غـــــــــــزة

يـــــــــــوم

منوعات

استخدمها ريتشارد الأول ضد صلاح الدين وتستخدمها إسرائيل ضد المقاومة.. قصة الدروع البشرية

نتائج الثانوية العامة

“حماس تستخدم المدنيين كدروع بشرية” تلك المقولة التي يطلقها جيش الاحتلال الإسرائيلي في تبرير قتل المدنيين الفلسطينيين، وهي المقولة التي تجد صدى كبيراً في الإعلام الغربي، وتساهم بشكل أساسي في ترويج الرواية الإسرائيلية، وربما هي المقولة الأبرز التي تبرر كل الأفعال والجرائم الإسرائيلية عالمياً باعتبار سقوط الضحايا من المدنيين لا يدين اسرائيل بقدر ما يدين حماس. تارة باتهام حماس بإنشاء مركز قيادة أسفل مستشفى الشفاء، وتارة أخرى في مدرسة لجأ إليها نازحون من القصف.

يعد القانون الدولي اتخاذ درع بشرية جريمة حرب، أما الوقائع الحقيقة فتشير إلى أن إسرائيل هي من تتخذ من الأسرى الفلسطينيين المدنيين دروعاً بشرية، في الضفة الغربية وثقت العديد من الحالات، أما في غزة فهناك حادثة شهيرة لإجبار طفل فلسطيني بعمر 9 سنوات أجبر في حرب 2008-2009 على فتح طرد كان يظنه الجنود الإسرائيليون ملغماً، وهناك العديد من الاتهامات في الحرب الحالية بأنها ارتكبتها في شمال غزة.

يصف مصطلح “الدروع البشرية” طريقة من أساليب الحرب التي يحظرها القانون الدولي الإنساني في العصر الحديث، حيث يستخدم تواجد المدنيين أو تحركات السكان المدنيين، سواء كانت طوعية أو غير طوعية، لحماية أهداف عسكرية من الهجوم، حماية أو مساعدة أو إعاقة العمليات العسكرية. وتعرف الدرع البشرية في المدونة الفقهية الإسلامية بالتَّتَرُسُ: مأخوذ من التُّرس، وهو الدرع التي تحمي المقاتل، وقد عُني بالتتريس التدرّع بالبشر غير المقاتلين -كالأسرى، أو نساء وأطفال العدو- أي اتخاذهم كدروع يحتمي بها العدوّ من سهام المسلمين ومجانيقهم.

الصينيون والمغول أول من استخدم الدروع البشرية

عصر 20 أغسطس/آب 1191م تقارب الساعة الرابعة بعد الظهر، يعتلي تلة عمالقة مدرعون بالحديد، يغطون وجوههم ويتشحون بالصليب الأحمر، وفي أيديهم سيوف كبيرة، لحظات ويُقتاد مئات من الأسرى المسلمين مشدود وثاقهم، عراة يسيرون في طابور كبير على تلة العياضية قرب تل كيسان بين حيفا وعكا في منطقة معروفة اليوم بقرية الدامون المهجرة في حرب النكبة 1948.

مشتبه به يحمل طفله كدرع بشري ليحول دون القاء القبض عليه -فلوريدا 2022

وتبدأ المجزرة لذبح أكثر من ثلاثة آلاف أسير مسلم بين طفل وامرأة وشيخ وشباب على مرمى ومسمع جيش صلاح الدين المتمترس قريباً من التلة، تروي وقائع التاريخ عن الشروط التي فرضها ريتشارد الأول على صلاح الدين والتي لم يوافق على بعضها الأخير بحكم أنها قد تعيد احتلال القدس ثانية، كاسترداد الصليب الذي يعتقد أنه صلب عليه المسيح. اتخذ الصليبيون بقيادة ريتشارد الأسرى المسلمين كدروع بشرية لتغيير نتائج الحرب.

تعتبر الدروع البشرية “التُرس” جزءاً من ثقافة الحروب القديمة قدم الإنسان، ظهرت كوقائع تاريخية مسجلة عندما استخدم الصينيون الحاجز البشري على حدودهم مع المسلمين من قبائل المغول والترك كحاجزٍ بشري، من خلال تمويلهم بالمال وإمدادهم بالسلاح؛ لكي يكونوا حاجزاً بينهم وبين المسلمين من دخول الصين في القرن السابع الميلادي، وقد نجحوا في تخفيف الضربات عليهم، إلى أن أمر “الحجاج بن يوسف” الأمير “قتيبة بن مسلم” بغزوهم، ولم يتوقف إلا بمعاهدات سلام مع إمبراطور الصين.

ومن المؤكد أن حروب ما وراء النهر هي التي وقع فيها استخدام الدروع البشرية من قبل الأعداء بأسرى مسلمين، سواء كانوا الصينيين أو غيرهم، وذلك لصدور فتوى أبي حنيفة بين عامي (130 – 150 هـ) وليس معلوماً على وجه التحديد من أول من استخدمها ضد المسلمين، إلا أنها فتوى تثبت وجود أحداث أو واقعة محددة، وربما كان افتراضاً فما هو معروف عن أبي حنيفة أنه أول من اشتغل بالفقه الافتراضي.

راشيل كوري التي قتلتها اسرائيل عندما استخدمت جسدها كدرع بشري طوعي لمنع هدم منزل في مدينة رفح

واستخدم المغول الدرع البشرية في حروبهم بالقرن الحادي عشر الميلادي، واستخدموها ثانية في زحفهم على المسلمين بالقرن الثالث عشر الميلادي، أما النصارى فاستخدموها ضد المسلمين في الحروب الصليبية في القرن الثاني عشر الميلادي، ووضعوا أسرى مسلمين عرايا أمام مجانيق وسهام المسلمين.

أما الدرع التطوعية فهي مد حرم النفس لحرمٍ آخر مستباح، مثل ما فعلت “راشيل كوري” في فلسطين عام 2003، التي قُتلت بسبب مقاومتها لهدم منازل الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية. واستخدمت الفكرة بشكلٍ موثق في الهند، من خلال دعوات المهاتما غاندي، وأبرز من يستخدمها اليوم جماعات البيئة كجرين بيس، ولا يوجد أي إدانة دولية أو قانونية لقتل الدرع تطوعاً.

الدرع البشرية في العصر الحديث

أبرز استخدام الدروع البشرية حديثاً على نطاق واسع وقع في كندا عام 1760م عندما استخدمت القوات البريطانية-الأمريكية بعض اليسوعيين الكاثوليك، الذين كانوا أسرى لديها دروعاً بشرية فى هجومها على قلعة شامبيلى الخاضعة للجيش الفرنسي في منطقة كيبيك بكندا، وأدت إلى رحيل الحاميات الفرنسية بشكل نهائى عن أمريكا الشمالية.

استخدمت فى الحرب الأهلية الأمريكية 1864م كسلاح وهي الحادثة التأسيسية لفقه القانون الدولي في مسألة الدروع البشرية. اتخذ الألمان الأسرى الفرنسيين ووضعوهم فى مقدمة عربات القطارات التى تقدم الإمدادات لجيشهم في الحرب الفرنسية الألمانية عام 1871م، وكذا كانت حاضرة في حرب البوير الثانية والحربين العالميتين.

الاتهامات الفاشية باستخدام الدروع البشرية

اتهم الفاشيون الإيطاليون في ثلاثينيات القرن المنصرم الإثيوبيين أنهم يتدرعون بشعبهم، والأدق أنها كانت تبريراً لاستباحة دماء الإثيوبيين، وقد كتب الجنرال الفاشي إيمليويودى بونو إلى موسيلينى يصف الإثيوبيين بأنهم تدرعوا بالمستشفيات بقوله (الشعب المتحضر! ليس سوى دولة شبه بربرية أعاقت تطور الحضارة)، استتبع ذلك قصف مستشفيات الهلال الأحمر والإسعاف في فبراير/شباط 1937، واستخدمت القوات الإيطالية غاز الخردل في القصف الجوي ضد المقاتلين والمدنيين في محاولة لثني الشعب الإثيوبي من دعم المقاومة.

لقي مئات الآلاف من المدنيين الإثيوبيين مصرعهم نتيجة الغزو الإيطالي، بما في ذلك خلال مذبحة ييكاتيت 12 الانتقامية في أديس أبابا، والتي قتل فيها وفقاً للمصادر الإثيوبية ما يصل إلى 30 ألف مدني. وصف بعض المؤرخين مثل هذه الأعمال الانتقامية الوحشية والواسعة النطاق ضد الإثيوبيين بأنها تشكل إبادة وقتلاً جماعياً. تضمنت الجرائم التي ارتكبتها القوات الإثيوبية استخدام رصاص الدمدم (في انتهاك لاتفاقيات لاهاي)، وقتل العمال المدنيين (بما في ذلك أثناء مذبحة جوندراند) وتشويه الإريتريين الأسكاري والإيطاليين (غالباً بالإخصاء)، وقد ساقت إثيوبيا تبريرها أنها لا تخرق القانون لأن أعداءها من المقاومة الإثيوبية يتدرعون بالمدنيين، وهو نفس المنطق الذي تستخدمه أمريكا وإسرائيل اليوم عندما يتهمون المقاومة لتبرير للعنف.

فلسطين لم تكن بمنأى عن الممارسات الفاشية في زمن الانتداب البريطاني، إذ استخدم الفلسطينيين كدروع بشرية في القطارات التي تقدم الإمداد للجيوش البريطانية خوفاً من هجمات المقاومة فى ثورة البراق وثورة 1936م، وفي الانتفاضة الثانية في جنين اتخذت القوات الإسرائيلية الأسرى الفلسطينيين كدروع بشرية أثناء اجتياحها المخيم لحماية جنودهم أو آلياتهم من استهداف المقاومة.

اعتبارها مسألة أخلاقية 

من المعروف أن النقاش حول مسألة الدروع البشرية بشكل أخلاقي ظهرت في العالم الإسلامي فيما عرف بمسألة التترس، والتي أفتى فيها الكثير من الفقهاء كأبي حنيفة والغزالي وابن تيمية، إلا أن حديثاً تناولتها الأكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1863م على يد القانوني “فرانسيس ليبر”، إذ كان له ابنان يقاتلان أحدهما مع جيش الاتحاد الشمالي، والآخر مع الجيش الكونفيدرالي الجنوبي في الحرب الأهلية والأخير قد قتل في الحرب.

 حاول الجيش يوالاتحادي استقطاب أوروبا لصالحه للحصول على الشرعية الدولية في الحرب الأهلية، وكعادة كل حرب أهلية تتدخل فيها الأطراف الخارجية، حمل نفس العام الذي شهد نقاش مسألة الدروع البشرية تأسيس الصليب الأحمر على يد هنري دونان، ولا غرابة في ذلك، فقد قتل في الحرب الأهلية الأمريكية 620 ألفاً على الأقل، وفي روايات 750 ألفاً، ووقتها بلغ تعداد سكان الولايات المتحدة 31 مليون نسمة، أي أن عدد القتلى يُكافئ عدد القتلى السوريين في الحرب الأخيرة نسبة وعدداً تقريباً.

يروي التاريخ عن واقعة حدثت في تشارلستون بولاية ساوث كارولينا، عندما وضع الجنرال “جونز” أسرى الشماليين في منطقة القصف عند خطوط النار الأمامية، ورد عليه “فوستر” قائد الدائرة الجنوبية بقوات الاتحاد بالأسرى الستمئة الخالدين، لم يشركهم في القتال ولم يتخذهم دروعاً بل قتل منهم 49 صبراً (بالجوع والبرد والمرض).

يقول جونز في رسالته إلى فوست: حرب خاضها “شعب متحضر” ذهب إلى نفس الكليات وانتمى إلى نفس الأحزاب السياسية، وجلسوا في الكونغرس معاً، وأدار الحكومة الفيدرالية بشكل مشترك؛ وبالتالي كان الافتراض العام هو أن الأطراف المتحاربة ستفهم وتحترم قواعد معينة للاشتباك، حيث إن كلا الجانبين ينحدر من خلفيات متشابهة، ويتشاركون قناعات ومعايير أخلاقية معينة، ومع ذلك أكدت الحرب الأهلية مع خسائرها المقدرة بـ620 ألف ضحية، أنه حتى عندما يتقارب “الناس المتحضرون” لا يتم منع الأعمال الوحشية واسعة النطاق.

حضور الدرع البشرية في القانون الدولي

 يشير ليبر الأستاذ في جامعة كولومبيا بنيويورك في مدونته إلى أن السكان المدنيين مفهوم وجد في فرنسا عام 1829 م يصف غير المقاتلين، يمكن أن يصبحوا في ظروف معينة هدفاً مشروعاً، ويجب ضبط تلك الظروف، حتى لا ترتكب بحقهم جرائم من ناحية أخلاقية، ويجب تحديد متى يكون مشروعاً ومتى لا يكون، إلا أن محاججته تلك اتسمت بالغموض في التطبيق، ولم تكن الأخلاقيات بخصوص مسألة الدروع البشرية سابقة لهذا التنظير غربياً، والدليل على ذلك أن واقعة قلعة شامبلي لم ينكر أحد استخدام الأسرى كدروع في القتال، وإنما وجدت في خضم الحرب الأهلية الأمريكية.

أنجز أول قانون عابر للدول بخصوص مسألة الدروع البشرية والمدنيين في اتفاقية لاهاي عام 1907م، من ثم في قانون إخلاء الأسرى من أرض المعركة عام 1929م، واستدرك فيما بعد بقوانين دولية أخرى مثل اتفاقية جنيف 1949 وملاحقها في 1977 وعام 1998.

“تنص المادة 23 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 م على أنه “يحظر على المحارب إجبار رعايا الطرف المعادي على المشاركة في العمليات الحربية الموجهة ضدّ بلدهم”. وجاء في تقرير عام 1915م أنه “إذا لم يكُن مسموحاً بإجبار رجل على إطلاق النار على مواطنيه، فلا يمكن إجباره أيضاً على حماية العدو والعمل كحاجز حيّ”.

ثم صدر اتفاق إخلاء أسرى الحرب من منطقة النزاع عام 1929م، ولم يلتزم به في الحرب العالمية الثانية، وعلى مدار تلك الاتفاقيات كان الشغل الشاغل للقانونيين حسم من هو المدني، ماهية المدني هي المعيار في اعتبار أي أعمال عدائية تجاهه بقصد يعتبر من جرائم الحرب ويعرف القانون الدولي المدني بأنه غير المقاتل في اتفاقية جنيف (1949م) أي لا يقدم العون العسكري في ميدان المعركة، هذا يعني مثلاً أن طبيباً في الجيش الأمريكي بالعراق لا يعتبر مدنياً.

استخدمها ريتشارد الأول ضد صلاح الدين وتستخدمها إسرائيل ضد المقاومة.. قصة الدروع البشرية

يصف الناشط الإسرائيلي للسلام نيف غوردون أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان في جامعة كوين ماري ممارسة استخدام القانون الدولي للدروع البشرية بأن “تاريخ الدروع البشرية الحديث يحدد من هم الذين يتم إدخالهم في مفهوم الإنسانية ومن يستبعدون”.

مع الاتفاقيات المتلاحقة لم تعد تشمل تجريم الدروع البشرية استخدام المدنيين، بل ضمت الأسرى العسكريين في اتفاقية 1929 ثم في اتفاقية جنيف الرابعة 1949م وملحقاتها 1977م و1998م، إلا أنها لم تردع الدول من استخدامها، ناهيك عن الاضطراب في تقييمها والتعامل معها، وقد يدان الضحية لا الفاعل، كما تدان المقاومة الفلسطينية والمعتدي معروف.


شبكة الغد الإعلامية - مؤسسة إعلامية مُستقلة تسعى لـ تقديم مُحتوى إعلامي راقي يُعبّر عن طموحات وإهتمامات الجمهور العربي حول العالم ونقل الأخبار العاجلة لحظة بلحظة.

منشورات ذات صلة