عند الوصول إلى مدينة جنين الفلسطينية، كان مجسم الحصان الحديدي المصنوع من بقايا المركبات التي دمرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي سنة 2002، أول من يستقبلك.
فهو شكل رمز نضال أبناء مدينة ومخيمات جنين، الذي بقي صامداً 20 سنة متواصلة، قبل أن يتطاول عليه الاحتلال، ويقوم بتدميره بالجرافات، إثر الاشتباكات التي تدور في مدينة جنين، على خلفية الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، بعد عملية “طوفان الأقصى”، والتي كانت بدايتها يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
فما قصة تشييد تمثال حصان جنين الشهير هذا؟ وما رمزيته ودلالته لدى سكان المدينة؟ وما الأسباب التي دفعت قوات الاحتلال لتدميره؟
موقع تمثال حصان جنين
في المدخل الشرقي الرئيسي لمدينة جنين، ينتصب تمثالها الشهير المسمى “دوار الحصان” نسبة للمنطقة المتواجد بها، الذي بلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار، وطوله ستة أمتار، وعرضه متراً واحداً.
يتجه رأس الحصان إلى حيفا، وذلك لأنها المدينة التي نزح منها آلاف المدنيين في اتجاه جنين، بعد النكبة سنة 1948، بسبب المجازر الفضيعة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية.
فيما يقف المجسم الحديدي في المكان الذي تم فيه دفن الشهداء، بشكل مؤقت قبل نقلهم إلى مقبرة الشهداء، الذين ارتقوا خلال معركة جنين سنة 2002، والتي كانت سبباً في وفاة 58 فلسطينياً من بينهم 23 مقاوماً.
معركة جنين.. ما قبل تشييد التمثال
تم بناء تمثال حصان جنين، أو “دوار الحصان” بعد معركة أبريل/نيسان 2002، التي دامت 11 يوماً، بين قوات الاحتلال الإسرائيلي، وسكان المدينة، بعد محاولة جيش الاحتلال التوغل في جنين؛ مما أسفر عن وقوع اشتباكات عنيفة بين الطرفين.
وقد كانت قوات الاحتلال تحاول اجتياح مدن الضفة الغربية والتوسع فيها، مما جعلهم يقومون بأبشع الجرائم في حق المدنيين الفلسطينيين في مدينة جنين، إبان ما سموها بعملية “السور الواقي”.
إذ كان جيش الاحتلال يقوم بعمليات الاعتقال التعسفي، والتعذيب، وتشريد العائلات التي فقدت منازلها، واستهداف المركبات بمختلف أنواعها، من بينها سيارات الإسعاف التي كانت تقل الجرحى الذين قُدر أعدادهم بالمئات.
بعد نهاية المعركة، قام سكان المدينة بتجميع بقايا الدمار الحاصل في جنين، من قضبان الحديد الخاصة بالبناء، وصولاً إلى قطع هياكل المركبات التي أصابتها آليات الاحتلال وقطع الحديد من المنازل المدمرة.
ومن هذه المواد التي تم تجميعها من الدمار الحاصل بسبب المعركة، تمت صناعة دوار الحصان، الذي رمز لصمود سكان مدينة ومخيم جنين، ومقاومتهم للاحتلال الذي حاول التوسع في أراضيهم كذلك.
حصان جنين الذي شيده فنان ألماني من من بقايا الدمار
في نهاية سنة 2003، حط الفنان الألماني توماس كبلر الرحال في مدينة جنين رفقة مجموعة من المتطوعين، لتقديم المساعدة لأهالي المدينة.
وقد اقترح كبلر، وهو خبير بصناعة المجسمات الفنية من المعادن، على بلدية جنين صناعة حصان من الحديد يجسد ما حدث في المدينة ومخيمها خلال المعركة الدامية، التي راح ضحيتها عشرات الشهداء الفلسطينيين.
بعد حصوله على الموافقة، شرع الفنان الألماني في العمل على الحصان، من المواد التي تم تجميعها من بقايا المعركة، من بينها هياكل لسيارة إسعاف تم استهدافها من طرف جيش الاحتلال، وقتل من فيها من بينهم الشهيد الدكتور خليل سليمان مدير مركز الإسعاف التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في جنين.
وقد عمل توماس كبلر لمدة ما يزيد عن شهر، في إطار مشروع للمركز الثقافي الألماني “جوته”، بمساعدة أبناء مدينة ومخيم جنين، وبإشراف وتجهيز من البلدية وطواقمها، إلى أن تم الحصول على شكله النهائي، وتنصيبه في ميدان على مدخل الشرقي لجنين.
إذ لم يتم اختيار هذا المكان من فراغ، وإنما كان تكريماً للشهداء الذين ارتقوا في المعركة، ودفنوا هناك لمدة أسبوعين بشكل مؤقت أثناء اقتحام ومحاصرة قوات الاحتلال للمخيم.
الاحتلال يقتلع التمثال بعد 20 سنة
في صباح يوم الإثنين 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023، استيقظ سكان مدينة جنين على صوت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، التي قامت باقتلاع التمثال الفني الشهير “حصان جنين”، المثبت في مكانه منذ 20 سنة، لتنقله إلى مكان غير معروف.
وجاءت عملية اقتلاع الحصان بعد الاشتباكات المستمرة في الضفة الغربية، ومدينة ومخيم جنين، خلال الحرب التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة.
إذ يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات عسكرية متواصلة في مدينة جنين ويحاصر مخيمها وسط تحليق وقصف من طائراته، بالإضافة إلى احتجاز طلبة المدارس والموظفين.
وقد وصف إعلام دولة الاحتلال هذا التمثال، الذي يعبر عن المقاومة والصمود بالنسبة للفلسطينيين، أنه رمز من رموز الإرهاب الذي يجب التخلص منه.