رضيعة أنقذتها الشرطة في حمص من بئر بعمق ستة أمتار، وأخرى التهمت الجرذان أنفها بعدما رُميت في الطريق، وثالثة عُثر عليها في شوارع اللاذقية، ومنحها الأطباء هناك اسمها.
هذه قصص ثلاث فتيات ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بها مؤخراً في #سوريا، وتفاعل كثيرون مع صور الضحايا الثلاث اللواتي رُمي بهن في الشارع من قبل عائلاتهن دون معرفة تفاصيل القصة.
مصير هؤلاء الطفلات كمصير الآلاف من أطفال سوريا، تم التخلي عنهن لأسباب مختلفة وحملن لقب “مجهولي النسب”.
ويتشدد القانون السوري في عملية تسجيل الأطفال مجهولي النسب في سوريا، ويُقسمه لثلاث حالات: الوالدان سوريان معروفان، والأم السورية والأب مجهول، والوالدان أجنبيان وأنجبا أطفالاً في الأراضي السورية.
وأظهرت البيانات المتوافرة لدى المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنه منذ مطلع 2020 وحتى الآن، بلغ عدد الأطفال الذين عثر عليهم قرابة 70 طفلاً، إذ تم التخلي عنهم وتركهم على قارعة الطريق، أو على أبواب منازل أو مساجد وحتى مباني منظمات إنسانية.
مجهولو النسب في سوريا.. أبناء الحرب؟
غيّرت الحرب المستمرة في سوريا منذ 11 سنةً كل شيء، وتمت خلالها زيجات غير مثبتة في دوائر الدولة، منها ما يُنسب إلى آباء أجانب دخلوا البلاد وأقاموا في مناطقها الساخنة، وتزوجوا سوريات قبل أن يغادروا.
فُقد أغلب الآباء وقُتل بعضهم الآخر، تاركين وراءهم أطفالاً من غير معيل ولا نسب ينسبون إليه، والقانون السوري ليس في صف هؤلاء الأطفال، ويعتبرهم مجهولي النسب.
وحسب القانون السوري فإن مجهول النسب هو “كل وليد يُعثر عليه ولم يثبت نسبه أو لم يُعرف والده، إضافة إلى الأطفال الذين لا يوجد معيل لهم ولم يثبت نسبهم، كذلك المولود من علاقة غير شرعية وإن كانت والدته معروفة”.
سنة 2018 ناقش البرلمان السوري القانون الجديد لمجهولي النسب وسط جدلٍ كبير، ففي الوقت الذي اعتبر فيه البعض أن “الموافقة على القانون جاءت تلبية لحاجة إنسانية مُلحة”، ويرى البعض الآخر أن “هذا القانون يُمكنه أن يكرس سلالة الإرهابيين بوثائق رسمية، ويشرع جهاد النكاح”.
وأمام هذا الوضع، لم تجد الأمهات في سوريا حلاً سوى رمي أطفالهن في الشارع، أو وضعهم أمام مخافر الشرطة عله يجد أسرة ميسورة تحتضنه، بعدما فشلت الأسرة البيولوجية في ضمان حياة كريمة له.
زواج براني.. جزء من الأزمة
يُعتبر زواج البراني من بين الأسباب التي أدت إلى ولادة أطفال مجهولي النسب بسوريا، خصوصاً في فترة الحرب.
ويتم زواج “البراني” في سوريا، بطريقة صحيحة إسلامياً، بحضور شيخ وولي الزوجة، ومهر، وإيجاب وقبول على سُنة الله ورسوله لكن بلا توثيق رسمي.
يقول محامي عمل في المناطق المحاصرة خلال الحرب، تحدث لـ”عربي بوست” بدون ذكر اسم، إنهم “خلال سنوات الأزمة وحتى اليوم تمكنوا من تثبيت كثير من الزيجات التي تمت بورقة من قبل شيخ، أو كما يسمى في سوريا، يعني كتاب براني”.
وهذه الورقة، حسب المتحدث، لا تضمن للسيدة أي حق ولا أي نسب للأطفال، لهذا عمل المحامي عبر جمعيته على تثبيت هذه الزيجات لتأخذ شكلاً قانونياً في حال كان الزوجتن سوريين، وفي حال كانا معروفَين.
أما في حالة الزيجات التي اختفى فيها الزوج وهو سوري الجنسية ولم تعرف الزوجة حتى اسمه الحقيقي، بحكم النزوح والتهجير، فيمكن بهذه الحالة منح الأطفال نسب أمهم فقط عبر دعوى تثبيت أمومة، مع بقاء خانة الأب فارغة.
ويبقى هؤلاء الأطفال مجهولي النسب من طرف الوالد، ويتعاملون بالقانون السوري كبقية الأطفال مجهولي النسب في سوريا من حيث حصولهم على الجنسية السورية وغيرها من الحقوق.
أما بخصوص الزيجات مع الأجانب سواء إن كانت الأم سورية أو الوالدان أجنبيين وأنجبا أطفالاً في الأراضي السورية فهو ملف خاص، إذ يعامل هؤلاء الأطفال معاملة الأجانب ويتواصل الجانب مع دولهم ليتم تسلمهم.
وأغلب المهاجرين من أعضاء داعش كانوا يتزوجون سوريات في المناطق الخاضعة للتنظيم، بعقود زواج ينظمها القاضي الشرعي لـ”داعش”، وتُغفل تلك العقود الاسم الحقيقي للزوج، ويتم الاكتفاء باسم الشهرة المستعار.
أطفال يبحثون عن مأوى
يتجه عادةً جميع مجهولي النسب في سوريا لمركز مخصص لهم موجود بمنطقة ضاحية قادسية في ريف دمشق، وهو مكان يضم مبنيين يُفصل فيه الذكور عن الإناث، ويعيشون بما يشبه جو الأسرة، مع أم مشرفة وعدة مساعدات.
ويبقى أغلب مجهولي النسب في سوريا بالمركز إلى حين التحاقه بأسرة بديلة، أو يبقى في الدار حتى بلوغه الثامنة عشرة، حينها يكون أمام مستقبله الذي يفترض عليه شقه بنفسه، مع إمكانية تمديد إقامته في المركز لفترة محدودة.
وبحسب ندى الغبرة، مديرة المجمع الذي يحمل اسم “لحن الحياة”، قالت في حديثها مع “عربي بوست”، إنه “يلتحق شهرياً 3 حالات تقريباً لأطفال مجهولي النسب”، وعن عدد من التحق منهم بأسر بديلة، توضح أن “هناك نحو 50 طفلاً تم إلحاقهم خلال عام 2021”.
وعن أسلوب التعامل بعد العثور على طفل في الشارع مجهول، يوضح المحامي محمد سامر مؤيد، أنه “يجب التوجه إلى المخفر مباشرة، ثم يحول للطبيب الشرعي لدراسة وضعه الصحي”.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ”عربي بوست”، أن “الطفل المجهول يبقى عند الشخص الذي عثر عليه بنفسه، أو في المخفر إلى حين تسليمه إلى دار الأطفال مجهولي النسب في سوريا، وهذا التأخير سببه التأكد من كون الطفل بالفعل متخلى عنه من قبل أسرته، إذ قد يكون مخطوفاً”.
وبعد الانتهاء من هذه الإجراءات يتم تحويل الطفل للدار، ومن الإجراءات المتبعة بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية تنظيم شهادة ولادة الطفل، ويسجل في السجل المدني بعد أن يقوم أمين السجل المدني باختيار اسم له ولكل من والديه واسم جد ونسبه له، دون أن يذكر أنه لقيط في الوثائق التي تمنح له، ويعتبر عربياً سوريّاً مسلماً ما لم يثبت خلاف ذلك.
وفي حال رغب من وجده في تربيته يتقدم بطلب للمركز ويتم دراسة طلبه ومن ثم تسليمه بموجب عقد رعاية، وهذا العقد متاح لأي شخص يمكن أن يتقدم بطلب لرعاية أحد الأطفال، على أن يخضع لدراسة مفصلة قبل منحه طلبه.
التبني مرفوض في سوريا
وعن الفرق بين الرعاية والتبني، يوضح المحامي مؤيد أن “التبني مرفوض في القانون السوري؛ لمخالفته الشريعة الإسلامية، وفي حال الرعاية يبقى اسم الطفل منفصلاً عن الأسرة ولا يرث منها، حتى لو ألقي عليه كنية من رعاه لا يُسجل على أنه أحد الأبناء”.
ويضيف المحامي المتخصص بشؤون الأسرة في تصريح لـ”عربي بوست”، أن “دار الرعاية مفروضة عليها متابعة وضعية الطفل بعد انضمامه للأسرة التي تبنته لفترة من الزمن”.
وبرأي المحامي فإن مجهولي النسب في سوريا يتمتعون بغالبية حقوق السوريين حسب القانون، الذي يقول: “يعد سوريّاً حكماً، من وُلد في القُطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه، وعليه يتم منح الجنسية السورية، بناءً على حق الدم والإقليم معاً في حالة كانت الولادة في سوريا، من أم سورية، ولم يثبت نسب الطفل إلى أب شرعي”.
كما تُمنح الجنسية السورية أيضاً، للطفل بناءً على حق الإقليم فقط، في حال كان المولود من أبوين مجهولي الجنسية، أي حالة الطفل مجهول النسب، وحالة المولود في سوريا، ولم يكتسب بِصلة البنوة جنسية دولة أخرى.