كشفت مصادر عراقية قريبة من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، لـ”عربي بوست”، 8 فبراير/شباط 2024، أنه قرر الدخول في الانتخابات التشريعية، بشكل منفصل عن قوى الإطار التنسيقي، من خلال تيار الرافدين، إلى جانب حزب سني عراقي جديد يقوده مستشاره لشؤون المحافظات أنور الندى، السياسي السُني.
أكدت المصادر، طالبة عدم ذكر اسمها، أن الحزب الجديد بقيادة الندى، سيُسجل رسمياً بموعد قريب، تحت مسمى “كتلة التيار الوطني”.
حزب سني عراقي جديد قبل انتخابات البرلمان
وقالت إن الحزب السني الجديد المقرب من السوداني سيدخل الانتخابات في 3 محافظات ذات غالبية سنية، هي: نينوى، صلاح الدين، ديالى، لكنها لم تذكر الأنبار من بينها.
بهذا الخصوص، أوضحت أن المحافظات الثلاث لا تخضع إلى هيمنة حزب سني معين، بل إن القوى السنية (تقدم، السيادة، العزم، الحسم) تمتلك نسباً متساوية تقريباً فيها.
أما بشأن تجنب الدخول في محافظة الأنبار، قالت المصادر إن سبب ذلك يعود إلى سيطرة حزب “تقدم” برئاسة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان السابق فيها، وتجنباً لأي خلاف من شأنه أن يتسبب في تفكك ائتلاف إدارة الدولة الداعم الأساس للحكومة الحالية.
تأسس ائتلاف إدارة الدولة في 25 سبتمبر/أيلول 2022، ويمثل الأغلبية التشريعية في البرلمان، كونه مشكّلاً من “الإطار التنسيقي” الشيعي، والحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين، والقوى السنية (تقدم، السيادة، العزم، والحسم)، وحركة بابليون المسيحية.
بحسب القانون العراقي، فإن تأسيس حزب سياسي جديد، يستلزم أن يأتي بما لا يقل عن ألفي عضو عدا أحزاب المكونات (الأقليات)، حيث تحتاج ما لا يقل عن (500) عضو، وأن تكون هذه الأسماء من محافظات مختلفة، لا تقل عن محافظتين، الأمر الذي أكدت المصادر أن الندى قام بتوفيره.
وتتوقع قيادة الحزب السني الجديد، بأن يحقق في المحافظات ذات الغالبية السنية ما لا يقل عن 3 مقاعد في البرلمان المقبل في صلاح الدين وديالى، بالإضافة إلى 10 مقاعد أخرى في نينوى لوحدها.
من المقرر أن تجري الانتخابات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول 2025، أي بعد 3 سنوات من تولي السوداني رئاسة الحكومة، التي خرجت من رحم الإطار التنسيقي القريب من إيران، عقب استقالة الكتلة الصدرية صاحبة الأغلبية البرلمانية بإيعاز من زعيمها مقتدى الصدر.
عين السوداني على مقاعد السُنة
المصادر، بيّنت أن الحزب السني الجديد، سيدخل الانتخابات بوجوه جديدة في معظمها، مع تجنب الشخصيات التي فقدت بريقها في المحافظات السنية، وسيكون التركيز بشكل أساسي في محافظتي نينوى وديالى.
أما في محافظات الوسط والجنوب ذات الغالبية الشيعية، إضافة إلى العاصمة بغداد التي تمثل أبرز ميادين الصراع الانتخابي، فإن السوداني سيقود بنفسه “تيار الرافدين”، بعد أن يضم إليه شخصيات تحظى بقبول واسع، وحققت نجاحاً في الانتخابات المحلية.
من هذه الشخصيات، وفقاً للمصادر، أسعد العيداني محافظ البصرة، ونصيف الخطابي محافظ كربلاء، ومحمد المياحي محافظ واسط، الذين فازوا في الانتخابات المحلية بمعزل عن الإطار التنسيقي، بالتالي تمكنوا من الحصول على ولاية ثانية في مناصبهم.
مصدر من تحالف “الحسم الوطني” السني، أكد لـ”عربي بوست”، أن “السوداني يسعى إلى تحقيق عدد مقاعد كبير في المحافظات ذات الغالبية السنية، التي تعد أهميتها بالنسبة له أولاً بعد العاصمة بغداد، خصوصاً أنها بعيدة عن التنافس الشيعي – الشيعي”.
وقال المصدر ذاته، إن السوداني تواصل مع قوى سياسية سنية حققت فوزاً في انتخابات مجالس المحافظات، واتفق على الدخول معاً في الانتخابات التشريعية المقبلة، وأنه سيوفر لهم الدعم الحكومي لهم.
صراع بسبب الحزب السني الجديد
مصادر قريبة من السوداني، أكدت أن مشروع حزب سني عراقي جديد يواجه اعتراضات داخل قوى الإطار التنسيقي، لا سيما من زعيم ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي، وقيس الخزعلي رئيس حركة “عصائب أهل الحق”.
وقالت إن “العلاقة بين المالكي والسوداني متوترة للغاية، خلافاً لما يعتقد البعض أنهما أقرب اثنين في الإطار التنسيقي، خصوصاً أن رئيس الوزراء يهمش زعيم ائتلاف دولة القانون في كثير من المسائل”، على حد قولها.
أشارت كذلك إلى “تنامي نفوذ الخزعلي في مفاصل الدولة، الذي تتخذ الشخصيات التابعة له قرارات تغضب السوداني في كثير من الأحيان، خصوصاً ما يتعلق بنقل واستبدال عدد من الموظفين، في مراكز مهمة”، وفق المصادر.
توقعت أيضاً أن “تتسبب الانتخابات البرلمانية برفع منسوب التوتر بين السوداني وأطراف الإطار التنسيقي التي تمتلك السلاح، ما قد يصل بالتصعيد إلى أن يكون أمنياً في عدد من المحافظات منها العاصمة بغداد”.
في هذه النقطة تحديداً، علّق المتحدث السابق باسم الإطار التنسيقي، عائد الهلالي، لـ”عربي بوست”، بأن “الإطار يشهد صراعات داخلية وانشقاقات كبيرة جداً، والمؤشر على ذلك غياب زعيم منظمة بدر هادي العامري عن اجتماع عقد قبل 3 أيام لقوى الإطار، نتيجة الخلاف على منصب محافظ ديالى”.
وتابع أن “هناك مشكلات كذلك بين رئيسي الوزراء السابقين نوري المالكي، وحيدر العبادي، بخصوص من سيكون رئيساً للبرلمان، خلفاً للرئيس السابق محمد الحلبوسي الذي أقالته المحكمة الاتحادية في نوفمبر/تشرين الثاني 2023”.
أشار الهلالي إلى أن السوداني جزء من العملية السياسية منذ عام 2003، لذلك يرى أنه “بالتالي، من حقه أن تكون له كتلة أو كيان سياسي يشارك في الانتخابات البرلمانية المقبلة”.
اعتبر كذلك أن “خلافات السوداني مع قوى الإطار التنسيقي، لن تمنع رئيس الوزراء من إقدامه على مثل هذه الخطوة”.
في حين أكد المصدر من تحالف “الحسم الوطني”، أن “السوداني حالياً على غير وفاق مع عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله في العراق، إضافة إلى خلافه مع نوري المالكي، وهذا لن يجعل عملية تحرره من قبضة الإطار التنسيقي أمراً هيناً من دون وقوع صِدامات”، وفق تعبيره.
السوداني والصدر.. قطبان جديدان للقوى الشيعية
السوداني الذي يرأس “تيار الرافدين” المنضوي تحت لواء الإطار التنسيقي الشيعي، يمتلك مقعدين في البرلمان الحالي فقط، كما أنه لم يشارك في الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) التي جرت في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023.
يستعد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة بقائمة انتخابية مستقلة في معظم مدن العراق، منافساً بذلك القوى التقليدية في الساحتين الشيعية والسنية.
المصادر المقربة من السوداني، أكدت أنه يسعى إلى الحصول على نحو 50 مقعداً في الانتخابات المقبلة، مع تراجع حظوظ الإطار التنسيقي بشكل كبير، خصوصاً إذا شارك التيار الصدري في الانتخابات.
أشارت المصادر إلى أن السوداني والصدر في حال مشاركة الأخير بالانتخابات العراقية 2025، قد يستطيعان أن يقودا المكون الشيعي في المرحلة المقبلة، ما يدفع نحو تحالفهما بعد الانتخابات المقبلة، خصوصاً أنهما لا يرغبان بصعود “العصائب” و”دولة القانون” مستقبلاً.
من جهته، قال عائد الهلالي إن “هناك عملية سياسية جديدة في الأفق، بالتالي يحاول ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي تغيير قانون الانتخابات، والعودة إلى نظام الدوائر الصغيرة، لأن هذا يخدمهم أكثر من القانون الحالي الذي يعتمد نظام سانت ليغو 1.7”.
يذكر أن “سانت ليغو” طريقة حساب رياضية تُتبع في توزيع أصوات الناخبين بالدول التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، بتقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.7 تصاعدياً، وفي هذه الحالة، تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز.
بحسب الهلالي، فإن “العملية السياسية الجديدة القادمة سيكون بطلها محمد شياع السوداني، إضافة إلى التيار الصدري، الذي ينوي العودة إلى العمل السياسي بعد عيد الأضحى المقبل، وبالتالي لن يستطيع الإطار التنسيقي التفرد في قيادة الدولة”.
وقال الهلالي: “نلاحظ اليوم أن هناك صراعاً حاداً بين جميع مكونات الإطار التنسيقي، من أجل الحصول على المناصب والوزارات في الحكومة الحالية التي يرأسها محمد شياع السوداني، لكن الأخير لديه حضوره، وهذا يزعج الكتل السياسية التقليدية، لذلك بات البعض منهم يطالبون بضرورة إجراء تعديل في قانون الانتخابات، يقضي باستقالة أي مسؤول في الدولة ينوي المشاركة في الانتخابات بنحو 6 أشهر”.
عن تحالفات السوداني بعيداً عن الإطار التنسقي، لفت إلى أنه “يحظى بدعم من قوى سياسية مختلفة، وحتى من إقليم كردستان أيضاً، خصوصاً أن الزيارة التي يجريها رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني إلى الولايات المتحدة حالياً، واحدة من أهدافها هي ترطيب الأجواء بين الولايات المتحدة ورئيس الوزراء العراقي”.
في 3 مارس/آذار 2024، أكد رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، خلال حديث له في ملتقى “الرافدين” للحوار بالعاصمة بغداد، أن وجود ممثلين عن التيار الصدري في الحكومة والبرلمان مهم لدعم العملية السياسية في البلاد.
وقال السوداني: “نحن نحترم قرار الإخوة في التيار الصدري بالانسحاب حينها، لكن بالتأكيد التيار الصدري قوة سياسية ذات قاعدة ورمزية في الشارع السياسي والشعبي، ومن الطبيعي أن وجود ممثلين لها في الحكومة والبرلمان مهم جداً للجمهور وأيضاً للإسهام في دعم العملية السياسية ونجاحها”.
وخلص رئيس الوزراء العراقي إلى أنه “في السياسة لا يوجد ثابت، الساحة مفتوحة لكل القوى، والتيار الصدري جهة سياسية فاعلة ومؤثرة ولديها جمهور ولديها حضور”.