قال موقع The Intercept الأمريكي، في تقرير له نشره الثلاثاء 9 يناير/كانون الثاني 2024، إن تغطية الحرب على غزة بواسطة صحف New York Times، وWashington Post، وLos Angeles Times الأمريكية كشفت عن تحيزٍ ثابتٍ ضد الفلسطينيين، بحسب ما توصل إليه تحليل الموقع الأمريكي لتغطية وسائل الإعلام الكبرى.
إذ انصب اهتمام الصحف الأمريكية الكبرى على الوفيات الإسرائيلية في الصراع بصورةٍ غير متكافئة، واستخدمت لغةً عاطفية عند وصف القتلى الإسرائيليين وليس الفلسطينيين، وقدّمت تغطيةً غير متوازنة للأنشطة المعادية للسامية داخل الولايات المتحدة، مع تجاهل كبير للعنصرية ضد المسلمين في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
1000 مقال
إلى جانب ذلك، يركز هذا التحليل مفتوح المصدر على الأسابيع الستة الأولى من الصراع، بدايةً بهجمات حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ووصولاً إلى الـ24 من نوفمبر/تشرين الثاني مع بداية “الهدنة الإنسانية” التي استمرت لأسبوع كامل.
جمع موقع The Intercept أكثر من 1.000 مقال نشرته صحف New York Times وWashington Post وLos Angeles Times عن حرب إسرائيل في غزة، ثم أحصى عدد مرات استخدام مصطلحات رئيسية معينة والسياق الذي استُخدِمَت فيه. وقد كشفت الإحصاءات عن عدم توازن صارخ في طريقة تغطية الإسرائيليين والشخصيات الموالية لإسرائيل، وذلك عند مقارنتها بطريقة تغطية الفلسطينيين والأصوات الموالية لفلسطين -مع استخدام المصطلحات بأسلوب ينحاز للسرديات الإسرائيلية أكثر من الفلسطينية.
وترسم تغطية الأسابيع الستة الأولى من الحرب صورةً قاتمة للجانب الفلسطيني بحسب التحليل، وهي صورة تجعل من إضفاء الطابع الإنساني على الفلسطينيين -وإثارة التعاطف الأمريكي معهم- مهمةً أصعب.
ولجمع هذه البيانات، تم البحث عن كافة المقالات التي تحتوي على الكلمات ذات الصلة (مثل “فلسطيني”، و”غزة”، و”إسرائيلي”، وغيرها) في المواقع الإخبارية الثلاثة. وتحليل كل جملةٍ بعدها وردت في جميع المقالات، ثم إحصاء عدد مرات استخدام مصطلحات بعينها. كما تم حذف جميع المقالات التحريرية ورسائل رؤساء التحرير لأغراض هذا التحليل.
وقد تم الوصول في عملية المسح إلى أربع نتائج رئيسية.
التغطية غير المتكافئة للوفيات
تظهر كلمات “إسرائيلي” و”إسرائيل” أكثر من كلمة “فلسطيني” بمختلف أشكالها في صحف New York Times وWashington Post وLos Angeles Times، على الرغم من أن أعداد الوفيات الفلسطينية تفوق الوفيات الإسرائيلية بمراحل. إذ ذُكِرَ الفلسطينيون مرةً واحدة مقابل كل قتيلين من الفلسطينيين. بينما ذُكر الإسرائيليون ثماني مرات مقابل كل قتيل إسرائيلي -أي أكثر من عدد مرات ذكر القتيل الفلسطيني الواحد بمعدل 16 ضعفاً.
“المذبحة” للإسرائيليين فقط.. وليس الفلسطينيين
جاء استخدام المصطلحات شديدة العاطفية لوصف قتل المدنيين (مثل “مذبحة” و”مجزرة” و”مُروّع”) مقصوراً على الحديث عن الإسرائيليين الذين قتلهم الفلسطينيون بشكلٍ شبه حصري، وليس العكس. وقد حذفنا من هذا التحليل المرات التي ظهرت فيها تلك المصطلحات بين علامتي اقتباس لأنه لم يرد كجزءٍ من السياسة التحريرية للصحيفة.
حيث استخدم المحررون والمراسلون مصطلح “مذبحة” لوصف قتل الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين بنسبة 60 إلى 1، كما استخدموا مصطلح “مجزرة” لوصف قتل الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين بنسبة 125 إلى 1. بينما استخدموا مصطلح “مُروِّع” لوصف قتل الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين بنسبة 36 إلى 4.
الأطفال والصحفيون
استخدم عنوانان رئيسيان فقط من عناوين 1.100 مقال إخباري كلمة “أطفال” عند الإشارة إلى أطفال غزة. وفي استثناء بارز، نشرت New York Times خبراً في الصفحة الأولى أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وتحدثت خلاله عن وتيرة القتل التاريخية للنساء والأطفال الفلسطينيين، لكن العنوان الرئيسي لم يذكر أياً من المجموعتين.
ويُمكن القول إن حرب إسرائيل في غزة هي أكثر حرب دموية في التاريخ الحديث بالنسبة للأطفال -وجميعهم من الفلسطينيين تقريباً-، لكن ذكر كلمة “أطفال” وغيرها من المصطلحات ذات الصلة كان نادراً في عناوين المقالات التي راجعها موقع The Intercept.
كما تُعد الحرب على غزة واحدةً من أكثر الحروب دمويةً في التاريخ الحديث بالنسبة للصحفيين أيضاً -وغالبيتهم من الفلسطينيين-، لكن كلمة “صحفيين” وأشكالها المختلفة مثل “مراسلين” و”مصوّرين” لم تظهر إلا في تسعة عناوين أخبار فقط، وذلك من أصل 1.100 مقال على الأقل في هذه الدراسة. بينما ورد ذكر المراسلين العرب في 4 فقط من أصل 9 مقالات تحتوي على كلمة صحفي أو مراسل.
تغطية الكراهية في الولايات المتحدة
على نحوٍ مماثل، حين يتعلق الأمر بترجمة صراع غزة إلى أحداث كراهية داخل الولايات المتحدة، فقد تركّز اهتمام الصحف الكبرى على الهجمات المناهضة للسامية أكثر من تلك التي تستهدف المسلمين. وكان هناك تركيز غير متكافئ على العنصرية ضد اليهود عموماً، وذلك مقارنةً بالعنصرية التي تستهدف المسلمين أو العرب أو من يبدون على شاكلتهم. وخلال فترة دراسة The Intercept، ذكرت صحف New York Times وWashington Post وLos Angeles Times مصطلح عداء السامية أكثر من الإسلاموفوبيا (بمعدل 549 إلى 79).
عندما تُخفق الصحف الكبرى
يُمكن القول بشكلٍ عام إن حالات القتل التي ارتكبتها إسرائيل في غزة لا تحظى بتغطيةٍ مكافئة لتغطية وفيات الإسرائيليين في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، سواء من حيث النطاق أو الثقل العاطفي. إذ يجري تقديم حالات القتل المذكورة في الأغلب على أنها أرقام مجردة مرتفعة دون علة.
ولا تُوصف حالات القتل تلك بمصطلحات عاطفية مثل “مجزرة” أو “مذبحة” أو “مُروّع”. كما تُوصف حالات القتل التي ترتكبها حماس بحق المدنيين الإسرائيليين على أنها جزء من استراتيجية الحركة دائماً، بينما تجري تغطية حالات قتل المدنيين الفلسطينيين وكأنها سلسلة من الأخطاء الفردية التي ارتُكِبَت آلاف المرات، على الرغم من الأدلة المتعددة التي تُشير إلى عزم إسرائيل على إيذاء المدنيين والإضرار بالبنية التحتية المدنية.
ونتيجة ذلك هي أن الصحف الكبرى الثلاث نادراً ما تمنح الفلسطينيين تغطيةً إنسانية. وبرغم هذا التباين، تُظهر استطلاعات الرأي اتجاه تعاطف الديمقراطيين نحو الفلسطينيين وبعيداً عن إسرائيل، مع فجوات هائلة بين الأجيال نتيجة الاختلاف الواضح في مصادر الأخبار جزئياً.
حيث يأخذ الشباب بشكلٍ عام معلوماتهم عن الصراع من تيك توك، ويوتيوب، وإنستغرام، وتويتر. بينما يعرف الأمريكيون الأكبر سناً الأخبار من وسائل الإعلام المطبوعة أو قنوات الأخبار.
وتؤثر التغطية المنحازة في الصحف الكبرى والقنوات الرائجة على الانطباعات العامة عن الحرب، وتوجه المشاهدين نحو رؤية مشوهة للصراع. وقد أسفر هذا عن تحميل “المعلومات المضللة” على الشبكات الاجتماعية المسؤولية عن انتشار الآراء الموالية لفلسطين، وذلك على لسان النقاد والساسة الموالين لإسرائيل.
لكن تحليل الصحف المطبوعة والقنوات الإخبارية يوضح أن مستهلكي المواد الإعلامية الذين تصلهم صورة مشوهة هم أولئك الذين يشاهدون الأخبار عبر وسائل الإعلام الرائجة في الولايات المتحدة.