في حربها المستمرة على قطاع غزة لا تفرق قوات الاحتلال الإسرائيلي بين طفل أو امرأة أو شيخ، ولا حتى بين مَن يعاني من إعاقة؛ حيث سلَّط تقرير لموقع “Middle East Eye” الضوء على معاناة ذوي الإعاقة في قطاع غزة بسبب العدوان.
الموقع البريطاني انطلق في تقرير له، الثلاثاء 12 مارس/آذار 2024، من حالة الفلسطيني عز الدين البنا، البالغ من العمر 40 عاماً، الذي توفي في الحجز الإسرائيلي الشهر الماضي بعد تعرضه للتعذيب على أيدي قوات الاحتلال رغم إعاقته من أجل إبراز معاناة ذوي الإعاقة في قطاع غزة.
تعذيب المعتقلين المعاقين حتى الموت
جيش الاحتلال اعتقل البنا، المصاب بالشلل النصفي من الخصر إلى الأسفل، في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من مبنى حيث كان يبحث عن مأوى في مدينة غزة.
رغم إعاقته، تعرَّض للضرب المبرح والسحل على الأرض من قِبل الجنود الإسرائيليين الذين اعتقلوه. وبحسب أقاربه، فإن الجروح التي أصيب بها أدت في النهاية إلى مضاعفات أودت بحياته في فبراير/شباط الماضي.
يحكي محمد البنا، ابن عم عز الدين الذي كان مرافقاً له خلال عمليات تهجيرهم المتعددة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، قائلاً: “لقد عامله الجنود بوحشية دون أي اعتبار لإعاقته”. وكان محمد، البالغ 30 عاماً، مع عز الدين خلال الساعات الأولى من اعتقاله، وقدم وصفاً تفصيلياً لمعاناة قريبه قبل وفاته.
كما لفت الموقع إلى أن عز الدين كان واحداً من أكثر من 31 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل حتى وقت نشر هذا التقرير.
أضاف أن الغالبية العظمى منهم استشهدوا في قصف عشوائي للجيش الإسرائيلي، لكن العديد منهم استشهدوا أيضاً بنيران القناصة وهجمات المسيرات والإعدامات السريعة والتجويع، وبسبب الضرب والتعذيب مثل عز الدين.
اعتقال عز الدين البنا
يروي محمد أنهم مكثوا في البيت الذي لاذوا به طوال يومين. وفي اليوم الثالث اقتحمت القوات الإسرائيلية المبنى في الفجر. وحتى طلوع الشمس ظلوا يطلقون النار على المبنى والقنابل الصوتية داخله.
ثم اقتحموا المكان وأمروا مجموعة الرجال التي كان عز الدين ضمنها بتقديم معلوماتهم الشخصية. وأمرت المجموعة بمغادرة المبنى بدون كرسي عز الدين المتحرك. فاضطر محمد وقريب آخر لحمله إلى الطابق الأرضي.
كما أضاف: “وأثناء نزول الدرج حاملين عز، رأينا جارنا أبو محمد حميد، مقتولاً وممدداً على الأرض”، كما يروي محمد. وأضاف: “أطلقوا النار عليه؛ لأنه خرج من غرفته بدون إذن”.
قال محمد إن محنته التي استمرت 15 ساعة، وهو جالس على شظايا الزجاج المكسور، كان يتخللها أحياناً جندي إسرائيلي يأتي ليصفعه وإيهاب شقيق عز الدين، على الوجه.
بينما واجه عز الدين، الذي انفصل عن أفراد عائلته، صعوبات إضافية، إذ حرم من الطعام والماء وتعرض للضرب المبرح. وتابع التقرير أن محمد أُطلق سراحه بعد استجوابه ثم أُمر بالسير إلى جنوب قطاع غزة.
أخذ الجنود الإسرائيليون عز بدون كرسيه المتحرك. ولم يتمكن محمد من رؤية المكان الذي أخذوه إليه لأنَّ قناصاً خلفه كان يطلق النار على أي شخص يلتفت وراءه. حتى إن جندياً حذره أيضاً بأنه إذا التفت يسرة أو يمنة، فستُطلق عليه قذيفة دبابة.
إعدامات داخل المعتقلات الإسرائيلية
حسب تقرير “ميدل إيست آي”، فإنه قبل أن تبدأ إسرائيل قصف غزة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت نسبة أصحاب الإعاقات تقدر بأكثر من 2% فقط من مجموع سكان القطاع البالغ 2.3 مليون نسمة.
هذا يعني أن نحو 1 من كل 5 منازل في غزة كان فيه على الأقل فرد في الأسرة معاق، بحسب المكتب المركزي الفلسطيني للإحصاءات.
حيث قال ظريف الغرة، وهو ناشط لحقوق المعاقين في غزة وصديق لعز الدين، إن البنا “كان فريسة سهلة للاحتلال الإسرائيلي. وعندما اقتحم الجيش الإسرائيلي المنطقة التي كان يمكث فيها عز، تمكن جل السكان من الهرب، لكنه لم يتمكن بسبب إعاقته. واعتقل مع أخيه الذي رفض تركه”.
تظهر الأرقام التي حصلت عليها صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية الأسبوع الماضي أن 27 محتجزاً فلسطينياً من غزة ماتوا في ظروف غامضة أثناء احتجازهم في منشآت عسكرية إسرائيلية.
يروي الغرة، الذي تحدث أيضاً إلى محتجزين يتذكرون وصول عز الدين إلى سجن الرملة، أن البنا عومل بقسوة وجره الجنود في الشارع. وقال: “عندما وصل إلى مركز الاحتجاز سُحل إليه، وهو ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة في ساقيه ويديه”.
كما قال صديق قديم لعز الدين إن هذه المعاملة هي التي أدت إلى وفاته، ربما بسبب عدوى التقطها أثناء سحله وجرح مفتوح. وعندما دخل السجن لاحظ رفاقه رائحة كريهة تنبعث من ساقيه بسبب جرح ملتهب لم يعالج.
فيما ناشدوا سلطات السجن مساعدة البنا، لكن طلباتهم رُفضت حتى تدهورت حالته خلال الأشهر التي قضاها في السجن. وقال الغرة: “عندها فقط أرسلوه إلى المستشفى، وتوفي هناك”.