تل أبيب هي أكبر المدن في الأراضي المحتلة من قِبل إسرائيل، تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط غرب القدس، تعتبر المركز الثقافي والتجاري والتكنولوجي والمالي للاقتصاد الإسرائيلي، تأسست سنة 1909 فيما كنت تعتبر حياً في شمالي مدينة يافا، والذي توسع فيما بعد على حسابها، وأصبحت المدينة والعاصمة الأولى لليهود في فلسطين المحتلة.
قيمة النمط المعماري للمدينة، دفع منظمة اليونسكو في عام 2003 إلى منحها الاعتراف كموقع للتراث العالمي. تُعَدّ المدينة مثالاً بارزاً لبعض أبرز اتجاهات الحركة المعمارية الأوروبية الحديثة، متأثرة بمدرسة باوهاوس الألمانية، حسب المنظمة.
تبلغ مساحة المدينة 52 كيلومتراً مربعاً، وتمتد أراضيها على السهل الساحلي المركزي لفلسطين المحتلة على طول حوالي 15 كيلومتراً من الشاطئ، وهي مبنية على ثلاث تلال منخفضة من تلال الحجر الرملي الناعم، التي تمتد تقريباً بالتوازي مع الساحل.
ويمتد حزام ضيق من الكثبان الرملية الصغيرة التي تغطي أقصى الغرب من هذه التلال إلى الداخل، وتوجد تلال من الحجر الرملي في الشرق، وتمتد منطقة الضواحي المبنية وراءها إلى الأراضي الزراعية الغنية في السهل الساحلي.
تاريخ تل أبيب أو يافا.. المدينة البيضاء
يشاع أن “تل أبيب” هي تحريف لـ”تل الربيع”، وهي قرية فلسطينية بُنيت المدينة على أنقاضها، وهذا مخالف للحقائق التاريخية؛ فلم يكن قبل النكبة عام 1948 قرية أو مدينة فلسطينية اسمها “تل الربيع”، بل إن “تل الربيع” هو الترجمة الحرفية للفظ العبري “تل أفيف”، وليس الاسم الأصلي للمدينة.
حسب موقع “britannica” البريطاني، تُعرف تل أبيب باسم “المدينة البيضاء”، وذلك نسبة إلى الألوان بها ولأسلوب البناء فيها، والقيمة العالمية المميزة للهندسة المعمارية للمدينة، حسب منظمة اليونيسكو سنة 2003 تعدّ المدينة البيضاء مثالا بارزا لأفكار تخطيط المدن المبتكرة في الجزء الأول من القرن الـ21، وهي تمثيل لبعض أهم اتجاهات الحركة الحديثة في الهندسة المعمارية على الطراز الأوروبي المتأثر بمدرسة باوهاوس الألمانية، التي تم تكييفها عند التنفيذ مع الظروف الثقافية والمناخية للمكان، فضلاً عن دمجها بالتقاليد المحلية.
تشكل المنطقة البيضاء الجزء المركزي من “يافا” القديمة، وهي مبنية على المخطط الرئيسي الحضري الذي وضعه السير باتريك جيديس، أحد أبرز المنظّرين في أوائل العصر الحديث بين عامَي 1925 و1927.
أُنشِئت “المدينة البيضاء” بين ثلاثينيات وخمسينيات القرن العشرين، وتم تصميم المباني من قِبَل مهندسين معماريين تلقوا تدريبهم في أوروبا، فمارسوا مهنتهم قبل الهجرة واحتلال فلسطين، ثم أنشأوا مجموعة معمارية للحركة الحديثة في سياق ثقافي جديد.
تل أبيب خلال الانتداب البريطاني
في نهاية عام 1917، بعد سيطرة البريطانيين على مدينة يافا وحي اليهود “تل أبيب” بداخلها، فُتِحت أبواب الحي والمدينة أمام عودة اليهود. شهدت تل أبيب في بدايات العقد العشرين نمواً وازدهاراً هائلين.
تأثر النمو خلال فترة الانتداب البريطاني بشكل كبير بموجات الهجرة اليهودية. كما زادت الأعداد الكبيرة من المهاجرين سريعة النمو السكاني وأحدثت طفرات في البنية التحتية. خلال هذه الموجات، أسهم مهاجرون من الطبقة المتوسطة من بولندا وألمانيا، الذين كانوا يملكون رؤوس أموال بارزة، في تشكيل النمط المعماري بشكل خاص.
الاضطرابات المعادية للهجرة اليهودية في يافا عام 1921 تركت بصمتها على النمو السكاني للمدينة. الهجمات الفلسطينية على اليهود في يافا دفعت الآلاف إلى ترك المدينة والانتقال إلى تل أبيب. معظم هؤلاء اليهود كانوا من العمال والفقراء الذين لم يستطيعوا شراء أو بناء منازل بنفس مستوى الحي، لذا استقروا في أكواخ وخيام حول الحي الأصلي.
في 11 مايو/أيار 1921، أعلن المندوب السامي البريطاني تحويل تل أبيب رسميًا إلى بلدة، وتم نقل معظم الشركات اليهودية إليها، مما ساهم في جذب المهاجرين اليهود في عقود العشرينات والثلاثينات.
في 11 يونيو/حزيران 1923، حُدِّدَت حدود البلدة، وشملت الغالبية العظمى من المنطقة المبنية في تل أبيب والأحياء اليهودية المجاورة. بالرغم من وجود 60 عائلة عربية في تلك المنطقة، تم تضمينها ضمن حدود البلدة اليهودية.
في هذه الفترة، ظهرت المدينة باعتبارها مركزاً اقتصادياً وثقافياً وسياسياً وعسكرياً لليهود، وتحولت النواة التاريخية إلى مركز أعمال مزدهر. أُقيم أول معرض تجاري في أوائل الثلاثينيات، وأُنشِئَت في المدينة مدارس وكليات ومصانع ومراكز تجارية جديدة.
مع استمرار الصراع بين الفلسطينيين واليهود في سنة 1929، ازداد الانفصال بين المجموعتين. بحلول عام 1933، تجاوز عدد سكانها عدد سكان يافا حينها، وفي سنة 1934، أصبحت تل أبيب مدينةً وعُين “مئير ديزنغوف” أول عمدة لها.
خلال الثورة الفلسطينية بين 1936 و1939، اكتمل الفصل بين الجاليتين. أُقيم ميناء صغير في المدينة البيضاء بسبب إضراب في ميناء يافا. ارتفع عدد المهاجرين في عام 1936 بفعل الهجرة الكبيرة لليهود القادمين من ألمانيا، حيث أصبحت تل أبيب أكبر مدينة في فلسطين.
شهدت المدينة نمواً تجارياً وصناعياً وثقافياً كبيراً. أُنشِئَت مدارس وكليات، وبنيت مصانع ومراكز تجارية جديدة، وأصبحت المركز السياسي والاقتصادي والثقافي للوطن القومي اليهودي.
المدينة البيضاء والاحتلال الإسرائيلي
بموجب قرار الأمم المتحدة رقم (181) لسنة 1947، كانت يافا مقررة لتظل جيباً عربياً داخل الأراضي المحتلة. ومع ذلك، في نهاية عام 1947، هاجمت عصابة “الهاغاناه” مدينة يافا، ارتكبت مجازر واسعة، وهجّرت سكانها البالغ عددهم نحو 100 ألف نسمة.
في مايو/أيار 1948، سيطرت قوات الاحتلال الإسرائيلي على يافا، وهجّرت سكان المدينة الفلسطينيين قبل إعلان قيام دولة الاحتلال بيومين. أعلن هذا الإعلان في منزل رئيس بلدية تل أبيب، مئير ديزنغوف.
أصبحت تل أبيب العاصمة المؤقتة لإسرائيل، واستمرت في التوسع على حساب يافا، التي تحولت إلى جزء صغير في قلب “تل أبيب”. دمر بناء المدينة 7 قرى فلسطينية وتوسعت على أنقاضها، حيث بدأ الطابع العربي في الاختفاء تحت وطأة الطابع الغربي.
وفي سنة 1950، قررت الحكومة الإسرائيلية نقل مقرها إلى القدس، ودُمِجَت يافا وضُمَّت إلى منطقة نفوذ بلدية تل أبيب، لتصبح البلدية الموحدة تعرف رسمياً باسم تل أبيب-يافا.
تحت حكومة الاحتلال الإسرائيلي جُمِعَ القلّة الفلسطينية المتبقية في أحياء معينة، وأُطلِقَ عليها “الغيتوهات” غير الرسمية، واستمرت الأحياء العربية في يافا في معاناة من نقص الخدمات.
في الخمسينيات، شهدت تل أبيب نمواً اقتصادياً وهيكلياً، مع وصول المهاجرين من الاتحاد السوفييتي والعمال الأجانب، تحولت المدينة إلى مركز للمستثمرين الأجانب.