قالت صحيفة The New York Times الأمريكية في تقرير نشرته يوم الإثنين 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إن أكثر من عشرة آلاف زهرة قرنفل بالألوان الأحمر الدموي والزهري والأصفر والبرتقالي وُضِعَت على قاعدة درج مبنى كابيتول هيل (مقر مجلسي الشيوخ والنواب)؛ وكان المقصود من كل منها أن ترمز لحياة مدنية فُقِدَت في الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية المستمرة منذ شهر، التي تشمل الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، على حد سواء.
وقد أحضرها أكثر من 100 من موظفي الكونغرس، جميعهم يرتدون أقنعة لإخفاء هوياتهم، للمشاركة في إضراب لتكريم المدنيين الذين قُتِلوا في الحرب والدعوة إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح أكثر من 200 رهينة اختطفتهم حماس.
موظفون في الكونغرس يرفضون الحرب على غزة
أعلن ثلاثة من المساعدين، الذين رفضوا جميعاً ذكر أسمائهم، بينما ترتفع قبة الكابيتول خلفهم: “نحن موظفون في الكونغرس في الكابيتول هيل، ولم نعد نشعر بالارتياح للبقاء صامتين. ناخبونا يطالبون بوقف إطلاق النار، ونحن الموظفين الذين نجيب على دعواتهم. معظم رؤسائنا في الكابيتول هيل لا يستمعون إلى الأشخاص الذين يمثلونهم. نطالب قادتنا بالتحدث: طالبوا بوقف إطلاق النار، والإفراج عن جميع الرهائن والوقف الفوري للتصعيد الآن”.
كان هذا الإضراب هو الأحدث في سلسلة من الإجراءات التي اتخذها مساعدو الكونغرس، الذين حافظ جميعهم تقريباً على هويتهم مخفية، لحث رؤسائهم من نواب الكونغرس علناً على الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة.
ومع احتدام النقاش السياسي المتوتر في جميع أنحاء البلاد وفي مجلسي الشيوخ والنواب، هناك نقاش أكثر شخصية ومشحون بمزيد من العاطفة من نواحٍ عديدة، يدور داخل مكاتب أعضاء الكونغرس.
ورفضت الغالبية العظمى من المُشرّعين في كلا الحزبين السياسيين الدعوات لوقف إطلاق النار، قائلين إنَّ إسرائيل لها الحق في الرد على هجوم حماس. ويرى العديد منهم أنَّ وقف إطلاق النار لن يؤدِّ إلا إلى تشجيع حماس والسماح لها بإعادة تجميع صفوفها.
خلاف بسبب الحرب
العديد من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، ومعظمهم تحت سن 35 عاماً، وجدوا أنفسهم في خلاف صارخ مع رؤسائهم وإدارة بايدن بشأن قضية تمس جوهر قيمهم، وفقاً لمقابلات مع أكثر من عشرة مساعدين واستراتيجيين، الذين تحدث معظمهم بشرط عدم استخدام أسمائهم خوفاً من تعريض وظائفهم للخطر وتعريضهم لهجمات شخصية.
ويقولون إنهم كافحوا للتوفيق بين قناعاتهم الشخصية والتزاماتهم المهنية. وقد عبروا عن آرائهم المعارضة في الاجتماعات الداخلية وتجادلوا بشأن ما سيقولونه في المكالمات مع الناخبين.
وقد خلُص الكثيرون إلى أنه ليس لديهم خيار سوى التحدث علناً -وإن كان معظمهم فعل ذلك دون استخدام أسمائهم- في خروج صريح وملحوظ عن القاعدة الأساسية في الكابيتول هيل التي تنص على أنَّ المساعدين يجب أن يظلوا في الخلفية وألا يعارضوا الرئيس علناً أبداً.
وقال جيريمي سليفين، أحد كبار مساعدي النائبة إلهان عمر، وهي ديمقراطية من ولاية مينيسوتا، وهي من بين أعضاء الكونغرس القلائل في حزبها الذين دعوا إلى وقف إطلاق النار: “بالنسبة لكثير من الناس، هذا خط أحمر حقيقي. إنَّ ما يحدث مروع للغاية، ومن الضروري جداً أن تكون قادراً على معارضة قصف مخيم للاجئين، على سبيل المثال. لكن يبدو كما لو أنَّ المحادثة هنا في الكابيتول هيل منفصلة تماماً عن الواقع – سواء عمّا يحدث على الأرض في إسرائيل وغزة أو واقع آراء ناخبيهم وموظفيهم”.
كان بعض المساعدين الديمقراطيين في الكونغرس صريحين في دفاعهم عن إسرائيل، على النقيض من زملائهم في العمل الذين يتحدون رؤساءهم والذين شعروا عموماً بأنهم مضطرون إلى عدم الكشف عن هويتهم علناً.
انقسام داخل الحزب الديمقراطي بسبب انتهاكات إسرائيل
يضطلع المساعدون عادةً بدور مهم من خلف الكواليس في تقديم المشورة وتوجيه المواقف السياسية للمُشرّعين. لكن مظاهر الخلاف العلنية الكبيرة، بما في ذلك الإضراب الذي حدث الأسبوع الماضي في مبنى الكابيتول وموجة من الرسائل المفتوحة إلى المُشرّعين، تعكس انقساماً عميقاً بين الأجيال من الديمقراطيين حول المدى الذي يمكن أن يذهب إليه انتقاد الحملة العسكرية الإسرائيلية.
وقال سليفين، الذي عمل في وظائف مختلفة في كابيتول هيل طوال الجزء الأكبر من آخر 10 سنوات: “لا أستطيع التفكير في جهد مماثل أو شبيه من الموظفين. هذا لا يشبه أي شيء رأيناه من قبل”.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، وقّع المئات من الموظفين على رسائل تدعو أعضاء الكونغرس إلى الموافقة على وقف إطلاق النار. وظهر العشرات منهم في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، بما في ذلك تلك المُنظَمة على بُعد خطوات من البيت الأبيض، حيث رفع البعض لافتات كُتِب عليها “الكونغرس، موظفوك يطالبون بوقف إطلاق النار”.
وجاء في إحدى الرسائل المفتوحة، التي قادها مساعدون يهود ومسلمون ووقعها أكثر من 550 موظفاً حتى 9 نوفمبر/تشرين الثاني: “إنَّ أصوات أعضاء الكونغرس تتمتع بقوة هائلة – لقد رأينا ذلك بأنفسنا، وعليهم استخدام تلك القوة لحماية المدنيين المُعرّضين لخطر وشيك”.
واتهم مُوقّعو الرسائل المُشرّعين بتجاهل محنة المدنيين الفلسطينيين الذين قتلوا في الحملة العسكرية الإسرائيلية بينما يركزون بشدة على المدنيين الإسرائيليين الذين قُتِلوا أو احتُجِزوا في عملية أقصى الطوفان. وتُقدِّر وزارة الصحة في غزة أنَّ 11 ألف مدني قُتِلوا هناك. وجاء في الرسالة: “نحن منزعجون للغاية لأنَّ مثل هذا الشعور الإنساني بالكاد يمتد إلى الشعب الفلسطيني”.