غـــــــــــزة

ايـــــــــــام

تحليلات وتحقيقات

كيف فضحت هجمات إيران نقاط ضعف إسرائيل؟

علم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تماماً ما كان يفعله عندما أمر بالهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق قبل أسبوعين، وهو ما تسبب في مقتل العميد محمد رضا زاهدي، بالإضافة إلى قادة آخرين في الحرس الثوري الإيراني.

ذهب هذا الهجوم إلى مدى أبعد من التكتيكات الحالية المتمثلة في الحد من تدفق الأسلحة إلى حزب الله، أو التصدي للمجموعات المدعومة من إيران من ناحية حدودها الشمالية. بل كانت هذه محاولةً للتخلص من القيادة الإيرانية في سوريا.

بعد 6 أشهر، تسير الحرب في غزة على نحو سيئ؛ تواجه القوات البرية الإسرائيلية مقاومةً فلسطينيةً عنيدةً لم تظهر أية إشارة على الاستسلام أو الهرب، وسط معدلات هائلة من الدمار والمعاناة الحقيقية لشعبها.

وإذا كان هناك شيء آخر، فهو أن المزاج بين مقاتلي حماس قد تصلب. إذ يشعرون أنهم نجوا من الأسوأ وليس لديهم شيء يخسرونه. والشعب في غزة لم ينقلب ضدهم، واحتلال رفح، حسب ما يدعون، لن يشكل فارقاً بالنسبة إليهم. بل إنهم يزدرون إسرائيل استناداً إلى قوة كتائب حماس. فبعد مثل هذا الهجوم، مازالت لديهم إمدادات غير محدودة من المجندين والأسلحة.

هجمات إيران.. ورسائل متعددة

ومع تعطل هجوم إسرائيل في غزة، تتزايد المعارضة ضد قيادة نتنياهو، وثمة ضغط حقيقي من أجل عقد اتفاقية قد تبدأ في إعادة المحتجزين أحياءً.

وأصبح الخلاف مع أكبر داعميه، وهو الرئيس الأمريكي جو بايدن، علنياً الآن، الإضافة إلى أنه يفقد دعم الرأي العام العالمي بسرعة الآن أكثر من أي وقت مضى. وصارت إسرائيل، تحت قيادة نتنياهو، دولة منبوذة.

ومرة أخرى كان لزاماً على إسرائيل أن تلعب دور الضحية، من أجل الحفاظ على أسطورة أنها تناضل من أجل وجودها. فهل من وقت أفضل لنتنياهو، المقامر، لكي يرمي النرد ويهاجم القنصلية الإيرانية، وهو يعلم تمام العلم ما يعنيه ذلك؟

كانت الولايات المتحدة على علم أيضاً بما كان يفعله نتنياهو، وهو محاولة جرها إلى هجوم ضد إيران للمرة الثالثة على الأقل خلال 14 عاماً. ولهذا السبب، أبلغت الولايات المتحدة الإيرانيين مباشرة أنه لا علاقة لهم بالضربة، ولم تعلم بها إلا عندما كانت الطائرات في الجو.

تمهلت إيران الوقت المناسب، وشاهدت ما حدث في مجلس الأمن، عندما استخدمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا حق الفيتو ضد بيان صاغته روسيا يدين الهجوم على القنصلية. ثم قالت إنها لن تهاجم إسرائيل إذا كان هناك وقف إطلاق نار في غزة. جرى تجاهل هذا أيضاً. ثم طلبت كل دولة غربية من إيران ألا تضرب إسرائيل. وكان لدى بايدن نصيحة واحدة لإيران: “لا تفعلوا”.

وعندما وقع، كان الهجوم مصمماً بحرص لإرسال عدد من الرسائل إلى الولايات المتحدة وإسرائيل والمنطقة العربية.

أرادت طهران أن تشكل سابقة مفادها أنها قادرة على ضرب إسرائيل مباشرة دون إثارة حرب شاملة. وأرادت أن تبلغ إسرائيل بأنها قادرة على ضربها. وأرادت أن تبلغ الولايات المتحدة أن إيران قوة في الخليج جاءت لتبقى وتسيطر على مضيق هرمز. وأرادت أن تبلغ كل نظام عربي يتملق إسرائيل بأن نفس الأمر قد يحدث له.

كيف فضحت هجمات إيران نقاط ضعف إسرائيل؟

لم تصل سوى حفنة من الصواريخ إلى هدفها، لكن كل رسالة أرسلوها وصلت. وهكذا كان الهجوم بمثابة نجاح استراتيجي وانتكاسة لسمعة إسرائيل باعتبارها الفتى الوحيد المستأسد في المنطقة.

بدأ إيصال هذه الرسائل المتعددة مع استيلاء الحرس الثوري الإيراني على السفينة MSC Aries التي تحمل العلم البرتغالي، والتي، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إيرنا)، تديرها شركة رئيسها الملياردير الإسرائيلي المولد إيال عوفر.

وبعد ذلك أطلقت أسراباً من الطائرات المُسيرة الرخيصة على إسرائيل، وأبلغت الجميع بأن لديهم 8 ساعات ليتأهبوا فيها، ما كلف إسرائيل أكثر من مليار دولار كي تُنشِّط منظومات دفاعها الجوي، وذلك حسب ما أبلغ العميد الإسرئيلي ريم أمينوح موقع Ynet. وذلك على الأرجح هو الجزء الأصغر من الفاتورة.

وقد عُرف أن ما لا يقل عن 4 بلدان ساعدت إسرائيل في إسقاط المسيرات: وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والأردن. والأرجح أن خامس البلدان هي السعودية، لأنها كانت على مسار الطيران من جنوب العراق إلى إسرائيل، وقد تكون مصر سادس هذه البلدان.

كانت هذه جهود دفاع جوي رئيسية، وهي من نفس البلدان، وفقاً لما ذكره بعض الأوكرانيين بمرارة أمس الأحد 14 أبريل/نيسان، التي تختار ألا تقدم لهم الإمدادات. بكل تأكيد لن يكون ممكناً القيام بتلك الجهود بانتظام.

في المقابل، استخدمت إيران حوالي 170 طائرة مسيرة رخيصة، في حين أن 25 صاروخاً من أصل 30 صاروخ كروز، أسقطتها إسرائيل. كانت هذه هي الطُعم. أما الأسلحة فكانت صواريخ باليستية، وتجاوز عدد صغير منها دفاعات إسرائيل، وأصاب قاعدة نفاطيم الجوية جنوب إسرائيل.

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري إن هذه الصواريخ تسببت في أضرار هيكلية طفيفة. لن نعرف أبداً، لكن الرسالة التي وصلت إلى إسرائيل هي أن إيران لديها القدرة على شن هجوم ضدها وإصابة أهدافها من مسافة بعيدة، دون الحاجة إلى استخدام حزب الله، أو أنصار الله الحوثيين في اليمن، أو حلفائها في العراق.

كانت الأسلحة المستخدمة عينة مجانية من قوتها النارية الحقيقية. وبعد ذلك الهجوم، حذرت إيران الولايات المتحدة قائلة إن إسرائيل إذا ردّت بالمثل، فستكون قواعدها عبر مياه الخليج وفي العراق أهدافاً لها، مثلما كانت في أعقاب اغتيال اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، في 2020.

كانت الرسالة التي أرسلتها إلى الولايات المتحدة بنفس القوة: ومفادها أن إيران مستعدة لمهاجمة إسرائيل بصواريخ باليستية وتحدي الغرب، بما في ذلك توجيه تحذير مباشر لبايدن. ويمكنهم أن يفعلوا نفس الأمر ضد أي حليف للولايات المتحدة في منطقة الخليج. لا تريد إيران أية حرب، لكنها قادرة على الرد.

وبناءً عليه، إذا لم تكن تريد الحرب، فالرسالة الموجهة إلى الولايات المتحدة هي أن عليها كبح جماح طفلتها المراهقة العنيدة، إسرائيل، الطفلة التي دللها والداها لفترة طويلة، والتي تعتقد أنها تستطيع أن تفعل بالمنطقة ما يحلو لها.

أخطاء السياسة الخارجية

نتنياهو الآن في مأزق ما بين الرد أو الامتناع؛ إذ بوسعه اختيار إرضاء اليمين المتطرف وشن هجوم مضاد ساحق على إيران، لكنه لن يحصل على مساعدة أمريكا في ذلك، التي بدونها سيجد صعوبة في شق طريقه عبر المجال الجوي بين تل أبيب وطهران.

إضافة إلى ذلك، إذا هاجم نتنياهو إيران، فإنَّ علاقته المهتزة مع الولايات المتحدة سوف تتدهور من سيئ إلى أسوأ، وسيأتي هذا الهجوم الكبير وسط معارضة حقيقية من المؤسسة الدفاعية والأمنية، وهو ما منعه من فعل شيء مماثل في عام 2010.

لكن إذا لم يفعل نتنياهو شيئاً، فإنه سيبدو أضعف مما هو عليه بالفعل، وسيمنح المزيد من الشعبية لبيني غانتس، زعيم المعارضة وزميله في مجلس الوزراء الحربي الذي تحدث يوم الأحد 14 أبريل/نيسان، عن هجوم دبلوماسي ضد طهران، وهي بالضبط نفس الصيغة التي استخدمتها الدول العربية، في الوقت الذي تلقت فيه هزيمة عسكرية ساحقة من إسرائيل.

كيف فضحت هجمات إيران نقاط ضعف إسرائيل؟

وعلى نحو مماثل، تجد الولايات المتحدة للمرة الخامسة خلال 3 عقود أحد الركائز الرئيسية لسياستها الخارجية تنهار بين يديها.

فقرار الإطاحة بطالبان في أفغانستان، وغزو العراق، والإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا، ومحاولة الإطاحة ببشار الأسد؛ كل هذه الكوارث في السياسة الخارجية يفوقها الخامس الآن قرار دعم الغزو الإسرائيلي لغزة.

وواشنطن بطبيعة الحال بطيئة في إدراك حجم سوء التقدير الذي ارتكبته عندما دعمت إسرائيل إلى أقصى حد بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، فقد استغرقت بعض الوقت أيضاً في إدراك حجم الخطأ الفادح الذي ارتكبته في غزو العراق.

شهد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أمام الكونغرس بأنَّ الولايات المتحدة ليس لديها أي دليل على أنَّ إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في غزة، وهو ما يذكرنا تذكيراً مخيفاً بخطاب كولن باول في الأمم المتحدة الذي قال فيه إنَّ لديه أدلة على أسلحة الدمار الشامل التي كان يمتلكها صدام حسين. كان خطاب باول في عام 2003 بمثابة لحظة حاسمة في خسارة الولايات المتحدة لمصداقيتها الدولية، التي تزايدت وتيرتها كل عام منذ ذلك الحين. قد ندم باول لاحقاً على ما قاله. ويبدو أنه مُقدَّر لأوستن فعل الشيء نفسه بعد فوات الأوان.

الهاوية

لقد قادت إسرائيل الآن مؤيديها إلى الهاوية، حيث لا يوجد سلام أو حتى احتمال لتحقيقه، ولا توجد هزيمة لحماس، ولا يوجد احتمال لتشكيل حكومة ما بعد الحرب، ويتضاءل الردع أمام جميع الجماعات المسلحة الأخرى في المنطقة، مع احتمال نشوب حرب إقليمية منخفضة المستوى على جميع حدود إسرائيل في وقت واحد.

ربما كان الشيء الأكثر غباءً الذي فعلته مصادر أمنية إسرائيلية يوم الأحد، 14 أبريل/نيسان، هو التبجح علناً بشأن التعاون الذي حصلت عليه من سلاح الجو الأردني الذي ساعدها على إسقاط الطائرات المُسيَّرة وصواريخ كروز الإيرانية.

وتفاخرت مصادر إسرائيلية باعتراض صواريخ متجهة إلى القدس المحتلة على الجانب الأردني من غور الأردن، وأخرى بالقرب من الحدود السورية؛ إذ كانت الرسالة التي أرادت إسرائيل إيصالها هي أنه على الرغم من المظاهر، فإنَّ لها حلفاء في المنطقة مستعدون للدفاع عنها.

لكن هذه لعبة حمقاء إذا أرادت إسرائيل الحفاظ على النظام الملكي الأردني الضعيف للغاية، ومحاربة تيار الرأي العام الراغب في اقتحام الحدود.

كيف فضحت هجمات إيران نقاط ضعف إسرائيل؟

ربما كان الأردن ذا وجهين في الماضي، إذ مرر الملك حسين معلومات استخباراتية إلى صديقه مُدخِّن السيجار، رئيس الوزراء السابق الراحل إسحاق رابين.

لكن هذه هي المرة الأولى التي يمكنني تذكرها والتي ينضم فيها الجيش الأردني، الذي لا يزال يحمل اسمه الأصلي منذ وقت التحرير من الإمبراطورية العثمانية باسم “الجيش العربي”، بالفعل إلى القتال لحماية حدود إسرائيل. وهذا خطأ فادح.

وفي الوقت الذي كان سكان الأردن، سواء من الفلسطينيين أو سكان الضفة الشرقية، يهتفون لتلك الصواريخ أثناء توجهها نحو أهدافها، كان الجيش الأردني يُسقِطها نيابةً عن إسرائيل.

لا تقيم إسرائيل علاقات إلا مع القادة العرب الذين يتحدّون إرادة شعوبهم ويفرضون عليها حكمهم الفاسد. وربما يوفر التحرك الأردني يوم السبت 13 أبريل/نيسان، المساعدة لإسرائيل على المدى القصير، لكنه على المدى الطويل يسبب مشكلات على أطول حدود إسرائيل.

وربما تحتفل إسرائيل بحقيقة أنَّ لديها حلفاء حقيقيين، لكنها بذلك تقوض شرعية أصدقائها بدرجة قاتلة.

لقد أوصلت إيران رسالتها، وأصبحت إسرائيل أضعف نتيجة لذلك. فهذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها لهجوم مباشر من إيران التي أعطتها، مثل حماس، الانطباع بأنها غير مهتمة بالتورط في حرب. وهذه هي المرة الأولى أيضاً التي يطلب فيها بايدن من إسرائيل عدم الرد. وبعد مثل هذا الهجوم، تبدو الصورة سيئة؛ فإسرائيل تحتاج إلى آخرين للدفاع عنها، وليست حرة في اختيار كيفية الرد.

كما يترك هذا الهجوم حاميتها، الولايات المتحدة، تبحث عن خيارات سياسية. فكل شيء، في هذه اللحظة، يبدو سيئاً.

هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.


اشتري وجبة شاورما لـ شخص 1 من طاقمنا، (ادفع 5 دولار بواسطة Paypal) | لشراء وجبة اضغط هُنا


شبكة الغد الإعلامية - مؤسسة إعلامية مُستقلة تسعى لـ تقديم مُحتوى إعلامي راقي يُعبّر عن طموحات وإهتمامات الجمهور العربي حول العالم ونقل الأخبار العاجلة لحظة بلحظة.

منشورات ذات صلة