في الثاني من يونيو/حزيران أظهرت نتائج الانتخابات العامة بجنوب أفريقيا نهاية حكم الأغلبية لـ”حزب المؤتمر الوطني الأفريقي” (ANC)، الذي استمر ثلاثة عقود، وبداية سباق لتشكيل ائتلاف حكومي، فكيف سينعكس ذلك على سياسة جنوب أفريقيا الخارجية، وخاصة القضية الفلسطينية التي كان الحزب أكبر داعم لها.
وشهدت الانتخابات التي جرت في التاسع والعشرين من مايو/أيار، مشاركة أكثر من خمسين حزباً، وبينما قلّص الناخبون دعمهم لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى 40.18%، بانخفاض كبير من 57.5% في انتخابات عام 2019، حصل حزب المعارضة الرئيسي، التحالف الديمقراطي (DA)، على 21.8% من الأصوات، وحصل الحزب الجديد “حزب أومخونتو ويسيزي (MKP)”، الذي يقوده الرئيس السابق جاكوب زوما المنشق عن (ANC)، على 14.6%. كما حصل الحزب اليساري الراديكالي، “المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية (EFF)”، بقيادة الزعيم السابق للشباب في المؤتمر الوطني الإفريقي، يوليوس ماليما، على 9.5% من الأصوات، فيما حصلت أحزاب أخرى على نسب ضئيلة جدا.
حزب المؤتمر الوطني الأفريقي خسر لصالح المنشقين عنه
ويفرض هذا الوضع على حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تشكيل شراكة مع حزب أو أكثر من الأحزاب المنافسة، للحفاظ على موقعه في السلطة، وهو تطور غير مسبوق منذ نهاية حكم الأقلية البيضاء في عام 1994، حسبما ورد في تقرير لمنصة “أسباب” للدراسات السياسية والاستراتيجية.
ويستلزم بناء تلك الشراكة مفاوضات معقدة وتنازلات بشأن السياسات والتعيينات الحكومية، ما سيكون له تداعيات كبيرة على سياسات الحكومة الجديدة، لكنّ أسس السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا ليس من المرجح أن تتغير بصورة جوهرية.
التطور الأبرز في الانتخابات هو النجاح المدهش وغير المتوقع لحزب (MKP)بقيادة الرئيس السابق زوما، والذي تم تسجيله قبل ستة أشهر فقط وسُمي على اسم الجناح العسكري السابق لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي. حيث استقطب الحزب العديد من مؤيدي حزب المؤتمـر الوطني الأفريقي، خاصة بين الفقراء والجنوب أفريقيين من أصل زولو الذين اتبعوا زوما في الابتعاد عن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وبالإضافة لتأثير حزب (MKP) على حصة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي من الأصوات بشكل واسع، يبدو أيضاً أنه شكّل تحدياً لحزب (EFF) الراديكالي، قد يتسبب في مزيد من التراجع في شعبيته.
هل يتحالف المؤتمر الوطني مع المعارضة الصديقة لإسرائيل لضمان بقاء رئيسه بمنصبه؟
هكذا أصبح مستقبل الرئيس الجنوب أفريقي الحالي “سيريل رامافوزا” موضع تساؤل، رغم تأكيد قيادة الحزب أنه لن يستقيل؛ حيث يجب أن يضمن الرئيس الذي يتم اختياره من قبل أعضاء الجمعية الوطنية البالغ عددهم 400 عضو، دعم حوالي 40 نائباً إضافياً من خارج كتلة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لضمان فترة ولاية أخرى مدتها خمس سنوات. لا يتطلب ذلك بالضرورة ائتلافاً رسمياً، لكنّه سيخضع بلا شك، لمساومات سياسية وتفاهمات واسعة.
من المحتمل أن يدعو حلفاء الرئيس رامافوزا إلى اتفاق مع حزب التحالف الديمقراطي (DA) ذي التوجه اليميني ) يستند في جزء من شبعيته للبيض والملونين)، لأنه من غير المرجح أن يشكّل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أغلبية برلمانية عملية ومستقرة مع الأحزاب الصغيرة.
ويعد هذا الحزب الأقرب لإسرائيل من بين معظم أحزاب في البلاد.
لكنّ هذا سيثير مقاومة قوية من الجناح اليساري للحزب، الذي سيفضل اتفاقاً مع حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية (EFF) الراديكالي و/أو حزب (MKP). بقيادة زوما وستختبر هذه التوترات الداخلية المحتملة داخل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تماسك الحزب، الذي خسر أغلبيته بصورة أساسية لصالح الأحزاب المنشقة عنه.
ستحتاج حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وشركاؤها الجدد إلى تطوير موقف موحد بشأن القضايا العالمية الملحة مثل موقع جنوب أفريقيا في التنافس الدولي، والتغير المناخي، فضلاً عن القضايا الأمنية والتنافس الجيوسياسي في أفريقيا. وبغض النظر عن نتائج الانتخابات، من المرجح أن تبقى أسس السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا ثابتة، بما في ذلك إصلاح المؤسسات الدولية بما يعكس أولويات قارة أفريقيا، والدفاع عن حقوق الفلسطينيين، والموقف من قضية الصحراء الغربية.
قد يُجبر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) على الدخول في ائتلاف مع حزب التحالف الديمقراطي (DA)، الذي يختلف بشكل كبير عن توجهاته في السياسة الخارجية، إلا أن (ANC) سيظل الحزب المهيمن، ومن غير المحتمل أن يتخلى عن الحقائب الوزارية الهامة، خاصة السياسة الخارجية. قد يؤدي وجود حزب (DA) في الحكومة إلى تخفيف بعض السياسات ذات التوجه الأخلاقي، لكنه لن يتسبب في تغيير جذري في مواقف جنوب أفريقيا الراسخة.
أم يتجه للتحالف الحزب الردايكالي الداعم للموقف المضاد لإسرائيل؟
أما التحالف مع حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية (EFF)، فمن المرجح أن يؤدي إلى استمرارية الموقف المضاد لـ “إسرائيل”، وسياسات تعزيز التعاون الجنوبي-الجنوبي ومعارضة الهيمنة الغربية.
تعتبر جنوب أفريقيا ناقداً بارزاً للحرب الإسرائيلية على غزة؛ حيث اتهمت دولة الاحتلال بممارسة الإبادة الجماعية في قضية أمام محكمة العدل الدولية. ومن المتوقع أن تستمر القضية لسنوات، ما يعني أن أي حكومة ائتلافية جديدة سترثها، حسب تقرير منصة أسباب.
ولكن من الممكن أن يكون لنتائج الانتخابات تداعيات على هذه الشكوى؛ حيث يعارضها حزب (DA) المؤيد لقطاع الأعمال، مفضلاً تسوية تفاوضية للصراع بين “إسرائيل” وحماس.
في المقابل، يتشارك حزب (EFF) الموقف المؤيد للفلسطينيين مع حزب (ANC) الرديكالي، وقد اتهم “إسرائيل” أيضاً بالإبادة الجماعية. وبينما ما زال موقف حزب (MKP) الذي يقوده زوما أقل وضوحاً، لكن من المرجح أن يكون داعما للقضية الفلسطينية بسبب تطابقه الأيديولوجي مع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي.
وسجلت دبلوماسية جنوب أفريقيا تحت قيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي توجهاً ثابتاً للتعاون مع روسيا، واستمر ذلك حتى بعد غزو روسيا لأوكرانيا. وتمتد علاقات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي مع روسيا إلى فترة النضال ضد الفصل العنصري.
وتوترت العلاقة بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا عندما سمحت حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي للسفن الحربية الروسية والصينية بإجراء تدريبات قبالة ساحلها في أوائل عام 2023. كان حزب التحالف الديمقراطي (DA) ينتقد بشدة علاقة حزب المؤتمـر الوطني الأفريقي مع روسيا، متهماً إياه بخيانة عدم الانحياز والحياد المعلن فيما يتعلق بالصراع الأوكراني والتوترات الأوسع بين روسيا والغرب.
/* توسيط جميع عناصر figure */ figure { display: flex; justify-content: center; align-items: center; width: 100%; /* ضمان اتساع العنصر بما يناسب الحاوية الأم */ margin: auto; /* وسط العنصر بشكل تلقائي */ flex-direction: column; /* ترتيب العناصر بشكل عمودي */ } /* توسيط الإطار المضمن */ .wp-block-embed__wrapper { display: flex; justify-content: center; align-items: center; width: 100%; /* اتساع الحاوية بما يناسب العنصر الداخلي */ } iframe { margin: auto; /* وسط الإطار في الحاوية الخارجية */ display: block; /* تأكد من أن الإطار يعرض ككتلة */ }