في ظل الحرب الأخيرة على غزة والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الشهداء عادة إلى الواجهة العديد من الحروب في التاريخ الفلسطيني، من بينها معركة بيت سوريك، جاءت هذه المعركة بعد قرار التقسيم الذي اتخذ من قبل السلطة البريطانية، والذي ألقى بظلاله على صراع الفلسطيني الإسرائيلي في أزقة القدس وضواحيها، بالإضافة إلى القرى والأحياء المجاورة.
في يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 1947، أي بعد شهر واحد فقط من إصدار قرار التقسيم، تجمعت في منطقة صوريف التابعة للخليل قوة من الشبان المتحمسين، ملتزمين بالنضال والقتال ضد الاحتلال الإسرائيلي والبريطاني، والتي اُطلق عليها اسم “قوة الجهاد المقدس”.
قرية بيت سوريك
بيت سوريك قرية فلسطينية تتبع محافظة القدس وتبعد حوالي 12 كم عن مركز القدس الشرقية إلى الجهة الشمالية الغربية منها، حيث كانت تتبع مدينة رام الله و لكن توضح أنها أقرب للقدس. وهي من القرى التي وقعت تحت الاحتلال عام 1967 م.
تشكلت أرض بيت سوريك خلفية للعديد من المعارك التي خاضها أبناؤها للدفاع عن فلسطين. تحفل تلك القرية بأحداث تاريخية لا تزال تسطرها صفحات كتب التاريخ، ومن بين اللحظات البارزة كان دورها الفعّال في معارك باب الواد والقسطل بقيادة الشيخ عبد القادر الحسيني.
في نكسة يونيو/حزيران 1967، تعرضت القرية لهجوم من محاور متعددة باستخدام أنواع مختلفة من الأسلحة. يُشار إلى أن القرية كانت تمتلك فقط 22 بندقية، وهو عدد غير كافٍ بالطبع لمواجهة التقنيات المتطوّرة في ذلك الوقت، مما اضطر بعض سكانها إلى البحث عن ملاذ آمن حتى يهدأ وطأة القصف.
ونتيجة لتلك الأحداث، قرر العديد من الأسر نقل مأواها إلى الأردن، حيث أصبحوا جزءاً من النسيج الاجتماعي فيه، نتيجة للقرارات التي حرمت الفلسطينيين من حق العودة وتقرير المصير.
معركة بيت سوريك
بث قائد قوات جيش الجهاد المقدس عبد القادر الحسيني العيون لجمع المعلومات عن أنشطة إسرائيل العسكرية وحركة قوافلهم، فتلقى أخباراً تفيد بأنهم سيرسلون إلى مدينة القدس يوم 19 يناير/كانون الثاني 1948 قافلة كبيرة من السيارات بينها عدد كبير من حاملات المواد التموينية، برفقة قوات إسرائيلية بريطانية مشتركة لحمايتها، على رأسها حاييم وايزمان.
فور ورود هذه المعلومات إلى المجاهدين، عقد الحسيني اجتماعاً عاجلاً حضره نائبه كامل عريقات وإبراهيم أبو دية وقادة قطاعات قرى ساريس والقسطل وقالونيا وصوبا، وتم وضع خطة لتدمير القافلة والقوات التي تتولى حراستها.
تم تنظيم العمليات العسكرية بدقة وبرعاية قيادية استثنائية. اتخذ القائد البارز، الحسيني، قراراً حاسماً بتولي قيادة الهجوم بنفسه، مما أضفى على العملية طابعاً فريداً من التصميم والتفاني. وكان لاستباقيته في اتخاذ القرارات وتخطيط العمليات دور محوري.
كانت المهمة الملقاة على عاتق نائبه، كامل عريقات، هي جمع القوات وترتيب الخطط اللازمة لدعم الهجوم. شارك في هذا الجهد الإجرائي الدقيق إبراهيم أبو ديّة، واجتمعوا إلى جانب قوات جيش الجهاد المقدس بعدد من أهالي بيت سوريك والقرى المجاورة. وتم استدعاء نجدة من جنين للمشاركة في المعركة تحت قيادة فوزي جرار.
في سياق الخطة العسكرية، تم توزيع القوات على جانبي الطريق، مع مجموعة متخصصة بقيادة فوزي القطب مكلفة بزرع الألغام في أماكن حيوية ليلاً. في فجر يوم 19 يناير/كانون الثاني 1948، أسس الحسيني وفريقه مقر القيادة في قرية بيت عنان، مُجهزين لتنفيذ خطتهم المحكمة.
عندما أُشعر الحسيني ومن معه بمرور القافلة الإسرائيلية، انتقلوا سريعاً إلى قرية بيت سوريك لمواجهتها. كان للقائد الحسيني الرؤية الاستراتيجية، حيث أوجد نائبه كامل عريقات في موقع الكمين للتصدي للقافلة، وشارك في هذا الجهد إبراهيم أبو دية وعدد من المسلحين، إضافة إلى فوزي القطب وفريق التدمير.
كان حاييم وايزمان أول رئيس وزراء لإسرائيل من بين ركاب القافلة، ولكن عندما اقتربت من الكمين، علم الإسرائيليين بالفعل المخطط له ضدهم. ليلجأوا بعدها إلى الفرار وتركوا سياراتهم، حيث هربوا صوب الجبال باتجاه مستوطنة الخمس الإسرائيلية.
إلا أن المناضلين الفلسطينيين لم يتركوهم، ونشب صراع شرس بين الجانبين، كانت هذه المعركة لحظة مفصلية في تاريخ فلسطين، حيث تحدى المقاتلون الفلسطينيون الصعاب بشجاعة، ممثلين رمزاً للإصرار والقوة في مواجهة التحديات.
انتصار على “البالماخ” رغم الصعوبات
استغلت عصابات إسرائيلية معروفة باسم “البالماخ” الفرصة المتاحة في سياق المعركة الحامية بين الجانبين، حيث نزلت بقواتها وعتادها في قرية بيت سوريك. قامت هذه العصابات بحصار القرية ومناضلين فلسطينيين بقيادة الحسيني وزملائه، حاملين معهم مدافع رشاشة.
تناقلت الأخبار عن هذه المعركة وحصار المناضلين المقدسيين بقيادة الحسيني في القرى المقدسية القريبة، مثل بيت دقُّو والقبيبة وبيت عنان وقطنة. ووفقاً لرواية المؤرخ الفلسطيني عارف العارف، قام سكان تلك القرى المقدسية، بالإضافة إلى سكان رام الله ومناطقها، بالتحرك لنجدة إخوانهم المحاصرين في بيت سوريك.
خرج رجال قرى القدس لنجدة بيت سوريك، وبفضل الجهود المشتركة انتصر المجاهدون وتم رفع الحصار. انسحبت القوات الإسرائيلية متراجعة، تاركة وراءها 34 قتيلاً و29 جريحاً، في حين فقد فلسطيني واحد حياته وأصيب خمسة آخرون، بينهم القائد الميداني أبو دية. كما غنم المجاهدون خلال المعركة ثماني بنادق وأربع رشاشات.
رغم تحضير المقدسيين لهجوم على مستوطنة الخمس الصهيونية، تصدت لهم قوات الشرطة البريطانية، ما أدى إلى دخول الفلسطينيين في معركة ثانية. نظراً لتفوق تسليح وتدريب البريطانيين، انكسر المهاجمون الفلسطينيون واتجهوا صوب قرية بيت سوريك بعد نجاح كبير حققوه ضد الإسرائيليين بوسائل متواضعة.