قبل تأسيس مدينة نتانيا في الأراضي المحتلة من طرف إسرائيل، كانت تلك المنطقة عبارة عن قرية فلسطينية اسمها “أم خالد”، قائمة على تل من الحجر الرملي في السهل الساحلي على بعد ما يقارب 2 كيلومتر من شاطئ البحر الأبيض المتوسط غربي مدينة طولكرم، التابعة للضفة الغربية حالياً.
إلا أن القرية، وقبل النكبة، أي في فترة الانتداب البريطاني، بدأت تعرف حركة يهودية بشكل تدريجي، خلال سنوات هجرة اليهود من أوروبا التمهيدية، من أجل تأسيس دولة خاصة بهم في الأراضي الفلسطينية.
وقد تم احتلال القرية بعد سنة 1948 من طرف المنظمات الصهيونية، التي أقامت عليها مدينة نتانيا، بعد التوسع في الأراضي المجاورة لها، التي أصبحت تشكل دولة الاحتلال.
قرية “أم خالد”.. الأهمية وأصل التسمية
كانت قرية أم خالد ذات أهمية جغرافية كبيرة في الدولة الفلسطينية، وذلك بسبب تواجدها بالقرب من شاطئ البحر الأبيض المتوسط، إذ يصل ارتفاعها إلى 25 متراً عن مستوى سطح البحر.
وكانت القرية تابعة إلى قضاء طولكرم، الذي تبعد عنه بمسافة 15 كيلومتراً، فيما كانت تقدر مساحتها الإجمالية بما يزيد عن 2890 دونم (1 دونم يعادل 1000 متر مربع).
أما منازلها فقد كانت متقاربة ومبنية بالحجارة والطين، يفصل بينها أزقة صغيرة، وكان عدد سكانها لا يتجاوز 1130 إلى حدود سنة 1948، أي قبل التهجير من طرف اليهود.
تضمنت القرية عدة آثار قديمة، من بينها بقايا أبراج وقلاع وآبار وخزانات وصهاريج للمياه وأدوات صوانية يعتقد أنها تعود لما بعد العصر الحجري.
فيما كان موقع القرية يشمل حصن “روجر اللومباردي” الذي بناه الصليبيون، إلا أنها محيت من قبل جنود نابليون سنة 1799، لتعود وتزدهر خلال فترة الحكم العثماني، عندما كان يتم استقبال الأعيان فيها، فكانت تعرف ببساتين الشام الكثيرة في المنطقة الغربية.
وقد تمت تسمية القرية بـ”أم خالد”، حسب ما ورد في موسوعة القرى الفلسطينية، نسبة إلى لامرأة صالحة كانت تعيش في تلك الأراضي قديماً، ثم دُفِنَتْ فيها، وكان لها عند أهل القرية مقام وأهمية خاصة.
بداية الاستيطان في فترة الانتداب البريطاني
تعود فكرة استيطان قرية أم خالد وتأسيس مدينة نتانيا خلال اجتماع لجمعية بني بنيامين في المدينة التي تسمى اليوم زخرون يعكوف، المتواجدة بالقرب من حيفا.
وقد تم اختيار اسم المدينة تيمناً باليهودي الأمريكي شتراوس ناثان، أحد ملاك سلسلة متاجر “مايسيز” العالمية، والذي عرف بتقديمه مساعدات مالية كبرى للأنشطة الخاصة بقيام دولة إسرائيل.
وبدأت عملية الاستيطان خلال فترة الانتداب البريطاني، وذلك سنة 1928، بعد شراء أو الاستيلاء على أراضي من قرية “أم خالد” من طرف أعضاء منظمات بني بنيامين وهانوت، وهي المعلومة التي لا يزال يوجد عليها جدل حول صحتها.
في يوم 18 فبراير/شباط 1929 انتقل للعيش في القرية أول خمس مستوطنين يهود، وقد تم حرثها وزراعتها للمرة الاولى، ليستمر التوسع في المنطقة من طرف اليهود إلى غاية ثورة البراق، التي كانت سبباً في توقف التوسع لفترة بسيطة، قبل عودته مرة أخرى.
في سنة 1930 وصل عدد المستوطنين إلى 300 شخص يهودي، إذ تم افتتاح أول حضانة ومتجر ومدرسة، فيما تم تحويلها إلى وجهة سياحية ابتداء من سنة 1933، بعد بناء أول فندق بها، وتقسيمها إلى ثلاث مناطق وهي الساحلية، والزراعية، والسكنية.
وقد زاد النمو في المدينة مع زيادة وصول المهاجرين غير الشرعيين من أوروبا إلى فلسطين، عبر ميناء حيفا، إذ كان يتم نقلهم إليها، وتوفير السكن وفرص الشغل لهم، بعد افتتاح مصانع ومزارع كبرى في المنطقة.
تم تأسيس حي عين هتشيليت في نتانيا سنة 1937، بعد توسيع المدينة وعدم انحصارها في قرية أم خالد فقط، واتصالها بطريق حيفا وتل أبيب.
وابتداء من سنة 1940، تم تأسيس أول مجلس محلي للمدينة بموافقة من الانتداب البريطاني، مع تعيين عوفيد بن عامي كرئيس، ليتم إنشاء مستوطنة جديدة اسمها “نيفة” وتتحول بعد ذلك بدورها إلى حي من أحياء المدينة، سنوات قليلة قبل النكبة.
مدينة نتانيا بعد النكبة
خلال أحداث النكبة، وعملية تهجير السكان الأصليين للأراضي الفلسطينية من منازلهم، في اتجاه مخيمات اللجوء، تم احتلال كل ما تبقى من قرية أم خالد بتاريخ 20 مارس/آذار 1948 من طرف العصابات الصهيونية، في سياق ما سموه عملية “تنظيف السهل الساحلي من العرب”.
فقد كان سكان القرية متشبثين بأرضهم، إلى أن اشتدت عليهم هجمات الحرب، خصوصاً أنها كانت تعج بالمستوطنات اليهودية، التي تم إنشاؤها على شكل مدينة نتانيا، فكانت تعتبرها القيادات الصهيونية أنها أرض عائدة لهم بالفعل، وأنها جزء لا يتجزأ من الدولة اليهودية الجديدة إسرائيل.
تم استغلال المنازل القديمة في قرية أم خالد من طرف دولة الاحتلال لتكون عبارة عن مستودعات لشركات إسرائيلية، فيما تم استغلال الأراضي الزراعية من أجل زراعة أشجار الحمضيات.
وقد تم دمج عدة مستعمرات يهودية أخرى إلى أراضي المدينة التي أسسها الاحتلال في فترة الانتداب البريطاني، لتصبح مساحتها الحالية تعادل 29 كيلومتراً مربعاً، فيما يعيش فيها ما يزيد عن 208 آلاف نسمة، حسب إحصائيات سنة 2015.
فيما تحولت إلى مدينة سياحية على الأراضي المحتلة، إذ تم فيها بناء أكبر منتج سياحي من طرف دولة الاحتلال، وتضم أكبر عدد من اليهود الناطقين بالإنجليزية بسبب الهجرة اليهودية من المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.