغ.
وفي تصريح له قال الدكتور خوان باسكوال، أحد الباحثين الرئيسيين في هذه التجربة: “توفر هذه الطريقة الجديدة للباحثين فرصة للتركيز على الدماغ بشكل منفصل عن الجسد، ما يمكننا من الإجابة عن أسئلة مهمة في علم النفس بطريقة لم تكن ممكنة من قبل”.
اكتشافات عن الدماغ جديدة حول متلازمة أليس في بلاد العجائب
تُعتبر متلازمة أليس في بلاد العجائب (AIWS) ظاهرة نادرة وغامضة، حيث يُعاني المصابون بهذا الاضطراب، الذي يأخذ اسمه من قصة “أليس في بلاد العجائب”، للكاتب الإنجليزي لويس كارول، من تشويه أحجام الأشياء بطريقة غير صحيحة.
يمكن للأفراد الذين يعانون من هذه الحالة أن يشعروا بانكماش أو زيادة في حجم أشياء محيطة بهم، أو حتى رؤية الأشياء القريبة بأحجام خاطئة.
يُعتبر هذا الاضطراب نادراً، حيث لا يوجد سوى حوالي 170 حالة معروفة، ولكن العلماء لا يزالون في حيرة حول أصوله.
مع ذلك، يُعبر الخبراء عن أملهم في أن تُسهم دراسة أُجريت هذا العام في الكشف عن حلول لهذه الحالة الغريبة.
تركز التجربة الأخيرة على نشر خرائط شبكة الآفة، حيث قام الباحثون بمقارنة فحوصات الدماغ للأشخاص الذين يُعانون من متلازمة أليس في بلاد العجائب، مع فحوصات الأشخاص الأصحاء والأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عصبية أخرى.
وقد وجدوا أن أكثر من 85% من الأدمغة المصابة بهذه المتلازمة تعاني من آفات تؤثر على منطقتين محددتين: منطقة معالجة الرؤية والمنطقة التي تشارك في تقدير الأحجام.
رغم أن البحث لا يزال في مراحله الأولية، فإن العلماء يأملون أن تقودهم الدراسات الإضافية لهاتين المنطقتين إلى فهم أعمق لهذا الاضطراب النادر وإيجاد حلول فعالة له.
تجربة إيلون ماسك لزرع دماغ بشري
يُعرف إيلون ماسك بمشروعاته العلمية الطموحة، والتي غالباً ما تكون مثيرة للجدل، في 29 يناير/كانون الثاني 2024، نشر الملياردير تغريدةً على حسابه في موقع تويتر، حيث أعلن أن شركته نيورالينك قد زرعت لأول مرة شريحة في دماغ بشري.
مع أن ماسك لم يكشف عن تفاصيل كثيرة حول التجربة، إلا أنه أكد في التغريدة أن الشخص الذي زرعت في دماغه الشريحة “يتعافى بصورة جيدة”.
وأوضح بإيجاز أن الشريحة تلتقط طفرات النشاط الكهربائي التي تُولدها الخلايا العصبية في الجمجمة.
كان الهدف الأساسي لشركة نيورالينك إنشاء واجهة تمكن الأشخاص من استخدام عقولهم للتحكم في الأجهزة، ومع ذلك واجه المشروع انتقادات حادة بسبب اتهامات بمعاملة الحيوانات بوحشية.
في عام 2023، انتقدت لجنة الأطباء للطب المسؤول (PCRM) التجارب السابقة التي أُجريت على قرود المكاك بسبب الضرر الجسيم الذي تسببت فيه.
وفي العام نفسه، فرضت وزارة النقل الأمريكية غرامة على شركة نيورالينك بسبب سوء تعاملها مع المواد الكيميائية الخطيرة، خلال اكتشفات عن الدماغ هذه.
ذكاء اصطناعي لتمييز الكلام مصنوع من خلايا الدماغ البشرية
في تطور مهم لعلم الأحياء والتكنولوجيا، واكتشافات عن الدماغ، نجح العلماء في تطوير شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي يعتمد على الخلايا البشرية الحية.
يُعرف هذا النظام باسم “Brainoware”، ورغم أنه ما زال محدوداً فإنه يبرز آفاقاً جديدة في التكنولوجيا العصبية المتقدمة.
تميز هذا النظام بقدرته على تمييز الكلام، حيث استطاع اختيار الأصوات من مقاطع صوتية لثمانية أشخاص مختلفين.
وتضاعفت دقة الذكاء الاصطناعي بشكل كبير بعد مرور يومين فقط من التدريب، ما يوحي بإمكانية التعلم التكيفي الذي لا يحتاج إلى إشراف مباشر.
تم تطوير نظام “Brainoware” من قبل باحثين في جامعة إنديانا بلومنجتون، باستخدام كتل صغيرة من الخلايا العصبية المعروفة باسم “العظي الدماغية”.
يتراوح عرض كل خلية من هذه الكتل بضعة مليمترات، وتستغرق حوالي شهرين إلى ثلاثة أشهر لتشكيلها، مع القدرة على استيعاب ما يصل إلى 100 مليون خلية عصبية. وتُنظم العظي الدماغية فوق مصفوفة من الأقطاب الكهربائية الدقيقة.
يُقر الفريق البحثي أن نظام “Brainoware” لا يزال في مراحله الأولى، لكن هذا الابتكار يفتح الباب أمام فرص جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي والبحوث العلمية العصبية.
وفي كلمته، قال فانغ جوو، أحد الباحثين الرئيسيين في المشروع: “إنها مجرد بداية لإثبات صحة الفكرة، ولكن هناك طريق طويل أمامنا يتطلب الاستمرار في العمل”.