مع اقتراب أوروبا من فصل الشتاء في خضم أزمة طاقة غير مسبوقة، أصبحت البيوت والمكاتب أكثر برودة، والمباني التاريخية مظلمة. يتحدث الخبازون الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف تسخين أفرانهم عن استسلامهم للأمر الواقع، بينما يواجه مزارعو الفاكهة والخضراوات ترك الصوبات الزراعية في وضع الخمول.
وتقول صحيفة The Independent البريطانية إنه في أوروبا الشرقية الفقيرة، يخزنون الحطب، بينما في #ألمانيا الأكثر ثراءً، قد يستغرق انتظار مضخة حرارية موفرة للطاقة نصف عام. والشركات لا تعرف مقدار ما يمكنها تقليصه.
أوروبا تغرق بالبرد والظلام
يقول ريتشارد كوفاكس، مدير تطوير الأعمال لسلسلة البرجر المجرية Zing Burger: “لا يمكننا إطفاء الأنوار وجعل ضيوفنا يجلسون في الظلام”. لا تشغل المطاعم بالفعل الشوايات أكثر من اللازم وتستخدم أجهزة كشف الحركة لإطفاء الأنوار في المخازن، حيث تواجه بعض المتاجر زيادة بنسبة 750% في فواتير الكهرباء منذ بداية العام.
مع ارتفاع التكاليف وضيق إمدادات الطاقة، تقوم أوروبا بتنفيذ برامج إغاثة وخطط لتغيير أسواق الكهرباء والغاز الطبيعي في الوقت الذي تستعد فيه لزيادة استخدام الطاقة هذا الشتاء. السؤال هو ما إذا كان سيكون كافياً لتجنب التقنين الذي تفرضه الحكومة وانقطاع التيار الكهربائي بعد أن خفضت #روسيا الغاز الطبيعي اللازم لتدفئة المنازل وتشغيل المصانع وتوليد الكهرباء إلى عُشر ما كان عليه قبل غزو #أوكرانيا.
أدى اعتماد #أوروبا على الطاقة الروسية إلى تحويل الحرب إلى أزمة طاقة وأزمة اقتصادية، مع ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة وتقلبات شديدة.
رداً على ذلك، عملت الحكومات بجد لإيجاد إمدادات جديدة والحفاظ على الطاقة، حيث أصبحت مرافق تخزين الغاز ممتلئة بنسبة 86% قبل موسم التدفئة الشتوي -متجاوزةً هدف الـ80% بحلول نوفمبر/تشرين الثاني. لقد التزموا بخفض استخدام الغاز بنسبة 15%، مما يعني أن برج إيفل سوف يغرق في الظلام بأكثر من ساعة قبل المعتاد بينما تقوم المتاجر والمباني بإغلاق الأنوار في الليل أو خفض الحرارة.
أوروبا تريد اجتياز هذا الشتاء بأقل الخسائر
قد تعتمد قدرة أوروبا على اجتياز الشتاء في النهاية على مدى برودة الطقس وما يحدث في #الصين. أدت عمليات الإغلاق التي تهدف إلى وقف تفشي فيروس كوفيد إلى تعطيل أجزاء كبيرة من الاقتصاد الصيني وتقليل المنافسة على إمدادات الطاقة النادرة.
وقال المستشار الألماني أولاف شولتز هذا الشهر إن الاستعدادات المبكرة تعني أن أكبر اقتصاد في أوروبا “الآن في وضع يمكننا فيه المضي بشجاعة في هذا الشتاء، حيث ستتحمل بلادنا هذا”.
لكن حتى لو كان هناك غاز هذا الشتاء، فإن الأسعار المرتفعة تدفع الناس والشركات إلى استخدام كميات أقل وتجبر بعض المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل صانعي الزجاج على الإغلاق.
إنه قرار يواجه أيضاً مزارعي الفاكهة والخضراوات في هولندا الذين يمثلون مفتاحاً لإمدادات الغذاء الشتوية في أوروبا: إغلاق البيوت الزجاجية أو تكبد خسائر بعد ارتفاع تكاليف تسخين الغاز والإضاءة الكهربائية.
لا حلول سريعة والمزارعون لا يستطيعون تحمل تكلفة الغلاء
وتقول ذي إندبندنت، قامت شركة Bosch Growers، التي تزرع الفلفل الأخضر وغيره من المحاصيل بوضع عزلٍ إضافي، وجربت درجات حرارة منخفضة. وكانت التكلفة هي محاصيل أقل، بحيث يستغرق التوت الأسود وقتاً أطول لينضج.
ويقول شميت، رئيس نقابة الخبازين المحليين، إن بعض المخابز الصغيرة تفكر في الاستسلام. وقال إن المساعدة الحكومية ستكون أساسية على المدى القصير، في حين أن الحل طويل المدى يشمل إصلاح أسواق الطاقة نفسها.
تستهدف أوروبا كلا الأمرين، رغم أن الإنفاق المطلوب قد يكون غير مستدام. خصصت الدول 500 مليار يورو لتخفيف فواتير الخدمات العامة المرتفعة منذ سبتمبر/أيلول 2021، وفقاً لتحليل أجراه مركز أبحاث Bruegel في بروكسل، وهم ينقذون المرافق التي لا تستطيع شراء الغاز من أجل الوفاء بعقودها.
وقامت الحكومات بتجميع إمدادات غاز إضافية من خطوط الأنابيب التي تمتد إلى النرويج وأذربيجان، وزادت من شرائها للغاز الطبيعي المسال الغالي الثمن الذي يأتي عن طريق السفن، إلى حد كبير من الولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، يوازن الاتحاد الأوروبي التدخلات الصارمة مثل فرض ضرائب على الأرباح المفاجئة لشركات الطاقة وتجديد أسواق الكهرباء بحيث تلعب تكاليف الغاز الطبيعي دوراً أقل في تحديد أسعار الطاقة.
ولكن مع تدافع الدول لاستبدال الوقود الأحفوري الروسي وحتى إعادة تنشيط محطات الطاقة التي تعمل بالفحم الملوثة، يقول خبراء البيئة والاتحاد الأوروبي نفسه إن مصادر الطاقة المتجددة هي السبيل للخروج على المدى الطويل.
يتطلع الجيران في مدريد إلى خفض تكاليف الكهرباء والمساعدة في تحويل الطاقة إلى الألواح الشمسية المثبتة هذا الشهر لتزويد تطوير مساكنهم بعد سنوات من العمل.
تقويض الدعم الشعبي الأوروبي لأوكرانيا وتلاشي التضامن داخل الكتلة
يقول محللون إن الحكومات الأوروبية رفضت اعتبار روسيا مورداً للطاقة لكن الرئيس فلاديمير بوتين لا يزال يتمتع بنفوذ. لا يزال بعض الغاز الروسي يتدفق وقد يقوض الشتاء القاسي الدعم الشعبي لأوكرانيا في بعض البلدان. كانت هناك بالفعل احتجاجات في أماكن مثل التشيك وبلجيكا.
ومع تزايد الغضب من ارتفاع فواتير الطاقة، تقول مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إن التضامن الأوروبي بدأ يتلاشى، وهذا أمر سيئ لبروكسل وللدعم الأوروبي المستمر للدفاع الأوكراني ضد الروس.
وحتى مع تعهد القادة الأوروبيين علناً بدعم كييف، فإن دعوات المحتجين لمزيد من الحياد في بلدان مثل جمهورية التشيك يمكن أن تضع الأساس لصدوع مستقبلية في الوحدة. كما أن المجر، العضو في الاتحاد الأوروبي، موجودة في جيب موسكو منذ اليوم الأول للحرب. وكان الموقف الألماني فاتراً بأكمله منذ البداية خشية وقوع أزمة الطاقة، وهو ما حدث بالفعل.
مؤخراً، نظم رجال الأعمال الإيطاليون احتجاجاً على فواتير الطاقة العالية، وألقوا باللوم في محنتهم على الاتحاد الأوروبي وقراراته، وليس بوتين الذي يغزو أوكرانيا.
لذلك، يرى محللون أن الدول الأوروبية قد تواجه اختباراً كبيراً للوحدة السياسية إذا استمر عدم الاستقرار في النمو واستمرت أزمة الطاقة في طحن أوروبا ومصانعها وأسرها.
يقول بين كاهيل الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، إنه “إذا ظلت الأسعار مرتفعة جداً وبدا السوق ضيقاً هذا الشتاء، فإن الضغط السياسي على الحكومات الأوروبية سيزداد، ومن المحتمل أن يكون لديك موقف يصبح فيه المواطنون غير سعداء حقاً ويبدأون في إلقاء اللوم على الحكومات بسبب ذلك، وربما تبدأ الحكومات في السير في طريقها والبحث عن مصالحها الخاصة بعيداً عن كييف، لذلك فإن الحفاظ على هذا التضامن والوحدة الأوروبية سيكون أمراً صعباً”.