بينما تستعد إسرائيل لتوسيع حملتها العسكرية في غزة، يتساءل فلسطينيون، منهم محروس نصر الله البالغ من العمر 80 عاماً، عما إذا كان سيتبقى لهم أي مكان للاحتماء في هذا الجيب الصغير؛ حيث تحولت أحياء بأكملها إلى أنقاض، وذلك في الوقت الذي عمقت فيه الآليات العسكرية الإسرائيلية توغلها، الأحد، 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في مدينة غزة وشمالي القطاع، في ظل اشتباكات عنيفة مع أفراد المقاومة الفلسطينية خاصة بمدينة غزة.
كان نصر الله في الخامسة من عمره عندما أُجبرت عائلته على الانتقال من مسقط رأسه في بئر السبع إلى غزة خلال النكبة مع التهجير الجماعي للفلسطينيين بعد تأسيس إسرائيل عام 1948. ولا يزال نصر الله يحلم بالعودة إلى بيت الطفولة ذاك في صحراء النقب.
ملجأ جديد داخل غزة!
محروس نصر الله قال: “ودونا على النجب (النقب).. النجب تاخد ملايين البني آدمين ونضل عايشين، أما كل سنة وسنتين يعلمولنا مشاكل وترحيل وضرب وموت.. حياة يائسة”.
لكن التفكير في ملجأ جديد الآن في وسط إسرائيل هو أمل بعيد المنال وميؤوس منه. وتعهدت إسرائيل بالقضاء على حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) التي تحكم غزة بعد أن أرسلت الجماعة المسلحة مقاتلين لاجتياح جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مما أدى وفقاً للإحصائيات الإسرائيلية إلى مقتل نحو 1200 معظمهم من المدنيين.
استشهاد الآلاف في غزة
تقول وزارة الصحة في غزة إن ما لا يقل عن 12300 فلسطيني، من بينهم 5000 طفل، قتلوا منذ ذلك الحين في العملية العسكرية الإسرائيلية التي أعقبت هجوم حماس.
وأدى القصف الإسرائيلي إلى تسوية مساحات واسعة من شمال غزة بالأرض وتهجير نحو ثلثي سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى الجنوب. وزاد تغير الطقس من بؤسهم بعد هطول الأمطار على الملاذات والخيام الواهية.
ويواصل السكان المصابون بصدمات نفسية الترحال منذ بداية الحرب متنقلين بين المستشفيات أو من الشمال إلى الجنوب، وفي بعض الحالات عادوا مجدداً من حيث أتوا.
وربما يؤدي الهجوم الإسرائيلي المتوقع في الجنوب إلى إجبار مئات الآلاف من الذين فروا من مدينة غزة على النزوح مرة أخرى، إلى جانب سكان خان يونس، المدينة التي يتجاوز عدد سكانها 400 ألف نسمة، مما يفاقم الأزمة الإنسانية المؤلمة بالفعل.
لا يوجد خبز في غزة
يتساءل كثيرون، ومنهم ليلى أبو نمر التي انتقلت من مدينة غزة إلى الجنوب، كيف يمكن لعائلتها أن تنجو من الهجوم الإسرائيلي الذي دخل الآن أسبوعه السابع.
وقالت: “لا يوجد خبز، وإذا حصلنا على رغيف نقسمه على الأطفال. يوجد خضراوات، أعطونا خضراوات لكن لا يوجد سبيل لطهيها، لذا لا يستطيع الأطفال أن يأكلوا”.
وأضافت: “عندما ننام كل يوم، يستيقظ الأطفال مذعورين على دوي (الانفجارات). لا يوجد أمان على الإطلاق”.
وقال مصدر إسرائيلي رفيع ومسؤولان سابقان كبيران لـ”رويترز”، إن التقدم الإسرائيلي في جنوب غزة قد يكون أكثر تعقيداً ودموية من الشمال مع تحصن مقاتلي حماس في منطقة خان يونس، وهي معقل للقيادي السياسي في غزة يحيى السنوار.
فيما غادرت نورهان ساق الله مدينة غزة وانتقلت إلى دير البلح، بعد أن حثت إسرائيل الناس على الانتقال إلى الجنوب، وتعيش حالياً مع أسرتها في خيمة.
وقالت “بيهددوا بانهم يطلعوا كل اللي اتهجروا أساساً من غزة للجنوب ومن ضمنهم كمان أهل الجنوب.. في تهديد منهم أنهم بدهم يفضوا المنطقة لدخول بري، فإحنا وين مصيرنا حيكون؟ وين المكان اللي حنقعد فيه؟”.
الاحتلال يعمق توغله في غزة
في سياق متصل، عمقت الآليات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي توغلها، الأحد، في مدينة غزة وشمالي القطاع، في ظل اشتباكات عنيفة مع أفراد المقاومة الفلسطينية خاصة بمدينة غزة.
وحسب شهود عيان فإن قوات الاحتلال الإسرائيلية حافظت على تقدمها لـ3 كيلومترات باتجاه الشرق من مجمع الشفاء الطبي، وصولاً إلى حي الصبرة، والمدخل الغربي لحي الزيتون، جنوبي شرق مدينة غزة.
وفي ذات المحور إلى الشمال من حي الصبرة، وصلت قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى منطقتي مفترق “السرايا”، ومفترق “ضبيط”، على امتداد شارع الجلاء، وسط مدينة غزة.
وذكر شهود عيان أن الآليات العسكرية التابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلية ما زالت تتمركز على مسافة 500 متر من المشفى المعمداني، المشفى الوحيد الذي ما زال يعمل في مدينة غزة.
تقدم للقوات الإسرائيلية في بيت لاهيا
في محور شمالي القطاع، تقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلية من منطقة مفترق “التوام”، في بلدة بيت لاهيا، باتجاه مفترق “الصفطاوي”، شمال مدينة غزة، ومنه توجهت إلى مفترق “أبو شرخ” في شمالي المدينة، وهذا الطريق يوصل مباشرة إلى منطقة الفالوجة، وبلدة جباليا، ومنطقة معسكر جباليا.
وحافظت قوات الاحتلال الإسرائيلية على تمركزها في منطقة مفترق أبو شرخ، ولم تتقدم حتى اللحظة، وفق الشهود.
وبهذا تكون قوات الاحتلال الإسرائيلية المتوغلة حاصرت أحياء مدينة غزة من الجنوب والشمال والغرب، وتتقدم نحو مركزها من تلك المحاور وسط مقاومة متواصلة من الفصائل الفلسطينية، التي تكبدها خسائر في الأرواح والمعدات، وفق بيانات تنشرها على مدار اليوم.
وأشار شهود عيان إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلية دمرت أجزاء واسعة من مناطق شمالي مدينة غزة، في منطقة الصفطاوي، ومنطقة مفترق أبو شرخ، ومنطقة الكرامة.
وأضافوا أن عشرات جثامين القتلى متفحمة وملقاة على الطرقات في مناطق عدة من مدينة غزة وشمالي غزة.
اشتباكات واسعة بين الاحتلال والمقاومة
يأتي ذلك وسط اشتباكات واسعة بين قوات الاحتلال الإسرائيلية والمقاومة المسلحة تدور في مدينة غزة وبلدات بيت حانون وبيت لاهيا وشمالي القطاع. وحسب الشهود، فإن أصوات الاشتباكات تسمع بشكل كثيف في كافة مناطق ومحاور التوغل في مدينة غزة وشمالي القطاع.
ونشرت كتائب القسام، فيديوهات وصوراً مسجلة لعناصرها وهم يستهدفون عدداً من الدبابات والآليات العسكرية الإسرائيلية والجنود المتحصنين في مبانٍ بمدينة غزة، وفي مشفى الرنتيسي للأطفال، في شارع النصر، غربي مدينة غزة.
مشاهد جديدة لعناصر من "كـ.ــ،ـتـ.ـائـ.ـب الـ.ـقـ.ــ،ـسـ.ـا،م" يهاجمون دبابات وآليات إسرائيلية في غزة تظهر ملابس عسكرية لعدد من الجنود الإسرائيليين ومعداتهم العسكرية pic.twitter.com/duJ80tlCKe
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) November 19, 2023