رغم أنها تأسست قبل أكثر من 15 عاماً، فإن الإعلان عن “وحدة الظل” جاء متأخراً بـ10 سنوات، عندما بثت كتائب القسام -وللمرة الأولى- صوراً للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وهو يتنزه في غزة، خلال فترة أسره التي دامت 5 سنوات.
لا توجد معلومات كثيرة عن هذه الوحدة، المحاطة عمداً بكثيرٍ من التكتم نظراً لحساسية المهمة التي أُنشئت من أجلها؛ وهي تأمين ورعاية أسرى الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وإبقاؤهم في مكانٍ سري، لضمان نجاح عمليات تبادل الأسرى.
وعقب عملية طوفان الأقصى 2023، أعلنت كتائب القسام أن عدد الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة يتراوح ما بين 200 و250 أسيراً، من بينهم رُتب رفيعة المستوى، وقد تمّ نقلهم إلى مكان آمن؛ ما يعني أنهم عملياً في عهدة وحدة الظل.
ما الذي نعرفه حتى الآن عن وحدة الظل؟
تأسست وحدة الظل عام 2006، بعدما تمكنت كتائب القسام -بمشاركة “لجان المقاومة الشعبية” و”جيش الإسلام”- من خطف جلعاد شاليط في يونيو/حزيران، وأُسند إليها مهمة تأمين الجندي وإبقائه في دائرة المجهول.
أدّت الوحدة مهمتها ببراعة، فقد فشلت إسرائيل في تحديد مكان شاليط على مدى السنوات التي بقيَ فيها أسيراً، رغم شنّها أكثر من عدوانٍ على قطاع غزة.
تمكنت الوحدة من إخفاء شاليط عن أعين الموساد لنحو 5 سنوات، حتى أجبرت إسرائيل على إنجاز صفقة تبادل (عُرفت باسم “وفاء الأحرار”)، حررت من خلالها 1050 أسيراً وأسيرة من سجون الاحتلال مقابل الإفراج عن شاليط.
بقيت هذه الوحدة سرية حتى مطلع عام 2016، حين كشفت عنها كتائب القسام عبر وثائقي خاص عرضته قناة “الأقصى الفضائية”، اعتبرت فيه أن خطف شاليط هو “أعقد عملية أمنية خاضتها المقاومة في تاريخ الصراع، وأن وحدة الظل ساهمت فيها بشكلٍ مباشر”.
يقول أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، إن هذه الوحدة هي إحدى وحدات المهام الخاصة في القسام، “وجاء تأسيسها لاعتباراتٍ عملياتية في إطار مهمة كسر القيود”، مشيراً إلى أن هذه الوحدة -بضباطها وجنودها- “هي بمثابة حلقة مفقودة، ومهمتها أن تبقى دوماً كذلك”.
وعن معايير أعضائها، كشف أبو عبيدة أنه يتم اختيار مجاهدي هذه الوحدة من كافة الألوية والتشكيلات القتالية في القسام وفق معايير معيّنة، “ويتم إخضاعهم لاختباراتٍ عديدة مباشرة وغير مباشرة” قبل الاختيار، ومن ثم يتلقون تدريباتٍ خاصة لرفع قدراتهم الأمنية والعسكرية.
منذ عام 2014، أوكلت إلى الوحدة مهمة احتجاز 4 أسرى إسرائيليين، من بينهم جنديان أسرتهما كتائب القسام بعد إطلاقها معركة “العصف المأكول”، رداً على الحرب الإسرائيلية الثالثة على غزة.
يمكن القول إن وحدة الظل هي سلاح كتائب القسام لتحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، وهو ملفٌ يحتل مكانةً خاصة لدى الكتائب، التي تعتبر تحريرهم أولوية.
على عكس الاحتلال الإسرائيلي، تعامل وحدة الظل أسراها الإسرائيليين بكرامة واحترام وفق أحكام الإسلام، وتوفر الرعاية التامة لهم -ماديةً كانت أم معنوية- مع “الأخذ بعين الاعتبار معاملة العدو للأسرى المجاهدين” كما تقول القسام.
دور وحدة الظل في عملية طوفان الأقصى
مع انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تجدد الحديث عن هذه الوحدة، التي تضطلع بدورٍ محوري في ظلّ احتفاظ كتائب القسام بما يتراوح بين 200 و250 أسيراً إسرائيلياً.
تمّ نقل الأسرى إلى أماكن آمنة وسرّية، تحت رعاية وحدة الظل. وقد جرت اتصالات عدة في ملف الأسرى، كما أعلنت القسام عبر “أبو عبيدة” الذي قال إنه “كانت هناك فرصة للوصول إلى صيغة اتفاقٍ فيه، لكن العدو ماطل ولم يُبدِ جدية حقيقية لإنهاء معاناة أسراه”.
وخلال كلمته في اليوم الـ22 من العدوان الإسرائيلي على غزة، كشف أبو عبيدة أن القصف الإسرائيلي الهمجي أدى إلى مقتل 50 أسيراً، وأعلن أن “العدد الكبير من أسرى العدو لدينا ثمنه تبييض كامل السجون الصهيونية من كافة الأسرى”.
تعامل الوحدة أسرى الاحتلال الإسرائيلي معاملة جيدة، وقد تبيّن ذلك في أكثر من مناسبة، لاسيما حين أفرجت كتائب القسام يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عن مستوطنة إسرائيلية تُدعى يوخفد ليفشيتز، ظهرت في لحظة إطلاق سراحها وهي تصافح أحد جنود الوحدة.
أثارت هذه اللقطة ردود أفعالٍ عالمية كثيرة، وتصدّرت المشهد الإعلامي لأيام، خصوصاً حين قالت ليفشيتز: “عاملتنا حماس بلطف ولبّت جميع احتياجاتنا، وخضعتُ لفحص طبي أثناء فترة احتجازي”.
وتابعت: “كنا نتناول الطعام الذي يتناولونه؛ وقد أكدوا لي أنهم مسلمون، ولن يتعرضوا لنا بالأذى. كان هناك ممرض يعالج المصابين، وطبيب يأتي كل يومين لفحص الأسرى”.
وكانت كتائب القسام، الجناح العسكري لـ”حماس”، نشرت مقطعاً مصوراً لأسيرةٍ أخرى في غزة، وهي تتكلّم العبرية. وحسب التعليق المرافِق للمقطع، فإن الفتاة، التي تُدعى ميا شيم، أُسرت في اليوم الأول من الهجوم الذي شنَّته كتائب القسام على غلاف غزة.
قالت الشابة الفرنسية الإسرائيلية، التي تبلغ من العمر 21 عاماً، إنها مُحتجزة ودعت إلى الإفراج عنها، مؤكّدة أنها تلقَى معاملة جيدة، وقد خضعت لعمليةٍ جراحية.
وسبق فيديو شيم مقطعٌ مصور آخر تداوله رواد وسائل التواصل الاجتماعي، عن إطلاق “القسام” سراح أم إسرائيلية وطفلَيْها كانوا رهائن لديها. تظهر الأم في الفيديو مرتدية اللون الأزرق، في حين يُشاهَد عدد من المسلّحين وهم يسيرون مُبتعدين عنها.
ووسط الحرب الدائرة، تحرص وحدة الظل على رعاية الأسرى الإسرائيليين وتأمين احتياجاتهم بسريةٍ تامة، من دون الكشف عن هوياتهم. وفي الواقع، فقد خسرت الوحدة 5 أعضاءٍ خلال استهدافاتٍ إسرائيلية متفرقة منذ عام 2008.
وحتى اليوم، لم يعلم أحد بالمهام التي كانوا مكلّفين بها إلا بعد كشف كتائب القسام عنهم بأمرٍ من قائدها العام محمد الضيف، حين أعلنت أنهم “كانوا على ارتباطٍ وثيق بعملية إخفاء شاليط واحتجازه لـ5 سنوات”.
وعن “أبطال وحدة الظل القسامية”، كما وصفتهم الكتائب، تقول: “خلف ستار العتمة جهادهم، وبين الناس يعيشون حياتهم الطبيعية، فلا تشعر بأنهم يخفون أو يحفظون سراً خلفهم، وهم من ألحقوا الهزائم توالياً بأجهزة الأمن الصهيونية بمختلف مسمياتها”.