سلط تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية، الإثنين 4 ديسمبر/كانون الأول 2023، الضوء على الأسرى الفلسطينيين الأطفال الذين أفرج عنهم الاحتلال ضمن صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية.
حيث كان نحو نصف الأسرى المفرج عنهم من الصبية الذين تتراوح أعمارهم بين 14 عاماً و17 عاماً، وبرز كثير منهم بقصص تتعلق بالحرمان من حقوقهم، بل وصل الأمر في بعض الحالات إلى الإساءة الجسدية.
من بين هؤلاء الأسرى، نوح بسيسو، الذي أُطلق سراحه في عيد ميلاده السابع عشر، حينما اصطُحب من الزنزانة التي كان يشاركه فيها ثمانية شباب فلسطينيين آخرين في سجن ديمون الإسرائيلي، وأُخذت بصماته وصوره، ثم تساءل عما إذا كانت هذه الإجراءات من أجل عملية نقل غير متوقعة إلى سجن آخر.
لم يسمع الفتى شيئاً عن اتفاقية الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق حركة حماس سراح الأسرى لديها في قطاع غزة، ولم يكن يعرف أن أباه كان في طريقه لملاقاته، أو أن أمه كانت تسرع بتعليق زينة عيد ميلاده، التي لم يعتقدوا أنهم سيحتاجون إلى تعليقها، وفي غضون ساعات، أُفرج عن الفتى وعاد إلى منزله.
“لم أكن أعرف الليل من النهار”
جلس بسيسو في غرفة المعيشة الخاصة بمنزل عائلته، الخميس 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ولم يزل يستفيق من صدمة أنه كان ضمن 240 أسيراً فلسطينياً أُطلق سراحهم من السجون الإسرائيلية خلال الهدنة التي استغرقت 7 أيام.
ومثلما هو الحال مع الأسرى الإسرائيليين البالغ عددهم نحو 100 أسير والذين أطلقت حماس سراحهم قبل استئناف القتال يوم الجمعة 1 ديسمبر/كانون الأول، لم يعلم الأسرى الفلسطينيون أي شيء تقريباً عن المناورة الدبلوماسية التي أُُفرج عنهم بسببها.
كان بسيسو، طالب الثانوية النحيف البارع في مادة الرياضيات، محتجزاً منذ 3 أشهر، وقد قضى غالبية أيامه محتجزاً في حبس انفرادي بلا نوافذ، حيث قال بسيسو: “لم أكن على علم بأي شيء. أحياناً كنت لا أعرف إذا كان الوقت نهاراً أم ليلاً”، بحسب التقرير.
تقول الأمم المتحدة إن الفلسطينيين في الضفة الغربية يخضعون للمحاكمات في المحاكم العسكرية الإسرائيلية التي تقترب معدلات الإدانة فيها من 100%، لكن غالبية الأسرى المفرج عنهم في الأسبوع الماضي لم يدانوا بارتكاب أية جريمة، بل إن بعضهم لم تطأ قدماه قط قاعة محكمة.
في صباح يومه الثاني بعد أن حصل على حريته، جلس بسيسو في غرفة المعيشة أسفل 17 بالوناً، وكان نحيفاً في الواقع على نحو بارز أكثر من الصور المعلقة على الجدار.
الوضع الطبيعي لا يزال يبدو بعيداً
كان يقلب حبات المسبحة بين أصابعه، لكنه لم يتوقف عن النظر إلى أمه وأخته بينما كانتا تتحركان في المطبخ المجاور، وكان آخر اتصال بمنزله في السادس من أكتوبر/تشرين الأول من داخل الزنزانة، وقال الفتى: “أشعر بأني أحاول أن أروي عيني الظمآنتين لرؤية عائلتي”.
وقد ألقي القبض عليه في أغسطس/آب الماضي، بعد أن قال مخبر إنه شارك في تظاهرة في يوليو/تموز عند مدخل قرية العيساوية شمال شرقي البلدة القديمة للقدس.
واتُّهم الشباب والفتية بإلقاء الحجارة وحرق إطارات السيارات، وبينما أنكر بسيسو أنه كان موجوداً، أُدين وكان ينتظر النطق بالحكم عليه، في عقوبة كانت من الممكن أن تصل إلى السجن لسبع سنوات.
والآن صار حراً وأُسقطت التهم ضده، ويأمل بسيسو أن يواصل عامه الآخير في المدرسة الثانوية، وأن يتابع مسيرة مهنية في مجال علوم الحاسوب.
لكن الوضع الطبيعي لا يزال يبدو بعيداً، فعندما وصل إلى بيته في وقت متأخر من يوم الثلاثاء 28 نوفمبر/تشرين الثاني، كانت الشرطة الإسرائيلية متمركزة خارج منزله لمنع أية احتفالات عامة.
حبس انفرادي في زنزانة صغيرة للغاية
قالت منى، والدة الفتى الفلسطيني، إنها أعدت فطوره المفضل من الحمص والكعك، لكن بسيسو، الذي تذكر زملاءه السابقين في الأسر وحصص الطعام الضئيلة التي كانوا يحصلون عليها، دمعت عيناه ولم يأكل إلا القليل.
أضاف بسيسو: “ما زلت أستيقظ كل صباح من أجل الإحصاء”، مشيراً إلى عملية تفقد الأسرى التي تحدث يومياً قبل الفجر.
ومثلما حدث مع الآخرين الذين أُطلق سراحهم في الشهر الماضي، وصف بسيسو منعطفاً مظلماً في ظروف الأسرى بعد عملية طوفان الأقصى، فقد استبعد السجانون القليل من سبل الراحة التي يُسمح للأسرى باستخدامها في الزنازين المكتظة، وضمن ذلك التلفاز والمذياع ومتعلقاتهم الشخصية الأخرى، وقُطعت عنهم المياه كلياً في كثير من الأحيان. وكان الطعام في أحيان أخرى لا يتجاوز الخبز، بل والقليل منه.
وقال بسيسو إنه نُقل أكثر من مرة إلى الحبس الانفرادي في زنزانة صغيرة للغاية، لدرجة أن رأس السرير كان على بعد سنتيمترات من المرحاض. لكنه لا يعرف المدة التي مكث خلالها هناك، ولم تكن هناك أي لمحة للوجود البشري من حوله إلا لليدين اللتين ناولتاه الطعام من خلال فتحة، في حين كان القرآن الكريم هو المتنفس الوحيد له.
“تعرفت عليه بصعوبة”
بدوره، قال مالك ديبة، الذي أُفرج عنه بعد أن بلغ 17 عاماً داخل السجن، إنه كان الأكبر بين زملائه الأسرى البالغ عددهم ثمانية.
أُدين ديبة بإثارة أعمال الشغب ضد القوات الإسرائيلية التي كانت تنفذ غارة في مخيم شعفاط للاجئين في الصيف، بينما أنكر ديبة التهمة.
وحُكم عليه بالسجن لـ33 شهراً، وقال ديبة إن السجن كان مقبولاً عندما كان يُسمح له هو وزملاؤه بدفع المال إلى سجان كي يطهو لهم طعاماً فلسطينياً. لكن توقف ذلك في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما صار الطعام خبزاً وأرزاً غير مطهو جيداً، وتقريباً لم يتناولوا شيئاً أيام السبت، وهو يوم الراحة في اليهودية، حتى إنه فقد 12 كيلوغراماً من وزنه.
قالت أمه نهال ديبة، بينما كانت تجلس بجواره: “تعرفت عليه بصعوبة”، حيث انتظرت أمه وقتاً طويلاً في يوم إطلاق سراحه، ولم يسمح لها باحتضانه طيلة الطريق من مركز الاحتجاز حتى وصلوا إلى المنزل.
وحينها فقط احتضنته هي وأخوه، حيث قادته أمه إلى العائلة وإلى وجبته المفضلة: الشاكرية، التي تُحضر من اللحم والزبادي، وقال ديبة: “أنا محظوظ لأني في المنزل. لكني أعتقد أنهم قادرون على اعتقالي مرة أخرى في أي وقت”.