غـــــــــــزة

يـــــــــــوم

أخبار

“شريكة في الجريمة”.. كيف تدفع أمريكا ثمن تآكل صورتها في الشرق الأوسط بعد دعمها المطلق لإسرائيل؟

نتائج الثانوية العامة

أظهرت الصفحة الأولى بأكملها، لصحيفة لبنانية هذا الشهر، وجه الرئيس الأمريكي جو بايدن فوق صور الأطفال الفلسطينيين الضحايا، تحت عنوان “الإبادة الجماعية الغربية”. وفي مصر وبعض دول الخليج العربي، أصبحت منافذ ستاربكس وماكدونالدز، وغيرها الكثير من العلامات التجارية الأمريكية، التي كانت تعج بالحركة من قبل، فارغةً بسبب حملات المقاطعة.

وفي بيروت وعمّان وتونس وعواصم عربية أخرى، سار المتظاهرون أمام البعثات الدبلوماسية الأمريكية، وأحرقوا في بعض الأحيان الأعلام الأمريكية، غضباً من الموقف الرسمي الأمريكي الداعم بشكل مطلق جرائم إسرائيل في غزة.

أمريكا شريكة في تدمير غزة وقتل شعبها

تقول صحيفة Washington Post الأمريكية٬ إن وجهة النظر السائدة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط تتلخص في أنه بينما تتولى إسرائيل القتال، فإن هذه حرب أمريكية أيضاً. ومن دون الغطاء الدبلوماسي والذخائر عالية التقنية التي توفرها الولايات المتحدة، فإن إسرائيل لن تكون قادرة على تنفيذ العملية الضخمة التي شنتها في غزة “للقضاء على حماس”، والتي قال مسؤول في الأمم المتحدة هذا الأسبوع إنها تسببت في “مذبحة كاملة ومطلقة”.

وحذّرت جماعات حقوقية دولية، صدمتها صور الأطفال الفلسطينيين المشوهين، أو الشهداء الذين يُنتَشلون من تحت الأنقاض، من أن الرد الإسرائيلي غير متناسب، وربما يشمل جرائم حرب، وهو اتهام ترفضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي. وفي الدول العربية، حيث استمر التضامن مع القضية الفلسطينية لعقود من الزمن، يراقب الملايين القوة الوحيدة التي يرون أنها قوية بما يكفي لوقف إراقة الدماء في غزة، تدافع في المقابل عن المذبحة. إن وقف القتال الذي تدعمه الولايات المتحدة والذي بدأ يوم الجمعة، هو موضع ترحيب بشكل عام، لكنه لا يرقى إلى مستوى الدعوات العربية للولايات المتحدة لدعم وقف العدوان الإسرائيلي بشكل نهائي.

“أمريكا خذلت العالم”

وقالت نهى بكر، الأستاذة المشاركة في العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة: “في لحظة مهمة للغاية من التاريخ، عندما وُضِعَت جميع المبادئ على المحك، خذلت الولايات المتحدة العالم”.

ووصف محللون سياسيون في الشرق الأوسط دعم واشنطن للحرب الإسرائيلية بأنه موقف متهور، لا يأخذ في الاعتبار الآثار الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية طويلة المدى لإبعاد منطقة، حيث يخطو المنافسون، وتحديداً الصين، خطوات أعمق. والأهم من ذلك، كما يقولون، أن “الحرب جرَّدت الولايات المتحدة من أسسها الأخلاقية العالية”، حيث أصبحت مواعظ بايدن لروسيا حول حماية الحياة المدنية في أوكرانيا تتزامن الآن مع تصريحاته الأهدأ كثيراً، بينما تقصف إسرائيل المدارس والمستشفيات في غزة.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وفي المقاهي، وفي كل إصدار مطبوع تقريباً، يعبر العرب عن مزيج من اليأس والغضب تجاه رد الفعل الأمريكي إزاء معاناة الفلسطينيين. وتعزَّز هذا الشعور يوم الثلاثاء، عندما أصدر البيت الأبيض بياناً بشأن صفقة إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين مقابل وقف القتال وإطلاق سراح بعض الأسرى الفلسطينيين.

وقال بايدن عن الأسرى في بيانٍ له: “أنا ممتن لأن هذه النفوس الشجاعة، التي تحمّلت محنة لا توصف، سوف يُجمَع شملها مع عائلاتها بمجرد تنفيذ هذا الاتفاق بالكامل”. ولم يذكر عدد الضحايا الفلسطينيين الذي يزيد على 15 ألفاً، من بينهم أكثر من 6 آلاف طفل، وفقاً لأحدث الأرقام الصادرة عن مسؤولي الصحة في غزة.

حركة المقاطعة المتنامية للمنتجات والمصالح الأمريكية

منذ بداية الحرب، برزت العلامات التجارية الأمريكية باعتبارها المتضرر الرئيسي من الغضب على مستوى الشارع بشأن الدور الأمريكي في الصراع. تتيح منصة تسمى Bdnassh، والتي تعني “بدّناش” أو “لا نريد”، للمستخدمين معرفة ما إذا كانت علامة تجارية معينة مدرجة في قائمة المقاطعة إلى جانب بيتزا هت وبيبسي والعديد من العلامات التجارية الأساسية الأخرى.

تحظى مقاطع الفيديو المؤيدة للمقاطعة بملايين من المشاهدات على يوتيوب وتيك توك وغيرها، مع رسائل مفادها أن الشراء من العلامات التجارية الأمريكية الكبرى يرقى إلى مستوى التواطؤ في قتل الفلسطينيين. وفي أحد مقاطع الفيديو، يتحول الكاتشب إلى دم عندما يقوم رجل بوضعه على بطاطس ماكدونالدز المقلية. وفي صورة أخرى، يتحول كوب ستاربكس باللونين الأخضر والأبيض إلى اللون القرمزي، بينما يتحول شعار حورية البحر إلى هيكل عظمي.

عادةً ما تُضاف العلامات التجارية إلى القائمة لإصدار بيانات مؤيدة لإسرائيل أو بسبب فكرة فرض ضريبة على الأرباح، وبالتالي تمويل الأسلحة الأمريكية المرسلة لتعزيز ترسانة إسرائيل. إن الفروق الدقيقة والأدلة لا تهم كثيراً في المشاعر السائدة في تلك اللحظة، عندما يكون تجنب مشروب الكولا بمثابة ترياق صغير للعجز عن مشاهدة البؤس في غزة.

ويذهب بعض المقاطعين إلى حد الدعوة إلى التشهير العلني بأولئك الذين لا ينضمون إليهم. وفي مصر، ترفع بعض مطاعم ماكدونالدز الآن العلمين الفلسطيني والمصري، إلى جانب تعهدات بالتبرع لغزة. ورغم جهود السيطرة على الأضرار، لا تزال العديد من المطاعم فارغة.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أصدر اتحاد الغرف التجارية المصرية بياناً دعا فيه “شعب مصر الوفي إلى عدم الانصياع لدعوات المقاطعة” لأن الإجراءات تضر بالاقتصاد الوطني، وتؤثر على “رواتب عشرات الآلاف من المصريين الذين يعملون في تلك الشركات”.

تُعد حركة المقاطعة أيضاً وسيلة للشباب العرب للتعبير عن غضبهم بشأن غزة، دون التعرض لحملات قمع المظاهرات العامة التي يفرضها الملوك والحكام المستبدون في المنطقة، الذين يشعرون بالرعب من أن أي اضطرابات يمكن أن تؤدي إلى إشعال التمردات المؤيدة للديمقراطية أكبر مما حدث منذ عقدٍ مضى، كما تقول واشنطن بوست.

لدى العالم العربي الآن “أكبر تكتلٍ للشباب على الإطلاق”، وفقاً للأمم المتحدة، إذ تقلّ أعمار 60% من سكان المنطقة عن 30 عاماً. ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يتواصل الشباب العربي مع الناشطين ذوي التفكير المماثل في جميع أنحاء العالم. وحتى لو لم يتمكنوا من التعبير بصوت عالٍ في انتقاداتهم لأسباب أمنية، فإنهم يعبرون عن آرائهم من خلال ارتداء أساور الأيدي التي تحمل العلم الفلسطيني أو من خلال مشاركة الصور والرموز التعبيرية للبطيخ، وهو رمز شعبي للقضية الفلسطينية اختاره النشطاء بسبب التضييق على المحتوى الفلسطيني على منصات التواصل.

“لا نرسم خطوطاً حمراء لإسرائيل”

قال محمد عبيد، المحلل السياسي المقيم في بيروت والمقرب من حزب الله، إن الولايات المتحدة أصبحت طرفاً في الصراع منذ البداية، من خلال إرسال سفن حربية لدعم إسرائيل قبل إرسال سياسيين أو دبلوماسيين. لقد قاموا بالفعل بتوسيع الحرب.

وأعلن وزير الدفاع لويد أوستن، أنه صدرت أوامر لمجموعة هجومية من حاملات الطائرات بالتوجه إلى شرق البحر الأبيض المتوسط بعد يوم من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. ووصل وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إسرائيل بعد أربعة أيام.

إن تصريح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي بأننا “لا نرسم خطوطاً حمراء لإسرائيل” يُعاد بثه إلى حد الغثيان على وسائل الإعلام الإخبارية الناطقة باللغة العربية. وقال المحللون إن الدعم المفتوح لإسرائيل ليس بالأمر الجديد، لكن البعض فوجئوا بما يعتبرونه خطاباً مناهضاً للفلسطينيين صادراً عن الرئيس نفسه، إلى جانب رفض قبول أي انتقادات بأن رد إسرائيل يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي. وتشكل النساء والأطفال ما يصل إلى 70% من الضحايا وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.

تعرَّض بايدن للسخرية في الشرق الأوسط بسبب تعبيره عن شكوك حول عدد الضحايا الفلسطينيين الصادر عن وزارة الصحة في غزة. وقد أكد باحثون مستقلون ومنظمات إنسانية على دقة هذه الإحصائيات. ونشر بايدن مراراً نقطة حديث للحكومة الإسرائيلية حول قيام حماس بقطع رؤوس الأطفال -وهو ادعاء كاذب يفتقر إلى أي أدلة.

بعد ما اعتبره الكثيرون في المنطقة كراهية صريحة للأجانب، تلك التي ميَّزت عصر دونالد ترامب، قال المحللون، إن انتخاب بايدن كان يُنظر إليه على أنه إعادة ضبط. والآن، يرى كثيرون أن الأمور لا تختلف عن وقت ترامب بل ربما أسوأ.

غضب شعبي يتصاعد يهدد الحكومات الحليفة لأمريكا في المنطقة

تقول الصحيفة الأمريكية، إن هناك مخاوف أخرى تتمثل في أن موقف بايدن يشجع الجماعات المسلحة، التي هاجمت بالفعل أهدافاً أمريكية في العراق وسوريا، ويهدد استقرار بعض الحلفاء العرب الأكثر موثوقية للحكومة الأمريكية. إن دولاً مثل الأردن ومصر والمملكة السعودية جميعها محاصَرة بين حماية مصالحها المشتركة مع الولايات المتحدة والغضب الشعبي الذي يتصاعد مع كل يوم جديد من الأطفال الملطخين بالدماء والمدارس التي دُمِّرَت.

إن المسار البطيء والحساس للتطبيع بين إسرائيل ودول الخليج العربي بما في ذلك المملكة السعودية -وهو نموذج للسياسة الأمريكية في المنطقة- أصبح الآن على المحك. وفي المقابل، شهدت المنطقة توجه وفد من وزراء الخارجية العرب إلى الصين هذا الأسبوع لإجراء محادثات حول كيفية حل أزمة غزة.


شبكة الغد الإعلامية - مؤسسة إعلامية مُستقلة تسعى لـ تقديم مُحتوى إعلامي راقي يُعبّر عن طموحات وإهتمامات الجمهور العربي حول العالم ونقل الأخبار العاجلة لحظة بلحظة.

منشورات ذات صلة