عندما تتناهى إلى مسامعنا كلمة “المريض النفسي” تحضر إلى أذهاننا صور لأشرار الأفلام مثل الجوكر، وجون دو، وأنطوان تشيغور، والنقطة الوحيدة التي تجمع هذه الشخصيات كمرضى نفسيين أنهم مخيفون.
وفي علم النفس يُستخدم مصطلح “مريض نفسي” لوصف شخص يعاني من حالة صحية عقلية تُسمى اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD)، تؤثر على مزاج المريض وتفكيره وسلوكه، وفقاً لما جاء في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، ويشمل هذا الاضطراب الاكتئاب، واضطرابات القلق، والفصام، واضطراب الشهية، والسلوكيات التي تسبِّب الإدمان، لذلك يعدّ التفهم الجيد لعلامات وأعراض المشاكل النفسية ضرورياً للابتعاد عن وضع الأوصمة السلبية، أو التمييز ضد هؤلاء الأشخاص، وتمكننا من تقديم الدعم والمساعدة لهم بشكل فعّال
في هذا التقرير نرشدكم إلى مجموعة من الحقائق التي لم نسمع عنها من قبل عن المرضى النفسيين، وأبرز الصفات التي يمكن أن تظهر عليهم إذا كانوا يعانون من أحد هذه الأمراض، وما هي الطرق الفعّالة للتعامل مع سلوكيات المرضى النفسيين، وتقديم الدعم والاهتمام لهم، خاصةً خلال فترات الأزمات والضغوط النفسية؟
المرضى النفسيون يفتقدون لشعور الخوف
بحسب موقع listverse، في حين يتسنّى لغالبية الناس التعرّف بسهولة على الخوف في تعابير الشخص العادي، حيث تتّسع حدقة عينه، ويرتفع حاجباه، ويفتح فمه في حالة لهث أو صراخ، في رسالة واضحة لتعرّضه للخوف، فإنّه ليس من السهل أن يصل لنا شعور الخوف من خلال ملامح المريض النفسي، وذلك لأنّهم ببساطة يفتقرون إلى القدرة على فهم الخوف وإيصاله بشكل واضح.
وهذا ما أكدته أبيجيل مارش، الباحثة في جامعة جورج تاون، من خلال دراسة شملت 36 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 7 و10 سنوات، خضع فيها هؤلاء الأطفال لفحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي أثناء عرض صور لتعبيرات الوجه المختلفة، بما في ذلك الوجوه المحايدة والغاضبة والمرعوبة، وفي حين أن معظم الأطفال يستطيعون التمييز بين التعبيرات المحايدة والخوف، فإن أولئك الذين لديهم مستويات أعلى من السمات السيكوباتية يجدون صعوبة في تفسير التعبيرات المخيفة.
وتنبع هذه الصعوبة في تمييز الخوف دون غيره من المشاعر من خلل في اللوزة الدماغية، وهي الجزء المسؤول في الدماغ عن الاستجابة لمشاعر الخوف، والعواطف المختلفة، ولدى المرضى النفسيين تكون الطبقة الخارجية من اللوزة الدماغية أرقّ وأصغر مقارنةً بالأفراد الذين ليس لديهم ميول سيكوباتية، ويؤدي هذا الاختلاف الهيكلي إلى انخفاض نشاط اللوزة الدماغية، ما يعيق قدرتهم على فهم التعبيرات المخيفة.
ومن المثير للاهتمام أن هذا الضعف في التعرف على الخوف لا يمتد إلى المشاعر الأخرى، حيث يفهم المرضى النفسيون عموماً معظم المشاعر ويستطيعون التعبير عنها، باستثناء الخوف (وأحياناً الحزن).
المريض النفسي يشتهي الدوبامين
الدوبامين هو عبارة عن ناقل عصبي يقوم بنقل الرسائل بين الخلايا العصبية،
ويلعب دوراً مهمّاً في الشعور بالسعادة والقدرة على التفكير والتخطيط، كما يساعدنا على التركيز والسعي لإنجاز الأشياء والبحث المستمر عن المُتعة.
فعلى سبيل المثال، عند تناول الطعام المفضل أو ممارسة الجنس أو القيام بأي من النشاطات التي تؤدي إلى الشعور بالنشوة والفرح، فإن منطقة معينة في الدماغ تقوم بإرسال جرعة من الدوبامين، والتي يُترجمها الدماغ على أنه يستحق الحصول على المزيد من محفزاته، وهذا من شأنه أن يجعل الشخص يشعر بالرغبة الدائمة في ممارسة هذه النشاطات.
وغالباً ما يُظهر المرضى النفسيون، مثل القاتل المتسلسل سيئ السمعة تيد بندي، رغبةً شديدةً في تناول الدوبامين، حيث اعترف بوندي بأنه يستمتع بالقتل، ما يشير إلى رغبته العميقة في القيام بمثل هذه الأفعال، ويعزو موقع newscientist هذا الانجذاب للتلاعب بالآخرين، والانخراط في سلوكيات ضارة، إلى نظام المكافأة الذي يحرّكه الدوبامين في الدماغ، على غرار الأحاسيس التي نشعر بها عند الوقوع في الحب، أو تعاطي المخدرات، أو الانغماس في الشوكولاتة.
كل مريض نفسي لديه مفتاح للتعاطف
من المعروف أن المرضى النفسيين غير قادرين على وضع أنفسهم مكان الآخرين، فهم يعتبرون بقية البشر كقطع شطرنج، وفي حين يرى بعض العلماء أن المرضى النفسيين مبرمجون بهذه الطريقة، فإن علماء الأعصاب من جامعة جرونينجن في هولندا يختلفون معهم.
في عام 2012، أجرى هؤلاء العلماء اختباراً على المجرمين السيكوباتيين، باستخدام تقنية الرنين المغناطيسي، وفي المقاطع التي شاهدها المجرمون من داخل ماسح التصوير، كانت يد بلا جسد إما تداعب يداً أخرى بمودة، أو ترفضها، أو تصفعها بمسطرة، وكما توقع الباحثون لم يُبدِ المرضى النفسيون أيّ ردّة فعل تجاه تلك الأفعال.
ومع ذلك، اتخذت الأمور منعطفاً مغايراً بشكل تامّ، عندما قام الباحثون بعرض شخص يتعرض للضرب على الشاشة، حيث استجاب له المرضى بشكل فعّال، وبدا عليهم أنهم يشعرون بألمه.
وخلص الباحثون في نهاية هذه التجرية إلى أن المرضى النفسيين لديهم مفتاح “إيقاف وتشغيل” في أدمغتهم، ورغم أنه يتم ضبطه عادةً على إعداد “إيقاف”، إلا أنه يمكن تغييره عند الحاجة، ولهذا السبب يبدو المرضى النفسيون أحياناً ودودين ولطفاء، وأحياناً أخرى شديدي القسوة وعديمي الرحمة.
الشركات مليئة بالمرضى النفسيين
في عام 2013، قام كيفن داتون، الباحث في جامعة أكسفورد، بتجميع قائمة بالمهن التي يكثر فيها وجود المرضى النفسيين. وبينما كان من المتوقع أن تحتل مهن مثل المحاماة والتعليم والطب مرتبة عالية، كان من المثير للدهشة أن المديرين والرؤساء التنفيذيين هم أكثر المصابين بهذه الأمراض، وفقاً لموقع BIG THINK.
وتتوافق نتائج هذه الدراسة مع أخرى أجراها بول بابياك عام 2010، حيث أجرى مقابلات مع 203 مديرين تنفيذيين طموحين من برامج التدريب الإداري، باستخدام استبيان يعتمد على قائمة روبرت هير المعروفة للاعتلال النفسي، وكشفت نتائج الدراسة أن واحداً من كل 25 من هؤلاء الذين أُجريت معهم المقابلات أظهروا سمات سيكوباتية واضحة، وهو معدل أعلى بأربع مرات من عامة الموظفين في المجالات الأخرى.
المتصيدون على الإنترنت لديهم سمات المرض النفسي
في دراسة استقصائية أجراها علماء النفس من جامعات كندية متعددة تستهدف مستخدمي الويب، تم سؤالهم عن عاداتهم على الإنترنت، بما في ذلك الوقت الذي يقضونه على الإنترنت، ومشاركتهم في أنشطة مثل التعليق على موقع يوتيوب، بهدف التعرف على السمات المرتبطة بالتصيد، وكشفت نتائج الدراسة عن وجود علاقة مثيرة للقلق بين هذا السلوك والمرض النفسي كما ذكر موقع PSYCHOLOGY TODAY.
فقد أظهر المتصيدون خصائص تشمل السادية والميكيافيلية والنرجسية والاعتلال النفسي، حيث يستمد الأفراد الذين يتمتعون بهذه السمات المتعة بالتسبب في الأذى، ويُظهرون ميولاً خادعة، ويفتقرون إلى الندم على أفعالهم.
يفقتقدون لحاسة الشمّ
في دراسة نقلها لنا موقع science daily، قام الباحثون بتعريض المرضى النفسيين لروائح مختلفة، وجدوا أن المرضى النفسيين يُظهرون ضعفاً في حاسة الشم، بسبب ضعف الأداء في القشرة المدارية التي تعمل على تعديل السلوك الاجتماعي، حيث يمكن للمريض الذي يعاني من إصابة في المنطقة الأمامية المدارية أن يفتقد للشعورعاطفياً، ويضطرب سلوكه اجتماعياً.
وقد أكدت الأبحاث التي أجرتها جامعة ماكواري في سيدني ذلك، حيث يكافح المرضى النفسيون للتعرف على الروائح في اختبارات الشم، وترتبط شدة ضعف حاسة الشم بدرجات الاعتلال النفسي، كما باتت اختبارات الشم تعدّ وسيلة أكثر موضوعية لتقييم الاعتلال النفسي، ما يُسهم في فهم أعمق لأساس الإصابة بالمرض.
وبعد التعرّف على الحقائق التي لم نسمع عنها من قبل عن المرضى النفسيين، وأبرز الصفات التي يمكن أن تظهر عليهم، ما هي الاستراتيجيات الموصى بها للتفاعل مع المريض النفسي في حالات الضغط والتوتر؟
وكيف يمكننا تقديم الدعم العاطفي والنفسي للمريض النفسي، في مواجهة التحديات اليومية؟
كيف نتعامل مع المريض النفسي؟
يتطلّب التعامل مع المريض النفسي فهماً عميقاً لاحتياجاته، وتقديم الدعم اللازم له بطريقة مهنية وحساسة، إليك بعض النصائح للتعامل معه:
- التواصل بفاعلية: استخدِم لغةً واضحةً ومباشرة عند التحدث مع المريض، وكن صبوراً ومتفهماً لمشاعرهم وتجاربهم.
- التعبير عن الدعم والتفهم: أظهِر للمريض أنك مهتم بحالته وتفهم تحدياته، وقدِّم له دعماً عاطفياً ومعنوياً، ولا تقلّل من مشاعره أو تجاهل مخاوفه.
- الاستماع الفعّال: كن مستعداً للاستماع لما يقوله المريض بصدق واهتمام، وتجنب التقييم أو الانتقاد غير المناسب.
- الحفاظ على الهدوء والصبر: قد يتطلب التعامل مع المرض النفسي الصبر والتفكير الهادئ، وتجنب الرد بعاطفة أو انزعاج.
- التفكير بشكل إيجابي: حاول تعزيز الأفكار الإيجابية وتشجيع المريض على التفكير بطريقة إيجابية حول نفسه وحالته.
- التواصل معه بشكل دوري: كن على اتصال دائم مع المريض، وتحقَّق من حالته بانتظام، وكن موجوداً لمساعدته في حالات الطوارئ.
- التعاون مع فريق الرعاية الصحية: تعاون مع الفريق الطبي والاجتماعي لتقديم الرعاية الشاملة للمريض، وضمان تحقيق أقصى فائدة من العلاج.