كشف المحامي الفرنسي جيل ديفر الذي يرأس “جيش محامين” للدفاع عن المضطهدين الفلسطينيين في المحكمة الجنائية الدولية، عن الأسباب الموجبة لاعتبار ما يحدث في غزة إبادة جماعية، مؤكداً امتلاكهم أدلة كثيرة على ذلك، كما طلب في الوقت ذاته إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ديفر الذي حشد “جيشاً” يضم 500 محامٍ من أنحاء العالم، لتمثيل المضطهدين الفلسطينيين في المحكمة الجنائية الدولية، ضد الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، يعمل بهذا المجال منذ سنوات طوال.
وفي حديث لوكالة الأناضول، قام ديفر بتقييم العريضة التي رفعوها مذيلة بتوقيع مئات المحامين، من أجل تضمين جريمة الإبادة الجماعية والهجمات الإسرائيلية على غزة، في التحقيق الفلسطيني الحالي بالمحكمة الجنائية الدولية، حيث أشار ديفر إلى أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية يتم التعامل معها تحت عناوين منفصلة في المحكمة الجنائية الدولية.
وذكر أن هناك قرابة 80 “حاشية” قانونية في العريضة التي قدموها، فيما يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، لافتاً إلى أن أي حدث يعتبر إبادة جماعية إذا تعرض وجود مجتمع للخطر وانقطعت سبل وصوله إلى أبسط الاحتياجات الأساسية.
وبيّن المحامي الفرنسي أن الهجمات العسكرية التي يتعرض لها الفلسطينيون تتجاوز ما يعيشه مسلمو الروهينغا، فضلاً عن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المسيئة تجاه الشعب الفلسطيني.
وحول حجم المأساة، أوضح أن الوضع في غزة أشد خطورة مما حدث في سربرنيتسا عام 1995، مضيفاً بالقول: “نتذكر أن 8 آلاف و600 شخص قتلوا في الحادثة التي اعتبرت إبادة جماعية في سربرنيتسا، لذا فإن الوضع (في غزة) أشد خطورة”.
الوثائق والأدلة
وبخصوص الأدلة، نوه ديفر إلى امتلاكهم أدلة كثيرة، من ضمنها الوثائق التي عرضتها وسائل الإعلام والشهادات التي حصلوا عليها من المنطقة، فضلاً عن أن منفذ أحداث غزة لم يخف نفسه. وتابع: “مستوى أدلتنا مرتفع للغاية، ولهذا السبب نطلب إصدار مذكرة اعتقال بحق (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو”.
وانتقد ديفر ازدواجية المعايير بشأن القضية الفلسطينية، وأشار إلى ضرورة أن يكون المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية حذراً للغاية، موضحاً أن الدول الغربية، عندما يتعلق الأمر بفلسطين، يكون لديها موقف مختلف عن ذلك المتخذ ضد روسيا.
ولفت المحامي إلى مقتل قرابة 12 ألف فلسطيني في الهجمات الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مؤكداً مواصلتهم النضال لفتح تحقيق في أحداث غزة بالمحكمة الجنائية الدولية.
صورة صادمة
كما أشار ديفر إلى عملهم مع خبراء للتأكد من الصور العنيفة التي عثروا عليها على وسائل التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بالملف الفلسطيني.
وأردف: “توصلنا إلى صور صادمة عرضها جنود الاحتلال للانتقام، والتي يمكن اعتبارها غير إنسانية”.
وبيّن أن من بين الصور المذكورة ما يظهر جنوداً إسرائيليين يضربون أسرى فلسطينيين ويسخرون منهم أثناء وضعهم في حافلة وهم عراة.
الفسفور الأبيض
وفي معرض تقييمه للصور التي التقطتها الأناضول وتثبت ارتكاب الجيش الإسرائيلي جرائم حرب باستخدام القنابل الفسفورية في هجماته على غزة، قال ديفر: “إنها وثائق ممتازة”.
وأضاف: “نعرف من الناحية الفنية أن الدخان الأبيض ناجم عن أثر الفسفور، وهذا وضع مميز فعلاً، وأيضاً لدينا صور أخرى تظهر الأمر نفسه”.
إضافة إلى ذلك، أوضح المحامي الفرنسي أن الفسفور الأبيض عطل جميع اتصالات نظام وأجهزة تحديد المواقع، مشيراً إلى أن القنابل الفسفورية التي سقطت في غزة أطلقت من الجانب الإسرائيلي، كما يظهر في صور الأناضول.
وعن آثاره الجانبية على الإنسان، لفت ديفر إلى أن الفسفور الأبيض يسبب حروقاً عميقة في الجسم، مذكراً بأنه يدخل في نطاق الأسلحة المحظورة في هذا السياق.
وقال المحامي الفرنسي إن الاتفاقية الدولية لاستخدام الأسلحة الكيميائية تحظر استخدام هذه الأسلحة فقط من الجو؛ لذلك تحاول إسرائيل تبييض صفحتها من خلال إعطاء الانطباع بأنها تستخدم الأسلحة الكيميائية عبر الدبابات.
وأكد أن هذه الأسلحة غير قانونية وتستخدم ضد المدنيين الفلسطينيين، وذكر أن هذه الأسلحة تسبب أضراراً جسيمة، من ضمنها الحروق الجلدية، خاصة لدى الأطفال، وأن أسلوب إسرائيل في غاية السادية والعنف.
جريمة حرب
وذكر أن منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش كان لهما قرار متردد بشأن استخدام إسرائيل للأسلحة الكيميائية في غزة، وقال إنه لا شك في أن إسرائيل ترتكب حالياً جريمة حرب في غزة، وأن هذه الأسلحة تستخدم لحرق وتشويه المدنيين.
كما أكد أن استخدام إسرائيل لهذه الأسلحة لا يمكن اعتباره حادثة فردية، ولكن الهدف هو دعوة الفلسطينيين باستمرار إلى مغادرة غزة واستهداف الجميع، وضمن ذلك الأطفال، ونفيهم من المنطقة.
واستشهد ديفر بتصريح لوزير العدل الإسرائيلي في 2014 حينما قال وقتها إنه “على إسرائيل أن تستهدف النساء الحوامل في عمليات القصف، لأن الزيادة في عدد السكان الفلسطينيين تمثل مشكلة”.
إلى ذلك، قال ديفر في هذا الإطار إنه عندما ننظر من هذا المنطق، فإنه سيكون من الواضح ما الذي كانت إسرائيل تستهدفه بالضبط.
“رغبة القضاء على الفلسطينيين”
وفي توصيفه للهجمات الإسرائيلية على غزة، قال ديفر: “هنا انتقلنا إلى شيء آخر. فلم تعد هذه مجرد جريمة حرب، بل انتقلنا إلى شيء آخر، وهو الرغبة في القضاء على الشعب الفلسطيني من خلال القول: لن تكون في منزلك أبداً”.
وأضاف: “هذا ليس رأيي أو نظريتي، وإنما أتحدث عن سابقة قضائية”.
وأكد المحامي الفرنسي أنه يتم إجراء تحقيق في “الإبادة الجماعية” من أجل الوضع بغزة.
وذكر أن قطع الكهرباء الذي فرض على سكان أراكان في ميانمار، يستخدم معياراً في قضية الإبادة الجماعية بحقهم في المحكمة الجنائية الدولية، مشيراً إلى أنّ قطع الكهرباء والمياه والغذاء عن الفلسطينيين ستنظر فيه المحكمة أيضاً من معايير وجود الجريمة.
وشدّد على أن غالبية القتلى في غزة من المدنيين، وأن الجهود المبذولة لإظهار الفلسطينيين على أنهم “ليسوا بشراً”، والخطابات التي تتحدث عن القضاء عليهم والتشبيه بالنكبة الجديدة تشكل عناصر مادية تدل على أن إسرائيل ارتكبت جريمة إبادة جماعية.
وأوضح أن غامبيا هي التي رفعت قضية الإبادة الجماعية من أجل سكان أراكان، مضيفاً: “لقد تحركنا نحن أيضاً قائلين: (ونحن موجودون من أجل الفلسطينيين)، لأن لدينا مسؤولية لمنع حدوث إبادة جماعية”.