لا يملك الجراح الفلسطيني بشير الحوراني، الذي يساعد في إدارة مستشفى ميداني أقيم داخل مدرسة في وسط غزة، سوى الشاش ومطهر اليود لعلاج من تم تحويلهم من مستشفيات مكتظة بالجرحى جراء القصف الإسرائيلي المتواصل للقطاع.
وقال الحوراني بينما يمسك بزجاجة يود كان يستخدمها لتطهير آثار ندبة جرح طويل ممتد من الصدر إلى البطن لأحد الرجال المصابين: “لا نملك إلا الشاش والمطهر. أكتر من هيك لا نملك شيء”. وأضاف: “طبعاً المفروض أن المريض يكون مبيت داخل المستشفى، لكن نظراً إلى التكدس الموجود تم تحويله إلى المستشفى الميداني”.
كما قال: “مثل المريض هذا، في عندنا العشرات. عندنا أطفال. الأطفال صعب التعامل معهم. نفاجأ وإحنا بنغير له تاني يوم بنلاقي التهاب شديد، لأنه مفيش تعقيم، مفيش أماكن مهيأة، مفيش أماكن مخصصة، مفيش سلات للنفايات!”.
انهيار القطاع الصحي في غزة
يأتي ذلك في الوقت الذي قالت فيه وزارة الصحة بغزة، الجمعة 22 ديسمبر/كانون الأول 2023، إن مدينة رفح جنوب القطاع أصبحت منكوبة صحياً بسبب “العدوان” الإسرائيلي، مؤكدةً أن الطواقم الطبية عاجزة عن تقديم خدماتها.
تقع مدرسة السيدة خديجة في دير البلح بوسط الجيب الفلسطيني الصغير المكتظ الذي تحاصره القوات الإسرائيلية وتقصفه وتنفذ فيه منذ أسابيع، عمليات برية رداً على هجوم دامٍ شنه مقاتلو حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وأدت الحرب إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص، وإصابة 50 ألفاً آخرين، وفقاً للسلطات الصحية المحلية في غزة التي تديرها حماس. وفي هذه الأثناء توقفت المستشفيات عن العمل واستنفدت كل الإمدادات الطبية تقريباً.
المستشفيات تواجه مشاكل نقص المعدات
تقول وكالات الإغاثة إنه رغم دخول بعض المساعدات من مصر إلى غزة خلال الأسابيع الماضية، فقد كان من الصعب توزيع كثير منها خارج المنطقة الحدودية المباشرة، كما أن المستشفيات في أماكن أخرى من القطاع بالكاد قادرة على العمل.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود، في منشور لها على مواقع التواصل الاجتماعي، الجمعة، إن الأطباء بمستشفى ناصر في خان يونس بجنوب غزة “يدوسون على جثث الأطفال القتلى لعلاج الأطفال الآخرين الذين سيموتون على أي حال”.
وفي المستشفى الميداني بدير البلح، وقف الحوراني منشغلاً بتضميد رأس ميسرة أبو تيلخ، وهو صبي أصيب في القصف لكنه خرج مبكراً من مستشفى الأقصى القريب؛ لإفساح المجال للتعامل مع حالات أشد خطورة.
نقص في الأدوية
قال والده جهاد أبو تيلخ: “اضطروا إنهم يطلعوا ميسرة على المستشفى الميداني الموجودين فيه حالياً، واللي هي مدرسة، على أساس يستكمل العلاج… رغم أن الوضع اللي هنا صعب في المعدات الطبية ونقص في الأدوية والممرضين والدكاترة”.
وفقدت الأسرة منزلها وتقيم الآن بشكل مؤقت في المستشفى الميداني بينما تبحث عن مكان آخر لتلوذ به.
وأضاف الوالد: “الحين إحنا مش لاقيين مكان، يعني بعد ما انقصف المكان اللي كنا نازحين فيه مفيش إلنا مكان، هنضطر نخلينا هنا مؤقتاً لحين ما نلاقي مكان أو مأوى تاني نقعد فيه”.
مدينة رفح أصبحت منكوبة
في حين قالت وزارة الصحة بغزة، الجمعة، إن مدينة رفح جنوب القطاع أصبحت منكوبة صحياً بسبب “العدوان” الإسرائيلي، مؤكدةً أن الطواقم الطبية عاجزة عن تقديم خدماتها.
وقال متحدث الوزارة أشرف القدرة، إن “المستشفيات في رفح صغيرة، والطواقم الطبية عاجزة عن تقديم خدمات منقذة للحياة، ومدينة رفح أصبحت منطقة منكوبة من الناحية الصحية”.
وأضاف القدرة، في بيان، أن “مستشفى أبو يوسف النجار برفح فقد السيطرة على تقديم الرعاية الصحية لمئات الجرحى بسبب مجازر الاحتلال (الإسرائيلي)”.
وأكد أن “الاحتلال لا يزال يستخدم المساعدات الطبية سلاحاً لقتل مزيد من الضحايا في قطاع غزة”، مطالباً بـ”إرغام الاحتلال على إدخال المساعدات بشكل عاجل؛ حتى لا نصل لمرحلة كارثية تفوق المستويات”.
وعن المساعدات الإغاثية، قال القدرة: “ما يدخل غزة لا يتجاوز 70 شاحنة يومياً، بينما احتياجات السكان تتطلب دخول ألف شاحنة مساعدات”. وأشار إلى أن “لدينا 53 ألف جريح داخل القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خرج منهم 411 فقط للعلاج”.
حماس تندد بالانتهاكات الإسرائيلية
في السياق، قالت حركة “حماس” إن “اعتقال العدو الصهيوني عدداً من موظفي جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في مخيم جباليا للاجئين (شمال)، واستمراره كذلك في اعتقال نحو مئة من الأطقم الصحية، جريمة حرب، وتعبير عن فاشية هذا العدو الذي يدمر القطاع الصحي بشكل ممنهج”.
ودعت الحركة، في تصريح صحفي، الأمم المتحدة والمنظمات الصحية والحقوقية العالمية إلى “الوقوف عند مسؤولياتهة القانونية والأخلاقية في حماية المنشآت والأطقم الطبية”.
أما يوم الخميس، فأعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني انقطاع الاتصال بمركز إسعاف جباليا شمال قطاع غزة، بعد اقتحامه من قبل الجيش الإسرائيلي. وأكدت “اعتقال كل الطواقم والمسعفين، حيث اقتادهم الجيش إلى جهة مجهولة، ولا تزال النساء محاصرات وحدهن داخل المركز”.
ويصعد الجيش الإسرائيلي حربه على مستشفيات القطاع والطواقم الصحية، ضمن حرب مدمرة على غزة يشنها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، خلّفت حتى صباح الجمعة “20 ألفاً و57 شهيداً و53 ألفاً و320 جريحاً، معظمهم أطفال ونساء”، ودماراً هائلاً في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً للسلطات في القطاع والأمم المتحدة.