قال ناشطون ومحامون وأكاديميون إن قادة سياسيين ووسائل إعلام غربية تناقلوا توصيفاً “غير دقيق” لما ورد في تقرير الأمم المتحدة بشأن مزاعم ارتكاب حماس والمقاتلين الفلسطينيين جرائم عنف جنسي، في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما أسفر عن “عاصفة من الدعاية التي تتهم الفلسطينيين بجرائم الاغتصاب الجماعي”، وفق ما نقل موقع Middle East Eye البريطاني.
يأتي ذلك بعدما أصدرت براميلا باتن، الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، تقريراً في 4 مارس/آذار، يبحث في مزاعم العنف الجنسي خلال معركة طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر/تشرين الأول، على القواعد العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات القريبة من قطاع غزة.
جاء التقرير في أعقاب مقالات عديدة نشرتها الصحف الغربية، ورسمت فيها صورة مزعومة عن ممارسة المقاتلين الفلسطينيين جرائم اغتصاب جماعي وعنف جنسي بحق الإسرائيليات خلال الهجوم ذاته، إلا أن منظمات حقوقية وناشطين مؤيدين للقضية الفلسطينية طعنوا في هذه التقارير الغربية، واتهموها بالتحيز للرواية الإسرائيلية للأحداث.
استنتاجات غير موجودة
وفي مراجعة لتقرير الأمم المتحدة كتبت “شبكة التضامن النسوي مع فلسطين”، وهي مجموعة دولية مؤيدة للفلسطينيين “إن التقرير لم يخلص، في واقع الأمر، إلى كثير من الاستنتاجات التي روَّجتها وسائل الإعلام الغربية، بل إن نتائج عدة توصل إليها تقوِّض الرواية الإسرائيلية”.
تقول شبكة التضامن النسوي إنها “مجموعة دولية تتألف من أكاديميين ومحامين وناشطين نسويين مناهضين للإمبريالية والاستعمار، ومعنيين بمكافحة الدعاية الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية، سعياً إلى تحرير فلسطين”.
وتتهم الشبكة الحقوقية وسائل الإعلام الغربية بأنها ضللت الجمهور حين وصفت تقرير ممثلة الأمم المتحدة بأنه “تحقيق” في مزاعم عنف جنسي، في حين أن مكتب الممثلة الأممية ليس مكلَّفاً بالتحقيق في مثل هذه المزاعم، وإنما تقتصر مهمته على “جمع المعلومات”، والمشاركة في “الدفاع السياسي” عن الحماية من جرائم العنف الجنسي في حالات النزاع.
وأشارت الشبكة النسوية المؤيدة للفلسطينيين إلى أن إسرائيل رفضت التعاون مع فريق آخر يعمل تحت إشراف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كانت مهمته التحقيق في الجرائم المزعومة، بل وأصدرت تعليمات للأطباء والعاملين الصحيين الذين عالجوا “ضحايا” هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، بعدم التعاون والإدلاء بشهاداتهم إلى هذا الفريق، بحسب ميدل إيست آي.
التقرير الأممي “دحض” الرواية الإسرائيلية
وكتب النشطاء: “من المفارقات أن غياب أي قدرة أو سلطة تحقيق لدى فريق براميلا باتن هو الذي دفع إسرائيل على الأرجح إلى توجيه الدعوة إليها”، “فهم كانوا يعلمون مسبقاً أن البعثة ليست لديها القدرة -ولا العزم في الحقيقة- على تفحص هذه الادعاءات”.
وقال النشطاء إن إسرائيل أشادت بتقرير الممثلة الأممية وزعمت أنه “تصديق من الأمم المتحدة لادعائها بأن حماس ارتكبت أعمال عنف جنسي منهجية، في 7 أكتوبر/تشرين الأول”، لكن المراجعة تكشف أن التقرير دحض كثيراً من الادعاءات التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية.
فقد فنَّد التقرير ما ورد من ادعاءات في مقال نشرته شبكة NBC الأمريكية، وزعمت فيه أنه عُثر على جثمان امرأة في كيبوتس بئيري و”قد طُعنت بأشياء شبيهة بالسكاكين في أعضائها التناسلية”، وقال التقرير إن فريق بعثة الأمم المتحدة الذي اطلع على الصور “لم يعثر على شيء من هذا القبيل”.
وذكر التقرير كذلك أن شهادات المسعفين وعمال الإنقاذ الذين وصلوا في البداية إلى المواقع التي تعرضت للهجوم تضمنت “تشخيصات طب شرعي غير موثوق بها وغير دقيقة، أطلقها أشخاص غير مؤهلين بالتدريب اللازم”.
ما إن صدر التقرير إلا وتناولته وسائل إعلام غربية كبرى، مثل صحيفة “فايننشال تايمز” و”الغارديان” البريطانيتين، وصحيفة واشنطن بوست، وقالت إنه يقدم “حججاً معقولة” للزعمِ بأن حماس ارتكبت أعمال عنف جنسي، في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
“لم تكن مهمتها التحقيق”
إلا أن “شبكة التضامن النسوي مع فلسطين” أوضحت أن بعثة فريق براميلا باتن “لم تكن مهمتها التحقيق” في المزاعم الإسرائيلية، و”لم تجمع معلومات ولا استخلصت استنتاجات تنطوي على إسناد الانتهاكات المزعومة إلى مجموعات مسلحة معينة”.
واستشهد النشطاء بتصريحات براميلا باتن في مؤتمر صحفي عقدته بعد نشر التقرير، وقالت فيه: إن الأحداث شارك فيها “جهات فاعلة عديدة، منها حماس، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، ومجموعات مسلحة أخرى، ومدنيون، مسلحون وغير مسلحين، ولم أخض في إسناد المسؤولية إلى جهة معنية، لأنه ليس لدي المعلومات اللازمة بشأن التسلسل الزمني المباشر لمشاركة هذه الجهات في الأحداث، ولأني لم أكن أجري تحقيقاً في الواقع”.
في الوقت ذاته، انتقد الناشطون كذلك الاستنتاج الذي أدرجته الممثلة الأممية في تقريرها، وزعمت فيه أن هناك “حججاً معقولة لتصديق وقوع حوادث اغتصاب متعددة، وجرائم اغتصاب جماعي”، وسألوا مستنكرين: “كيف تمكنت من التوصل إلى هذا الاستنتاج إذا كان فريق الأمم المتحدة لم يُجرِ مقابلة مع أي شاهدة نجت من العنف الجنسي [المزعوم]، ولم يعثر على أدلة فوتوغرافية”.
وكتب نورمان فينكلشتاين، وهو خبير في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، في تغريدة على موقع إكس: “ذكرت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة براميلا باتن في تقريرها أن بعثتها اطلعت على 5 آلاف صورة، و50 ساعة من لقطات الفيديو لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، تشمل الصور واللقطات التي زودتها بها الحكومة الإسرائيلية والمتاحة في مصادر مفتوحة”.
وأشار فينكلشتاين إلى أن “الأحراز الرقمية التي استعرضتها الأمم المتحدة شملت كاميرات الجسم [لمن لهم صلة بالأحداث]، وكاميرات القيادة، وكاميرات الهواتف المحمولة الفردية، وكاميرات المراقبة، وكاميرات مراقبة حركة المرور”، ومع ذلك لم تجد دليلاً واحداً على حدوث عنف جنسي.