منذ فجر التاريخ شهد العالم العديد من الحروب، منها التي استمرت لسنوات، وأخرى لم تتجاوز بضع ساعات، ما كان يدعو إلى الاتفاق على هدنة بين الطرفين، آخرها الهدنة المتفق عليها بين غزة والاحتلال الإسرائيلي، والتي ستَستمر لأربعة أيام، ابتداءً من 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وصولاً إلى 27 من الشهر نفسه.
ليست هذه الهدنة هي الأطول في التاريخ أو الأقصر، بل هي جزء من سلسلة من فترات الهدنة، خاصة تلك التي حدثت بين فلسطين وإسرائيل، وسنتعرف من خلال هذا التقرير عن أشهر فترات الهدنة من أطول مدة إلى أقصرها.
الهدنة المستمرة منذ الحرب الكورية 1953
في عام 1953، شكلت اتفاقية الهدنة نقطة فارقة في حرب الكوريتين الشمالية والجنوبية، التي بدأت في عام 1950. تم التوصل إلى هذه الهدنة بعد اندلاع الحرب بين الكوريتين، حيث تم التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار بين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، تحت لواء الأمم المتحدة في 27 يوليو/تموز 1953.
كانت الحرب الكورية قد اندلعت في 25 يونيو/حزيران 1950، حين هاجمت كوريا الشمالية جارتها الجنوبية، وتوسعت جبهة القتال بمشاركة الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة والصين. كانت شبه الجزيرة الكورية مقسمة بين معسكرين، الشمالي تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي والجنوبي تحت سيطرة الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة.
على الرغم من وقوع الهدنة وإنهاء الأعمال القتالية، لا تزال الكوريتان في حالة حرب فعلية، حيث إن الهدنة لا تشكل معاهدة سلام رسمية. تهدد كوريا الشمالية بشكل متكرر بالانسحاب من الهدنة، خاصة في فترات تصاعد التوترات.
تم تنفيذ تهديد كوريا الشمالية بالفعل في 27 مايو/أيار 2009، حيث أعلنت عدم التزامها بالهدنة، رداً على مشاركة كوريا الجنوبية في المبادرة الأمنية الأمريكية لمنع انتشار الأسلحة النووية. قبل هذا التطور بأيام، شهدت المنطقة تصاعداً في الأزمة بعد إجراء كوريا الشمالية تجربة نووية ناجحة.
هدنة 12 سنة بين إسبانيا وهولندا
حسب موقع “britannica” البريطاني، تعتبر هدنة الـ12 عاماً الأطول في تاريخ الحروب الأوروبية، كانت هذه الهدنة لحرب دامت 80 عاماً بين إسبانيا والجمهورية الهولندية، تم الاتفاق عليها في مدينة أنتويرب في 9 أبريل/نيسان 1609، وانتهت في 9 أبريل/نيسان 1621.
سمحت الهدنة لفيليب الثالث من إسبانيا بتوجيه موارده في اتجاه آخر، بينما استخدم الأرشيدوق الألبرت وإيزابيلا ذلك لتوطيد حكم آل هابسبورغ، وتنفيذ إصلاح الكنيسة في جنوب النمسا الهولندية.
علاوةً على ذلك، يُشير البعض إلى أن الهدنة لمدة 12 عاماً لم تكن مجرد وقف لإطلاق النار، بل كانت فترة تميزت بتطورات اقتصادية وثقافية ملحوظة.
خلال هذه الفترة، شهدت الجمهورية الهولندية نمواً اقتصادياً وتجارياً مهماً، حيث ازدهرت الفنون والعلوم. كما تأثرت الحياة الاجتماعية بتدفق الأفكار الفلسفية والثقافية، مما ساهم في بناء هوية وطنية قوية للهولنديين.
استؤنفت الحرب سنة 1621 تحت قيادة موريس، ولكن لم تعد لمسة انتصاره كما كانت عليه في البداية، وبدت الجمهورية في خطر عندما سقطت قلعة بريدا الكبيرة على الحدود الجنوبية في عام 1625.
كان الخطر أكبر عندما تحالف الهابسبورغ النمساويين مع أقاربهم الإسبان، إذ كانوا يشنون حرباً ناجحة ضد أعدائهم البروتستانت في ألمانيا في المراحل الأولى من حرب الثلاثين عاماً.
في الوقت نفسه، حققت البحرية الهولندية سلسلة من الانتصارات على الإسبان، بما في ذلك القبض الشهير لبعثة الفضة الإسبانية قبالة سواحل كوبا سنة 1628 وتدمير أسطول إسباني قبالة السواحل الإنجليزية من قبل مارتن ترومب في عام 1639.
في حين بدأت القوى الأوروبية مثل فرنسا في التعامل مع الجمهورية على أنها دولة ذات سيادة، اعتبر الإسبان أنها إجراء مؤقت فرضه الإنفاق المالي والقضايا الداخلية، ولم يعترفوا رسمياً باستقلال هولندا حتى معاهدة ويستفاليا في عام 1648.
هدنة 4 أيام بين غزة والاحتلال الإسرائيلي
بعد حرب دامت أزيد من 40 يوماً بين الاحتلال الإسرائيلي وحماس في قطاع غزة، وذلك بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، والتي أدت إلى استشهاد أكثر من 13 ألف شخص في قطاع غزة، معظمهم من النساء والأطفال.
انطلقت الهدنة يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني على الساعة الخامسة صباحاً بتوقيت غرينيتش، ومن المتوقع أن تستمر لأربعة أيام.
أتت هذه الهدنة الإنسانية بعد توسط كل من قطر ومصر والولايات المتحدة في اليوم الـ49 للنزاع بين إسرائيل وحماس.
وتشمل الهدنة إطلاق عدد من الرهائن الفلسطينيين من سجون الاحتلال؛ إذ من المتوقع إطلاق الدفعة الأولى من الرهائن، المكونة من 13 امرأة وطفلاً، حوالي الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت غرينتش.
فيما سيتم الإفراج عن 50 رهينة في تبادل مع 150 معتقلاً فلسطينياً خلال فترة الهدنة، خلال هذه المدة تزايدت المساعدات المتجهة إلى قطاع غزة المحاصَر، والتي تُعد الأولى منذ بداية النزاع الذي استمر لمدة تقرب من 7 أسابيع.
قبل بدء الهدنة المؤقتة، زاد الجيش الإسرائيلي من استهدافه أماكن متفرقة في القطاع، مما أسفر عن قصف مكثف في مخيم جباليا شمالي القطاع، والنصيرات في المنطقة الوسطى، وخان يونس ورفح في الجنوب، مما أسفر عن سقوط العديد من القتلى والمصابين، بالإضافة إلى استهداف مستشفيات عدة.
هدنة عيد الميلاد.. الحرب العالمية الأولى
حسب موقع “history” الأمريكي تعتبر هدنة عيد الميلاد في عام 1914 لحظة فريدة في تاريخ الحروب، حيث تجلى فيها الإنسانية والتضامن بين الجنود المتورطين في الصراع. بالرغم من أن الحرب كانت قد اندلعت فقط قبل 5 أشهر، إلا أن هذه اللحظة المميزة شهدت تبادلاً إنسانياً بين أعداء الحرب.
في الصباح الباكر، خرج العديد من الجنود الألمان من خنادقهم بدون سلاح، واقتربوا من الجانب الآخر الذي يحتله الحلفاء، مرحبين بأعدائهم بعبارة “عيد ميلاد سعيد” بلغاتهم الأم. في البداية، كان الجنود الحلفاء مترددين و خائفين من أن يكون الأمر خدعة، ولكن عندما شاهدوا الألمان غير مسلحين وودودين، قرروا الخروج من خنادقهم والتحية باليد لجنود العدو.
تبادل الجنود هدايا صغيرة مثل السجائر وكعك عيد الميلاد، وقاموا بغناء أناشيد وأغاني معاً. حتى جرت حالة وثقت رسمياً لجنود من الجانبين يلعبون مباراة لطيفة من كرة القدم على أرض لا رجل فيها.
ومع أن تهدئة عيد الميلاد كانت لحظة جميلة وبسيطة من التفاهم الإنساني، إلا أنها كانت أيضاً إشارة إلى نهاية فكرة الشهامة بين الأعداء في الحروب الحديثة. في عام 1915، انقلبت الأمور تماماً مع اندلاع النزاع الدموي الذي طالما اشتهرت به الحرب العالمية الأولى، وأصبحت فكرة تكرار تهدئة عيد الميلاد أمراً لا يمكن تصوره في سياق تلك الأحداث.
هدنة 2014 غزة
حسب موقع “bbc” البريطاني انهيار هدنة عام 2014 بين الاحتلال الإسرائيلي وفلسطين حدث في سياق تعقيدات متشابكة. الاتهامات المتبادلة بخرق الهدنة زادت من حدة التوتر، حيث تصاعدت العمليات العسكرية من الطرفين، مما أضعف الثقة الضرورية لتحقيق سلام دائم.
فيما ساهم عدم تناول الهدنة للقضايا الأساسية، مثل وضع القدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، أبرز الأسباب في فشل الهدنة وعدم استكمالها الفترة المعلن عنها.
بالإضافة إلى ذلك، لعبت الديناميات الإقليمية دوراً حيوياً، حيث أثرت الاضطرابات الأوسع في الشرق الأوسط على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. تدخل مختلف الجهات الإقليمية ومستويات دعمها المتفاوتة للأطراف المتصارعة أضَافت طبقات من التعقيد.
الأزمة الإنسانية في غزة زادت من توتر الوضع، فعلى الرغم من الجهود الدولية للوساطة، فإن عدم وجود نهج موحد بين الجهات المعنية عرقَل التقدم.
كما أن عدم القدرة على فرض الامتثال وغياب استراتيجية منسقة للتعامل مع أسباب النزاع الجذرية ساهمت بشكل كبير في فشل الهدنة في النهاية التي لم تستمر إلا ساعتين فقط.