كشفت مصادر إيرانية مطلعة، لـ”عربي بوست”، السبت 3 فبراير/شباط 2024، أن القيادة العليا في طهران باتت تستخدم إجراءات جديدة من أجل حماية قادة الحرس الثوري الإيراني الموجودين في سوريا، على إثر التهديدات الأمريكية بضرب مقرات وقادة إيرانيين في كل من سوريا والعراق.
تحدثت تقارير إعلامية غربية من بينها “رويترز” عن أن إيران تقوم بسحب قادة الحرس الثوري الإيراني من سوريا، أو ما تطلق عليهم طهران “المستشارين العسكريين”، تجنباً للانتقام الأمريكي، وتزايد الاستهدافات الإسرائيلية لقادتها.
“عربي بوست” تقصّى الأمر مع مصادر من الحرس الثوري الإيراني، ومكتب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، التي نفت صحة ذلك، موضحةً أن هناك إجراءات جديدة جرى اعتمادها والاتفاق عليها مع دمشق لحماية قادتها ومستشاريها في سوريا من الاغتيال، وليس من ضمنها الانسحاب.
تهديدات واشنطن جاءت بعد مقتل ثلاثة جنود أمريكيين، وإصابة أكثر من 40 آخرين، الأحد 28 يناير/كانون الثاني 2024، في قاعدة “البرج 22″، داخل الحدود الأردنية مع سوريا، على إثر هجوم من كتائب حزب الله بالعراق، التي أعلنت بعدها وقف الهجمات على القوات الأمريكية.
الحرس الثوري الإيراني.. إخفاء الهوية وليس الانسحاب
مصدر من الحرس الثوري الإيراني قال لـ”عربي بوست”، مفضلاً عدم ذكر اسمه، لأنه غير مخول له الحديث إلى وسائل الإعلام: “لا يوجد أي تقليص لقادة الحرس الثوري الإيراني أو قواتنا في سوريا، لكننا لجأنا إلى استخدام تكتيك جديد لعدم تعريض القادة العسكريين الإيرانيين في سوريا لأي ضرر من الهجمات الأمريكية المتوقعة”.
أضاف أنه “بعد الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بحضور قادة الحرس الثوري الإيراني، سلّم المجلس الخطة الجديدة إلى المرشد الأعلى خامنئي، الذي بدوره وافق عليها، وأرسلها إلى الحكومة السورية على الفور”.
وفقاً لمصدر آخر من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، فإن قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الجنرال إسماعيل قاآني “سلّم الخطة التي وافق عليها المرشد الأعلى للرئيس بشار الأسد، وطلب منه الموافقة”.
أوضح المصدر لـ”عربي بوست”: “طلبنا من بشار الأسد منح القادة الإيرانيين رفيعي المستوى هويات مجهولة لجنسيات أخرى غير الإيرانية، حتى نضمن دخولهم وخروجهم من سوريا بأمان”.
وقال: “أخبرنا الحكومة السورية بأننا سنُعيد تسكين الضباط والقادة الإيرانيين في مناطق أخرى، بمعرفتنا الخاصة دون إبلاغهم حتى”.
عدم إبلاغ طهران بأماكن تسكين الضباط والقادة العسكريين الإيرانيين للحكومة السورية يأتي “خوفاً من تسريب معلومات إقامة القادة الإيرانيين”، وكما سبق ذكره في تقرير سابق لـ”عربي بوست”.
التقرير أشار إلى أن قادة الحرس الثوري الإيراني حصلوا على معلومات استخباراتية تُفيد بوجود خروقات استخباراتية بالأجهزة الأمنية السورية، ترتب عليها موجة الاغتيالات الإسرائيلية الأخيرة تجاه قادة الحرس الثوري المتواجدين في سوريا.
بحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ”عربي بوست”، في هذا التقرير، فإن رئيس النظام السوري بشار الأسد قد وافق على مطالب خامنئي، بشرط أن تكون هذه الإجراءات الجديدة لفترة محددة.
في هذا الصدد، قال مصدر ثانٍ من الحرس الثوري الإيراني لـ”عربي بوست”: “أراد الأسد معرفة الفترة التي سيدخل ويخرج فيها قادة الحرس الثوري من سوريا بهويات مختلفة، لكننا لم نتمكن من إعطائه أي إجابة حتى الآن، لكنه وافق في نهاية الأمر، نظراً لحساسية الأوضاع الحالية”.
عن الخطوات الأخرى، قال المصدر: “هناك أيضاً إعادة انتشار للقوات الإيرانية وقوات حزب الله اللبناني في سوريا، وتم إبعاد القوات عن مقراتها الرئيسية، ومخازن الأسلحة بقدر المستطاع”.
حالة التأهب القصوى داخل إيران
من ضمن الإجراءات التي اتخذتها طهران لمواجهة الهجمات الأمريكية المحتملة رداً على مقتل 3 جنود أمريكيين في الأردن، “إعلان حالة التأهب القصوى للدفاع الجوي على وجه التحديد، بأمر من المرشد الإيراني علي خامنئي”.
أوضح مصدر أمني إيراني مطلع، لـ”عربي بوست”، أن “أمر المرشد الأعلى إعلان حالة التأهب القصوى للدفاع الجوي في كافة أنحاء البلاد، تضمّن نشر عدد كبير من الصواريخ الباليستية على طول الحدود الإيرانية العراقية، من أجل تجهيز القوات المسلحة الإيرانية لمواجهة أي عدوان أمريكي محتمل”.
وقال: “تم إعادة انتشار وتمركز القوات الأمنية الإيرانية داخل البلاد، ووضع خطط أمنية جديدة لحماية كبار المسؤولين الإيرانيين، على رأسهم المرشد الأعلى، رغم أن واشنطن أرسلت رسائل طمأنة للقيادة الإيرانية، لكن لا بد من الاستعداد”.
فيما يخص رسائل الطمأنة الأمريكية لإيران قال المصدر: “بعد هجوم الأردن، تبادلت واشنطن وطهران رسائل عدة عبر الوسطاء في المنطقة، كانت إحداها رسالة تؤكد فيها واشنطن على أنها لا تريد توسيع الصراع، وأنها لن تقوم باستهداف الأراضي الإيرانية”.
تأهب في العراق أيضاً
كشف قيادي في فصيل حركة النجباء المدعومة من إيران في العراق لـ”عربي بوست”، عن قيام عناصر حركته “بإخلاء كافة المقرات التابعة لها في أغلب المحافظات العراقية الكبرى، وتم إخلاء مقرات القيادة والسيطرة، تحسباً لأي هجوم أمريكي”.
في السياق ذاته، قال مسؤول أمني بالحشد الشعبي العراقي لـ”عربي بوست”، مفضلاً عدم ذكر اسمه: “قام قادة الفصائل التي استهدفت القوات الأمريكية في الفترة الأخيرة بالاختباء، وتم إخلاء مقرات الحشد الشعبي في العاصمة بغداد، والمدن الجنوبية، وترك مخازن الأسلحة”.
85 ضربة أمريكية في العراق
مساء الجمعة 2 فبراير/شباط 2024، قامت الولايات المتحدة بشن 85 ضربة على أماكن تمركز ومخازن الأسلحة التابعة للفصائل العراقية المسلحة المدعومة من إيران في محافظة الأنبار، وقضاء القائم، الواقعة في المثلث الحدودي بين العراق وسوريا.
كما شملت الضربات الأمريكية مراكز القيادة والسيطرة ومخازن الصواريخ وأماكن تجميع الطائرات بدون طيار، وسلسلة توريد الأسلحة من إيران إلى العراق وسوريا، في منطقة القائم العراقية، التي تعد الممر الآمن للفصائل العراقية وإيران لنقل الأسلحة عبر العراق إلى سوريا ولبنان.
في هذا الصدد، يقول المسؤول الأمني بالحشد الشعبي العراقي لـ”عربي بوست”: “لطالما أراد الأمريكيون تدمير هذا الممر والسيطرة عليه لمنع إيران من نقل أسلحتها ومقاتليها إلى سوريا ولبنان، وجاءت الفرصة اليوم في ضربات كانت قوية، ودمرت جزءاً كبيراً من البنية التحتية للفصائل العراقية في هذه المنطقة”.
من جانبه، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن الضربات الأمريكية “أسفرت عن مقتل 18 مسلحاً تابعاً لإيران في شرق سوريا، 5 منهم في دير الزور”.
مصدر أمني عراقي قال لـ”عربي بوست”، إن “أغلب الضربات الأمريكية كانت في غرب العراق، خصوصاً منطقة القائم التي يوجد بها عدد كبير من مقرات الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، لكن لا يوجد فيها أي تمركز لقوات إيرانية”.
وأضاف أن “فصائل المقاومة العراقية قامت بنقل الأسلحة الثقيلة من مقرات منطقة القائم، وترك الأسلحة الخفيفة فقط، كما أنه لم يتم قتل أي قيادي كبير في هذه الفصائل”، على حد قوله.
تجدر الإشارة إلى أن “فصائل المقاومة الإسلامية في العراق”، تعد مظلة تجمع فصائل عراقية شيعية مدعومة من إيران، تقودها “كتائب حزب الله العراق، وحركة النجباء”، وقامت باستهداف القوات الأمريكية الموجودة في العراق وسوريا، وشن هجمات بطائرات بدون طيار، منذ اليوم التالي لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، من أجل وقف الدعم الأمريكي لإسرائيل في هذه الحرب، وخروج القوات الأمريكية من العراق.
بلغ عدد هذه الهجمات أكثر من 170 هجمة، كان أبرزها الهجوم على قاعدة البرج 22 في الأردن، الذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين، وإصابة أكثر من 40 آخرين، ما دفع الولايات المتحدة للرد بعد تخطي فصائل المقاومة العراقية لقواعد الاشتباك غير المكتوبة بين إيران ووكلائها والولايات المتحدة، بحسب ما أكده خبراء في تقرير سابق لـ”عربي بوست”.
يشار إلى أن واشنطن وجَّهت مساء الجمعة، 3 فبراير/شباط 2024، ضرباتٍ على منشآت عمليات القيادة والسيطرة ومراكز الاستخبارات والصواريخ والقذائف ومخازن الطائرات المُسيرة، والمرافق اللوجستية وسلسلة توريد الذخيرة لمجموعات مسلحة مدعومة من الحرس الثوري الإيراني، الذين سهلوا الهجمات ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف، بحسب بيان من “البنتاغون”.