“حلاقة شعر رأس المرأة قرار مؤلم لأي واحدة منا، ولكننا مجبرات على القيام به”.
تضطر النساء الغزاويات إلى حلاقة شعر رؤوسهن بسبب مخاوف صحية من عدم غسل الشعر جراء نقص المياه، في خضم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر.
“اضطررت إلى حلق شعر رأسي، لأنه ليس لدي ماء لغسل شعري”، هذا ما قالته السيدة نسرين، البالغة من العمر 49 عاماً في تصريحات لموقع Middle East Eye البريطاني.
نساء في غزة يضطررن إلى حلاقة شعر رؤوسهن
لا تضطر بعض النساء في غزة إلى حلاقة شعر رؤوسهن فقط، بل شعر أبنائهن أيضاً؛ إذ قالت نسرين، الأم لستة أطفال: “لقد فعلت الشيء نفسه مع ابنتي البالغة من العمر 16 عاماً، وابني البالغ من العمر 12 عاماً لحمايتهما من أمراض فروة الرأس، حيث أصيب أصدقاؤهم بسعفة فروة الرأس”.
وشرحت نسرين: “لقد اصطففنا لساعات لاستخدام المراحيض، لكن لم يكن لدينا ما يكفي من الماء للاستحمام ولا الشامبو”، لذلك عندما يحصلون على بعض الماء تستخدمه نسرين للطهي أو الشرب. وقالت: “الشرب والبقاء على قيد الحياة هو بالطبع أولوية أعلى من غسل الشعر”. أما البديل المتوفر لغسل الشعر فهو مياه البحر.
ماذا تعرف النساء في غزة عن مخاطر عدم غسل الشعر؟
تضطر بعض النساء في غزة إلى حلاقة شعر رؤوسهن، لأن عدم غسل الشعر قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض مثل الثعلبة، وسعفة فروة الرأس، والالتهابات البكتيرية، ما يؤدي في النهاية إلى ظهور خراجات الشعر. وهو ما قالته زينب الشواف، طبيبة عامة من رفح للموقع البريطاني نفسه.
إذ أكدت الطبيبة الغزّية أن هذه الأمراض تحدث جراء عدم غسل الشعر، وعدم كفاية ممارسات النظافة، بالإضافة إلى أن نقص العناصر الغذائية الأساسية جراء نقص الطعام والأدوية يزيد من تفاقم المشكلة، ويسبب مشاكل مثل الحكة، التي تؤدي إلى “اعتلال الغدد الليمفاوية وخلق بيئة رطبة تساعد على نمو البكتيريا، ما يؤدي إلى ظهور القيح في فروة الرأس والمزيد من تساقط الشعر”. كما أشارت إلى انتشار ظاهرة القمل في شعر رؤس الأطفال أيضاً.
يعاني قطاع غزة من صعوبة توافر المياه النظيفة منذ قرار الحكومة الإسرائيلية بقطع إمدادات المياه بأوامر من وزير الطاقة يسرائيل كاتس، في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فضلاً عن تدمير البنية التحتية في كثير من مناطق القطاع في الحرب المستمرة منذ أكثر من 4 أشهر، وكذلك لاستيلاء الجيش الإسرائيلي على غالبية محطات تحلية المياه في مدن شمال القطاع بعد الغزو البري.
ماذا قد يحدث عند عدم غسل الشعر في الظروف الطبيعية؟
مسألة عدم غسل الشعر خطيرة للغاية، وذلك حسب الدراسات وآراء المتخصصين الذين تابعوا هذه المسألة في الظروف الطبيعية.
ما يعني أن التالي ذكره قد يكون أصعب بمراحل في القطاع المحاصر، وفي ظروف الحرب المستمرة، ونقص كل الإمدادات الأسياسية للمياه، والطعام الذي يوفر الفيتامينات الأساسية التي يحتاجها الجسم والشعر، والدواء، ومنتجات النظافة الشخصية.
فضلاً عن اضطرار معظم سكان القطاع إلى العيش في خيام ومناطق غير مجهزة. إذ أكدت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، في ديسمبر/كانون الأول 2023، نزوح أكثر من 90% من سكان القطاع جراء الحرب، وفي وقتها كانت 60% من البنية التحتية قد تضررت أو دُمرت بالفعل.
بحث بعض المتخصصين الغربيين في مسألة عدم غسل الشعر، لكن لأسباب أخرى، مثلاً في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية، كان الدافع ظهور تحدٍّ على TikTok، يتحدث عن فوائد “الشعر غير المغسول”، لتشجيع الفتيات والنساء على ترك شعرهن مدداً طويلة بين فترات غسله.
في هذا التقرير حذر مصفف الشعر توم سميث من اتباع هذا الصيحة، فيما اعتبرها مصمم أزياء النجوم إينانش أمير فكرةً لترك “كمية من القمامة” على الرأس. وقال في تصريحات للصحيفة إن ذلك سيؤدي إلى “انسداد المسام الموجودة في فروة الرأس”، وأضاف: “عدم غسل شعرك لمدة 17 يوماً على سبيل المثال، سيسمح لطبقات من الأوساخ بالبقاء على بشرتك وفروة رأسك. وهذا يجعلها أرق وأكثر هشاشة، ما يعني أنها تتضرر بسهولة أكبر”.
أما الصحيفة الأمريكية USA Today، التي نشرت تقريراً يجيب عن سؤال ماذا قد يحدث عند عدم غسل الشعر؟ فقد سألت أطباء جلدية وحذروا من خطورة اتباع صيحات البعض في ترك فترات طويلة بين مرات غسيل الشعر.
إذ قالت أنجيلا لامب، طبيبة الأمراض الجلدية المعتمدة من مستشفى ماونت سيناي في نيويورك: “الشعر يحبس الرطوبة، ما يعني أن البكتيريا المتراكمة على فروة الرأس غير المغسول يمكن أن تبدأ في التقاط رائحة فطرية أو حامضة بعد عدة أيام أو أسبوع”.
وأكدت أن فترات عدم الغسيل الطويلة يمكن أن تسبب تراكماً للأوساخ على فروة الرأس وإتلاف الشعر، وحتى إعاقة قدرته على النمو. وتحدثت الطبيبة عن أسباب تراكم هذه الأوساخ جراء تأثيرات يومية قد يتعرض لها الشعر مثل التعرق أثناء الرياضة أو الأوساخ أو منتجات الشعر، وقالت إنها تظهر في غضون نحو ستة أيام لأصحاب الشعر المستقيم، و10 أيام لأصحاب الشعر المجعد.
الطبيبة تحدثت عن أن هذه الأوساخ التي تظهر جراء الأوضاع الطبيعية تسبب قشرة الرأس أو الحكة أو فروة الرأس المتقشرة. مشيرة إلى أن الحك مثلاً يسبب مزيداً من الضرر لفروة الرأس والشعر. وأشارت أيضاً إلى تأثيرات المناخ على الشعر أيضاً.
الموقع الأمريكي للمواضيع الصحية والطبية Health Line، قال إن عدم غسل الشعر قد يؤدي إلى مشاكل صحية مثل تباطؤ نمو الشعر، والمعاناة من نمو الشعر تحت الجلد، وهو ما يكون مؤلماً لفروة الرأس، بالإضافة إلى حبس الزيوت والأوساخ التي قد تظهر الرائحة الكريهة، وتساقط الشعر، وظهور الالتهابات والقشرة.
لكن الأمر المؤلم أن إضافة لنفس المياه والأدوية ومنتجات العناية هناك عوامل مناخية لكن غير التي أشارت لها الطبيبة الأمريكية، والتي كانت تقصد بها الجفاف. أما الوضع في غزة فهناك عوامل مثل القنابل الفسفورية، وأطنان من القنابل، فضلاً عن التربة والدخان والرماد الناتج عن القصف، وانتشار الفطريات والبكتيريا التي تسهل انتقال الأمراض المعدية، بالإضافة لمياه الأمطار التي تتساقط على الخيام ولا يوجد أجهزة سشوار لتجفيف الشعر، وغيرها من العوامل الأخرى.
في تقرير نشرته منظمة العفو الدولية “أمنستي”، في أكتوبر/تشرين الأول 2023، بين منظمات حقوقية أخرى، عن استخدام إسرائيل للفوسفور الأبيض، وهي مادة حارقة تستخدم في الغالب لإنشاء حاجز دخان كثيف أو تحديد الأهداف.
قالت إنه عندما يتعرض الفوسفور للهواء فإنه يحترق عند درجات حرارة عالية للغاية، وغالباً ما يشعل الحرائق في المناطق التي ينتشر فيها. يمكن أن يعاني الأشخاص المعرضون للفوسفور الأبيض من تلف في الجهاز التنفسي، وفشل في الأعضاء، وغير ذلك من الإصابات المروعة التي تغير حياتهم، بما في ذلك الحروق التي يصعب علاجها للغاية، ولا يمكن إخمادها بالماء. الحروق التي تؤثر على 10% فقط من الجسم غالباً ما تكون قاتلة.
وفي أول 89 يوماً من الحرب فقط أسقطت إسرائيل 65 ألف طن من القنابل على غزة، حسب ما نقلته صحيفة Middle East Monitor البريطانية عن المكتب الإعلامي في غزة. وحينما كانت القنابل 18 ألف طن، نقلت تقارير إعلامية بينها النسخة الإنجليزية من وكالة “الأناضول” عن مسؤولين، أن هذا الرقم حوالي 1.5 مرة من القوة المتفجرة للقنبلة التي ألقيت على هيروشيما باليابان في الحرب العالمية الثانية.
وهذه القنابل الكثيفة لن تسبب أضراراً للشعر فقط، أو مشاكل جلدية وصحية، لكنها تسببت بالفعل في خسائر بشرية فادحة، بمقتل ما لا يقل عن 27.500 فلسطيني في الحرب الإسرائيلية، وأضعافهم من المصابين.
لذلك وبسبب المخاوف الصحية والجلدية التي يسببها عدم غسل الشعر في الظروف الطبيعية، فضلاً عن ظروف الإبادة الجماعية والقصف المستمر منذ أربعة أشهر، كان اضطرار النساء في غزة إلى حلاقة شعور رؤوسهن هو أبسط الحلول لتجنب المشاكل الصحية الإضافية.