يعيش الفلسطينيون في قرية بورين، التي تقع على بعد حوالي 7 كيلومترات من نابلس في الضفة الغربية المحتلة، تحت وطأة قيود الاحتلال؛ والسبب أن هجمات المستوطنين الإسرائيليين والإغلاقات التي تُفرض بأوامر من سلطات دولة الاحتلال تُكبد الاقتصاد المحلي خسائر هائلة.
تحدث عمران، رئيس مجلس القرية، مع موقع Middle East Eye البريطاني، وقال: “لا نستطيع أن نتحرك، ولا نستطيع أن نعمل، فماذا يمكننا أن نفعل؟ إذا أردت حليباً أو خبزاً، فكيف أحصل عليه؟”.
على مدى أكثر من ستة أسابيع، انزلق ثلاثة ملايين فلسطيني حول الضفة الغربية المحتلة في حالة شلل عميق منذ أن شددت إسرائيل القيود في أراضي الضفة، حينما شنت هجومها العسكري على قطاع غزة المحاصر.
تزايد هجمات المستوطنين
وبينما تتواصل الغارات الجوية على قطاع غزة، كثف المستوطنون الإسرائيليون وجيش الاحتلال الإسرائيلي من غاراتهم الفتاكة ضد الأحياء والقرى والمدن الفلسطينية، حيث قُتل أكثر من 200 فلسطيني حول الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
قال عمران إن مناخاً متوتراً سيطر على قريته، حيث تُغلق المحال والأعمال أبوابها إغلاقاً شبه كلي، ويخشى كثيرون السفر بين المدن، بل وحتى يخشون السفر إلى القرى المحيطة.
وأوضح: “ثمة فقر في كل مكان. لا طعام، ولا رواتب. لدي 12 شيكل [3.20 دولار] في جيبي. المجلس لا يستطيع تحصيل رسوم الكهرباء أو المياه من الناس، لأنهم لا يستطيعون أن يدفعوا”.
وفقاً لعمران، بدأ الوضع يسوء عندما أوقفت إسرائيل إصدار تصاريح للعمال الفلسطينيين، مما أدى إلى فقدان حوالي 500 عامل بناء من قرية بورين وظائفهم.
اتخذت المسألة منعطفاً أشد نحو الأسوأ عندما هددت إسرائيل بتعليق مدفوعات السلطة الفلسطينية، التي تمارس حكماً ذاتياً محدوداً في بعض أجزاء الضفة الغربية.
وأصدر وزير المالية الإسرائيلي القومي المتطرف بتسلئيل سموتريتش تهديداً بعد أن ادّعى أن السلطة الفلسطينية دعمت الهجمات التي شنتها حماس ضد إسرائيل.
وقالت إسرائيل لاحقاً إنها ستستأنف دفع الأموال في الضفة الغربية المحتلة، لكنها ستعلق التمويلات المخصصة لغزة، حيث تساعد السلطة الفلسطينية في تغطية أجور القطاع العام ودفع الكهرباء.
دمّروا 3 آلاف شجرة زيتون
يقول عمران إنه في حين أن عنف المستوطنين تزايدت وتيرته على مدى السنوات، فإن تصاعد العنف الأخير تزامن مع موسم حصاد الزيتون، الذي يكون بين شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني.
تشير التقديرات إلى أن المستوطنين دمروا أكثر من ثلاثة آلاف شجرة زيتون خلال شهر ونصف منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأبادوا البساتين التي كانت تنتقل عبر الأجيال بوصفها إرثاً من الأجداد.
في مبنى المجلس الذي يطل على قرية بورين والمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، يتسهار وهار براخا وجفعات رونين، قال عمران إن هجمات المستوطنين لم تكن ستحدث بدون مساعدة الجيش الإسرائيلي.
وأوضح: “ينظم المستوطنون الهجمات تحت إشراف الجيش. يقطعون الأشجار ويحرقونها ويرشونها بالمواد الكيميائية من أجل قتلها. لن يسمحوا لنا بجمع الزيتون في ثلثي القرية، التي تقع في المنطقة (ج)”.
أضاف: “في كثير من المناطق، سوف يطلق المستوطنون النار علينا إذا جمعنا الزيتون. أحياناً ينتظرون حتى تعمل طوال اليوم، ولا يأتون إلا بعد أن نجمع المحصول بأكمله، فيأخذون الزيتون”.
إغراق الفلسطينيين في الفقر
في بلدة جمّاعين، التي تقع على بعد حوالي 6 كيلومترات جنوب قرية بورين، قال مدير شركة زيتون محلية إن الإنتاج في شركته انخفض بنسبة 40% بسبب هجمات المستوطنين الإسرائيليين والقيود الإسرائيلية.
وأوضح أن البطالة ارتفعت، وأن جانباً كبيراً من هذا يُعزى إلى تعليق تصاريح ما يصل إلى 150 ألف شخص من عمال اليومية، الذين اعتادوا السفر يومياً إلى إسرائيل للعمل.
نظراً إلى أن متوسط الرواتب في إسرائيل يكون ضعف الرواتب محلياً، فقد اعتاد عمال اليومية جلب الكثير من العملة الصعبة التي تشتد الحاجة إليها، إلى الاقتصاد المحلي. والآن يضيف هؤلاء حملاً على كاهل معدلات البطالة المرتفعة، بالإضافة إلى التسبب في انخفاض معدلات الأجور اليومية محلياً.
بدوره، قال محمد سقف الحيط، الذي كان يدير شركة محاماة ناجحة تضم 7 موظفين، إنه أُجبر على خفض ساعات العمل لموظفيه لتصير يوماً واحداً في الأسبوع، لأن النظام القضائي الفلسطيني عُلِّق منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، لأن “الطرق كانت مغلقة بسبب نقاط التفتيش وعنف المستوطنين”.
النشاط التجاري في حكم المستحيل
أما في الخليل، فقال اختصاصي مسح الأراضي مراد نجار، إنه في ظل عدم السماح لأي مركبة بالخروج من المدينة أو دخولها بدون الحصول على موافقة عسكرية، صار النشاط التجاري في حكم المستحيل.
أبرز نجار من محفظته رزمة من الشيكات المرتجعة من بنك فلسطين دليلاً على تعطل النشاط، وقال إنه مع تجميد النظام المصرفي، فإن “كل شيك يُعاد”.
وأوضح: “على مدار الشهر الماضي لم أحصل على أي دخل. لا أستطيع دفع المال للموظفين لدي. ليس لدي المال حتى لدفع فاتورة الكهرباء”.
تشير الأمم المتحدة إلى أن الاقتصاد الفلسطيني -الذي كان تعادل قيمته حوالي 20.4 مليار دولار قبل بداية الحرب- تراجع بنسبة 4% ومن المنتظر أن يتعرض لضربة أخرى هذا الشهر ويتراجع بنسبة 4% أخرى”.
بحسب توقعات الأمم المتحدة، فإذا استمر هذا للشهر الثالث، سيشهد الاقتصاد الفلسطيني انهياراً بنسبة 12%، مما سيؤدي إلى إغراق 600 ألف شخص في وحل الفقر.
في السياق، قال أيمن الشكعة، مدير مركز تنمية موارد المجتمع التابع لبلدية نابلس، إنه في حين أن ارتفاع معدل البطالة مدعاة للقلق، فإن الفظائع التي تتكشف في غزة كانت أشد تدميراً بكثير.
وأوضح في حديثه مع موقع “ميدل إيست آي”: “لا يشكو أحد هنا في الضفة الغربية؛ لأن الموقف في غزة أسوأ بكثير. لا تستطيع أن تصرخ لأنك لا تستطيع تناول الطعام، في حين أن الناس يُذبحون”.ومنذ 46 يوماً يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرباً مدمرة على قطاع غزة، خلّفت نحو 13 ألفاً و300 شهيد فلسطيني، بينهم أكثر من 5 آلاف و600 طفل و3 آلاف و550 امرأة، فضلاً عن أكثر من 31 ألف مصاب، 75% منهم أطفال ونساء، وفق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.