منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، لم تسلم أي رقعة من القطاع من قصف وهمجية الاحتلال، ومن بين الأحياء التي ركزّ جيش الاحتلال على استهدافها بالقصف العشوائي الكثيف حي الشجاعية الواقع شرق مدينة غزة.
هذا الحي الذي تردّد اسمه بشكلٍ شبه يومي على لسان مذيعي نشرات الأخبار خلال العدوان الحالي، بسبب استهدافه الكبير، والمجازر التي ارتكبها الاحتلال ضده، يعدّ أقدم وأكبر أحياء مدينة غزة، وإن كان الكثير من الناس لا يزالون يتذكرون الجريمة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضدّ سكانه، في 20 يوليو/تموز 2014، عندما قتل 60 فلسطينياً بقصفٍ مباشرٍ استهدفهم، إلا أن لحي الشجاعية تاريخ طويل من الصمود، إذ كان له دور كبير في الحروب التي خاضها القطاع المحاصر، بدءاً من الحروب الصليبية ومروراً بالحرب العالمية وانتهاءً بالعدوان الصهيوني على غزة عام 2023.
يعود تاريخه إلى الفترة الأيوبية
يعدّ حي الشجاعية من أقدم أحياء مدينة غزة، إذ يعود تاريخ بنائه إلى فترة الدولة الأيوبية في القرن الـ13م، في عهد حكم السلطان الأيوبي الصالح أيوب.
ويُنسب في تسميته إلى القائد في جيش الدولة الأيوبية “شُجَاع الكردي”، الذي استشهد في إحدى المعارك بين الأيوبيين والصليبيين سنة 637 هجرياً/1239 ميلادياً.
وفي فترة تأسيسه كان حي الشجاعية ينقسم إلى قسمين: حي التركمان بالجنوب، نسبة للعشائر التركمانية الذين استقروا هناك في عهد السلطان الأيوبي الصالح أيوب بالقرن الـ13 الميلادي، وحي الأكراد بالشمال، والذين استقروا بالمنطقة قادمين من الموصل، إضافةً إلى السكان العرب الذين يعتبرون أصل سكان الحي.
معالم تاريخية عريقة بالحي
يعتبر جامع أحمد بن عثمان أو “الجامع الكبير” الذي يقع عند مدخل المدينة القديمة، أكبر جوامع الحي، وهو يضم قبر أحد مماليك السلطان برقوق ويدعى “يلخجا”.
وتوجد بالحي عدة مساجد تاريخية أخرى، منها مسجد “الهواشي”، ومسجد “السيدة رقية”، ومسجد “علي بن مروان”.
وتبعد مقبرة الحرب العالمية الأولى مسافة ألفي متر شمال الحي، وإلى الشرق تقع مقبرة “التونسي”، ويوجد بالشجاعية قبر يقال إنه لشخص “شمشون” الجبار الشهير.
كما يوجد بالحي أكبر سوق للملابس والسلع المنزلية في غزة، ويعرف “بساحة الشجاعية”، ويقام به سوق أسبوعي يسمى سوق “الجمعة”، الذي يرتاده غالباً مُربّو الأغنام.
توجد به تلّة المنظار، أكثر المواقع الاستراتيجية في القطاع
تعود أهمية حي الشجاعية الاستراتيجية لاحتوائه تلة “المنطار”، وهي تلة ترتفع بنحو 85 متراً فوق مستوى سطح البحر، وتعتبر أهم موقع عسكري بالقطاع، إلى درجة أنها تسمى المفتاح الشرقي لمدينة غزة.
كان لهذه التلة دور تاريخي في العديد من الأحداث، إذ سبق أن عسكرت قوات نابليون بونابرت على هذه التلة، وقتل فيها آلاف من جنود الحلفاء أثناء الحرب العالمية الأولى، ودفنوا جميعاً في مقبرة بالمنطقة.
وكان لحي الشجاعية دور كبير أثناء معارك عام حرب 1967، كما شهد انطلاق شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987. ففي أكتوبر/تشرين الأول 1987، تحول الحي لساحة مواجهات مسلحة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، وأسفرت الاشتباكات آنذاك عن مقتل ضابط إسرائيلي واستشهاد أربعة من أعضاء المقاومة. ويطلق على هذا اليوم اسم “معركة الشجاعية”.
تاريخ من المجازر الإسرائيلية في حي الشجاعية
كان حي الشجاعية مسرحاً لسلسلة من المجازر التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، حيث قام جيش الاحتلال بمجزرة ضد الحي، يوم 18 فبراير/شباط 2003، استخدم فيها الدبابات والمروحيات، ما أدى لاستشهاد 13 فلسطينياً وإصابة العشرات.
كما نفّذ الاحتلال مجزرةً أخرى بالشجاعية، فجر يوم 11 فبراير/شباط 2004، خلَّفت 15 شهيداً و44 مصاباً، من بينهم عشرون طفلاً وفتى دون سن الـ18.
وخلال حرب 2008 و2009 كان الحي هدفاً للغارات الجوية العشوائية، وسقط عشرات الشهداء إثرها.
وخلال العدوان على القطاع عام 2014، كان الحي مسرحاً لمجزرة أخرى راح ضحيتها أكثر من 75 شهيداً، ومئات المصابين، معظمهم من النساء والأطفال، وذلك بعد قصف عشوائي استهدف منازل بالحي، وتسبب في انتشار جثث وأشلاء الشهداء بالشوارع وتحت الركام.
الأمر نفسه في حرب 2021، إذ تعرّض الحي إلى غاراث كثيفة خلّفت العديد من الشهداء المدنيين.
وفي الحرب الحالية، التي بدأت فصولها في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، تعرّض الحي للعديد من المجازر، ولم يتوقف قصفه منذ بداية الحرب.