“السجن!! ما هو السجن؟ جدار إسمنتي طويل وأسلاك شائكة وزنازين صغيرة معزولة عن العالم الخارجي” – الأسير والروائي الفلسطيني باسم خندقجي
منذ ترشيح رواية “قناع بلون السماء” للقائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية، وأصبح كاتبها الأسير والروائي الفلسطيني باسم خندقجي (40 عاماً) قابعاً تحت حملة من التحريض أثارت مخاوف على سلامته فوق المخاوف الموجودة بالفعل حول سلامة الأسير المعتقل سجن عوفر العسكري الواقع شمال الضفة الغربية.
مخاوف على سلامة الأسير والروائي الفلسطيني باسم خندقجي
انتقد نادي الأسير الفلسطيني ما وصفه بـ “الحرب على الرواية الفلسطينية”، إذ اعتبر ذلك نهجاً ثابتاً من الاحتلال الإسرائيلي في مواجهة الوجود الفلسطيني، باستهداف إبداعات الأسرى من خلال مصادرتها وملاحقتها وفرض عقوبات بحق الأسري الذين يتركون بصمة معرفية وأدبية.
الحصول على أحد إنتاجات أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلي يمر برحلة معقدة، حسب نادي الأسير الفلسطيني، الذي أكد أن مسار إخراجها من السجون دائماً ما يشكل تحدياً على مدار عقود.
باسم خندقجي الذي اعتبره نادي الأسير من أبرز الأسرى الذين ساهموا في الإنتاج المعرفي والأدبي عبر عدة روايات وإنتاجات مختلفة خلال سنوات اعتقاله، تعرض لحملة تحريضية تتزامن كذلك مع العدوان الإسرائيلي على غزة المستمر منذ 5 أشهر، بالإضافة لحملات أمنية قمعية وملاحقات يتعرض لها الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.
وصلت المخاوف على الأسير والروائي الفلسطيني باسم خندقجي إلى الخوف على حياته داخل سجن عوفر، كما أكد بيان نادي الأسير الفلسطيني.
يأتي ذلك بعد نشر صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية خبراً بعنوان “الكاتب الفلسطيني الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد في إسرائيل في (هجوم إرهابي) تم ترشيحه لجائزة أدبية عربية رفيعة المستوى”. وأشار الخبر إلى احتمالية حصوله على جائزة بمبلغ 50 ألف دولار إذا فاز بالجائزة.
توصيف “إرهابي” استخدمه بعض المدونين أيضاً على منصات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية، الذين استنكروا السماح له بكتابة الروايات من داخل السجن.
ومع هذا الاحتفاء العربي والهجوم الإسرائيلي، تتخوف عائلة خندقجي أيضاً على سلامة الأسير وأن يتعرض للعزل أو القمع داخل السجن، كما أظهرت مخاوفها من تعرضهم أنفسهم للاعتقال أو اقتحام منزل العائلة بسبب رواية نجلهم، التي خافوا أن يُمنع إدخالها للأراضي الفلسطينية، لطباعتها في بيروت، وللاحتفاء العربي بها بعد ترشيحها للجائزة.
من هو الأسير والروائي الفلسطيني باسم خندقجي؟
خندقجي ابن مدينة نابلس (شمال الضفة الغربية) يقبع في السجون الإسرائيلية منذ نحو 20 عاماً، إذ اعتقل في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، تعرض بعدها لتحقيق طويل وقاس كما وصفه نادي الأسير.
الأسير والروائي الفلسطيني الذي قضى نصف عمره بالسجون الإسرائيلية كان طالباً حينما جرى اعتقاله، حيث كان يدرس تخصص الصحافة والإعلام في جامعة النجاح الوطنية بمدينته نابلس.
اتهم بالمشاركة في عملية سوق الكرمل الفدائية وقتل إسرائيليين، وحكم عليه بالسجن المؤبد ثلاث مرات.
لكنه واصل تعليمه الجامعي ونال شهادتي البكالوريوس والماجستير من داخل السجن. ورغم قضائه معظم فترة شبابه في السجن؛ لكن هذا لم يمنع إبداعه الأدبي.
إذ كتب خندقجي 250 مقالة، كما أصدر ديواني شعر و6 روايات أدبية منها “نرجس العزلة” و”خسوف بدر الدين” و”مسك الكفاية”، بالإضافة إلى روايته الأخيرة المرشحة لجائزة البوكر “قناع بلون السماء”، وجميعها من داخل سجنه. حتى إن بعض أعماله ترجمت إلى اللغة الفرنسية.
رواية “قناع بلون السماء” واستخدام فلسطيني لهوية إسرائيلية ضائعة
تشكل “قناع بلون السماء” مع روايتي “سادن المحرقة” و”شياطين مريم الجليلية” جزءاً من مشروع روائي يُعرف باسم “ثلاثية المرايا” للكاتب خندقجي، الذي بدأ إعداده عام 2020.
تأخذ رواية “قناع بلون السماء” القارئ في رحلة خيالية، حيث تدور قصة الشاب الفلسطيني نور الشهدي، الذي ينحدر من أحد مخيمات مدينة رام الله ويشغله شغفه بعلم الآثار.
أثناء تواجد البطل الشهدي في يافا، يكتشف داخل معطف قام بشرائه من سوق المستعمل هوية إسرائيلية ليهودي يُدعى “أور”، ويقرر استخدام هذه الهوية للانضمام إلى معهد أولبرايت الإسرائيلي للعلوم الأثرية، بهدف كشف الآثار وتسليط الضوء على التاريخ الفلسطيني المنسي والمسروق.
يتابع “أور” بحثه كجزء من بعثة إلى كيبوتس “مشعار هعيمق” الإسرائيلي المُقام على أراضي قرية أبو شوشة الفلسطينية، وتتجدد معركته في إثبات هويته الفلسطينية، ما يُجعل الصراع يتحول إلى صراع ثقافي مستمر مع الاحتلال.
قصة كتابة رواية “قناع بلون السماء” وتسريبها من السجن
وصلت رواية “قناع بلون السماء” إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، في منتصف فبراير/شباط 2024، وذلك لتكون ضمن القائمة المتأهلة في دورتها السابعة عشرة ضمن قائمة شملت سيدتان و3 كتاب آخرين من السعودية، والمغرب، ومصر، وسوريا. وكانت رشحت للقائمة الطويلة منتصف ديسمبر/كانون الأول 2023.
لكن في الحقيقة؛ لم تكن هذه العملية سهلة على الإطلاق كما قال شقيق الروائي الفلسطيني والوكيل الأدبي له يوسف خندقجي، إذ قال في تصريحات لشبكة “الجزيرة” إن الرواية واجهت صعوبات كثيرة، بدأت من إدخال الكتب التي يريدها شقيقه إلى السجن من مكتبة العائلة التي تعد أقدم المكتبات في نابلس وإحدى أشهر المكتبات بإنتاج أعمال “أدب السجون”.
تلتها مرحلة الكتابة في ظل ظروف السجن “القاهرة” والتي استغرقت 6 أشهر، وأيضاً الحاجة لترتيب اللوجستيات التي يحتاجها للتدوين وإعادة النسخ وتهريبها من سجن لآخر خشية المصادرة.
فيما قال شقيق الأسير والروائي الفلسطيني باسم خندقجي إن البحث عن المعلومات التي كتبها شقيقه في الرواية امتد لعدة سنوات في “ظروف صعبة ومعقدة”، وقال في حوار أجراه موقع الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) إن أخاه كان “يتنقل من سجن وآخر بسبب الإجراءات التعسفية التي كانت تمارسها إدارة مصلحة السجون، وكان أحياناً يفقد بعض المعلومات التي جمعها بسبب إتلافها من السجّان”.
كذلك؛ رحلة خروج الرواية من السجن كانت طويلة ومليئة بالعوائق، إذ احتاجت الرواية لوقت طويل في التجميع والتدقيق، فقد وصلت مجزأة عبر البريد الإسرائيلي وأسرى محررين.
تم إصدار “قناع بلون السماء” في عام 2022، في حفل تقديم نظمته السفارة الفلسطينية في القاهرة، وفي معرض مصر الدولي للكتاب في يناير/كانون الثاني 2023، ثم تم الإعلان عنها في البلدة القديمة بنابلس بعد شهرين من ذلك، فيما تم طباعتها بواسطة دار الآداب في بيروت.
لكن الخبر المفرح للأسير وعائلته أن خندقجي عرف خبر ترشيح روايته “قناع بلون السماء” لجائزة البوكر العربية، إذ استمع للخبر من خلال الإذاعات المحلية داخل سجن عوفر.