مع دخول موسمي الخريف والشتاء، تزداد شكوى السائقين من ظاهرة إبهار الضوء أثناء القيادة، لا سيما عند التقاطع مع المركبات القادمة في الاتجاه المقابل. فثوانٍ قليلة من إغماض العين نتيجة وهج الضوء، كفيلة بإرباك السائق ورفع احتمالات الخطأ في لحظة لا تحتمل التردد.
رئيس قسم تكنولوجيا المركبات في المجلس الألماني للسلامة على الطرق باريند هاويتر، وصف المشكلة بأنها "أحد أكثر المخاطر انتشارا على الطرق"، مشيرا إلى أن انخفاض وهج الشمس في هذين الموسمين يزيد من تفاقمها. كما تلعب الانعكاسات الناتجة عن الطرق المبتلة أو المغطاة بالثلج دورا إضافيا في تضخيم الإبهار، إلى جانب مصابيح السيارات المقابلة.
ويؤكد هاويتر أن تطور تكنولوجيا الإضاءة خلال العقود الأخيرة، على الرغم من مساهمته في تحسين الرؤية، جعله أيضا مصدرا محتملا لإزعاج الآخرين. فكشافات "إل إي دي" (LED) القوية، والمصابيح الصغيرة ذات الحزمة الضوئية المركزة، والكشافات المضبوطة بشكل غير صحيح تُعد اليوم ضمن أبرز مسبّبات الإبهار.
إلى جانب ذلك، يؤدي سوء استخدام الضوء العالي، أو الاعتماد على مصابيح زينون الشديدة السطوع، إلى إرباك رؤية السائق المقابل. وتتضاعف المشكلة في الطرق الجبلية حيث تتغير زاوية الضوء باستمرار مع انحدارات الطريق.
وتنعكس هذه العوامل على قدرة السائق على الاستجابة، إذ يضطر لإغماض عينيه لتقليل الوهج، ما يرفع منسوب التوتر الذهني ويقلّل التركيز. ويشير خبراء السلامة إلى أن كبار السن هم الأكثر تعرضا لتأثيرات الإبهار مقارنة بالشباب.

التعتيم اليدوي واستخدام المرايا الذكية
عند انعكاس الضوء في المرآة الداخلية من السيارات القادمة من الخلف، تبقى وظيفة "التعتيم اليدوي" هي الحل الأبسط. وتأتي معظم السيارات الحديثة اليوم مزودة بمرايا أوتوماتيكية الإعتام، ما يقلل الانعكاسات المزعجة تلقائيا.
وتتوسع شركات صناعة السيارات في تقديم مرايا داخلية رقمية عالية الدقة تعتمد على كاميرات خلفية بدل المرآة التقليدية، كما هو الحال مع نظام "فل ديسبلاي ميرور" (Full Display Mirror). هذه التقنية تسمح بتعتيم فوري تلقائي لمصادر الضوء القوية، وتمنح زاوية رؤية أوسع بمقدار 4 أضعاف تقريبا، من دون تأثر بحمولة السيارة أو وضع الركاب في الخلف.
ويرى خبير المركبات في نادي السيارات الألماني، بوركارد بوتشر، أن المشكلة الأكبر تكمن في المرايا الجانبية الخارجية؛ إذ لا يمكن تعتيمها تلقائيا بالطريقة نفسها. ويشدد على ضرورة عدم استخدام الملصقات أو الرقاقات التي تخفف السطوع بنسبة تفوق 10% لأنها مخالفة قانونيا.
كما تتيح بعض الشركات، مثل "أودي" في طراز "إيه 6 آفانت إي-ترون"، خيار المرايا الخارجية الافتراضية المزودة بشاشات داخلية، لتقليل الإبهار وتحسين الرؤية.
لكن بوتشر يحذّر من أن اعتماد الشاشات الرقمية بدل المرايا قد يكون مربكا لبعض السائقين، خصوصا من يستخدمون نظارات متعددة البؤر، إذ يصعب عليهم تركيز النظر على شاشة قريبة مقارنة بمرآة تقليدية تعطي إحساسا طبيعيا بالعمق.
أفضل وسيلة لضبط الكشافات
يلعب ضبط ارتفاع الكشافات الأمامية دورا أساسيا في الحد من الإبهار. ورغم أن كشافات زينون القوية (أكثر من ألفي لومن) تخضع إلزاميا لنظام الضبط الأوتوماتيكي والتنظيف، فإن هذا الشرط لا يطبق على مصابيح "إل إي دي" الأكثر انتشارا.
ويشير بوتشر إلى أن معظم شركات السيارات توقفت عن تقديم أنظمة تنظيف الكشافات، لكن الضبط التلقائي لمدى الإضاءة بات متوفرا قياسيا في غالبية الطرازات.
أما الإهمال في تنظيف الكشافات، فيؤدي إلى انكسار الحزمة الضوئية بشكل غير منتظم، ما يجعلها أكثر إزعاجا للسائقين الآخرين.
وفي غياب الضبط التلقائي في السيارات القديمة، يجب على السائق تذكر خفض زاوية الإضاءة عند تحميل السيارة بأمتعة أو ركاب في الخلف، وإعادتها لوضعها الطبيعي بعد إفراغ الحمولة.

البداية من الزجاج الأمامي
أبسط إجراء يمكنه تحسين الرؤية هو تنظيف الزجاج الأمامي من الداخل والخارج. فالأتربة الخفيفة والدهون تعمل كطبقة عاكسة للضوء، وتحوّل الوهج إلى وميض مشتت للنظر. ويجب أيضا التأكد من كفاءة مسّاحات الزجاج واستبدال أنصالها عند الحاجة.
ولمرتدي النظارات الطبية، تضيف العدسات النظيفة طبقة حماية إضافية ضد الوهج.
ماذا تفعل عند التعرض للإبهار؟
عند مواجهة ضوء قوي مفاجئ، ينصح الخبراء بالآتي:
- تخفيض السرعة فورا.
- زيادة مسافة الأمان.
- تجنب النظر مباشرة إلى مصدر الضوء.
- تحويل النظر قليلا نحو يمين الطريق أو علامات الحافة.
وفي السيارات المزودة بمساعد الضوء العالي المتكيّف (Adaptive High Beam) يجب التحقق دوريا من كفاءة عمل النظام.
أما في الأجواء الضبابية، فيجب استخدام مصابيح الضباب الخلفية فقط عند انخفاض مدى الرؤية إلى أقل من 50 مترا.
