تُظهر استطلاعات الرأي تعادلاً بين مرشح أكبر أحزاب المعارضة الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، ومرشح الحزب الحاكم العدالة والتنمية مراد كوروم، بنسب الفوز بينهما؛ حيث تتساوى وتتقارب في دراسات الاستطلاع قبل 17 يوماً فقط من الانتخابات المحلية في تركيا 2024، ليأتر إثر ذلك تغيير خطة العدالة والتنمية بإسطنبول لاستعادة المدينة.
يأتي ذلك في خضم التنافس الشديد بين إمام أوغلو الذي يسعى إلى ولاية ثانية، وكوروم الذي يعوّل عليه الرئيس رجب طيب أردوغان لاسترداد البلدية التي خسرها حزب العدالة والتنمية في انتخابات مارس/آذار 2019.
في آخر استطلاع للرأي أعلنته شركة “HBS” للأبحاث، جاءت نتائج مسحها في إسطنبول، من خلال إجراء مقابلات مع ألفي شخص وجهاً لوجه في شهر مارس/آذار 2024، حصول إمام أوغلو على 42.3% من الأصوات، بينما حل مراد كوروم في المركز الثاني بــ 40.6%.
وظل معدل التصويت للحزب الجيد عند 5.1%، في حين حصل مرشح حزب الرفاة من جديد على 2.5% من الأصوات، ومرشحة الحزب الديمقراطي ميرال دانيش بيشتاش على 4.2% من الأصوات؛ ومرشح حزب النصر عزمي كارامحمود أوغلو على 2.9% من الأصوات.
أما شركة Gezici Research لاستطلاعات الرأي، فجاء في نتائج استطلاعها الأخير بشأن انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى، حصول مرشح تحالف الجمهور مراد كوروم على 44.1% من الأصوات، بينما احتل مرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو المركز الثاني بنسبة 43.5%.
وبحسب الاستطلاع، فإن نسب التصويت لبقية المرشحين جاءت على النحو التالي: مرشحة حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية ميرال دانيش بيشتاش: 4.1%، ومرشح حزب النصر عزمي كارا محمود أوغلو 3.1%، ومرشح حزب الرفاه ينيد محمد ألتينوز: 2.3%، ومرشح حزب الجيد ساتوك بورا كافونجو 1.7%.
كذلك الأمر في استطلاعات الرأي خلال فبراير/شباط 2024، التي أظهرت تقارباً بفارق بنحو نقطة واحدة بين المرشحين لصالحه أو ضده.
وزراء ونواب العدالة والتنمية إلى الميدان
بحسب الكاتب الصحفي يوجيل كايا أوغلو، المقرب من الحزب الحاكم، في تصريحاته لـ”عربي بوست”، فإنه سيتم اتخاذ خطوات جديدة لمعالجة المشاكل أو أوجه القصور أو الاضطرابات التي تمت مواجهتها في الميدان في حزب العدالة والتنمية، عبر اعتماد تكتيك “الصحافة الميدانية الكاملة”، أي بمعنى زيادة زخم الحزب بجوار مراد كوروم.
كشف كايا أوغلو في تصريحاته، أنه سيتم وفق خطة العدالة والتنمية بإسطنبول تكليف جميع النواب والوزراء بتقديم الدعم للحملة الانتخابية لمراد كروم في إسطنبول.
وبدأ بالفعل الوزراء والنواب بالاجتماع مع مجموعات عملهم والناخبين في مناطقهم واحداً تلو الآخر.
المتقاعدون والاقتصاد
وأضاف الكاتب الصحفي أن أبرز الملاحظات المتعلقة بانتخابات إسطنبول تدور بالدرجة الأولى حول المتقاعدين، ويتم التعبير فيها عن مشكلتين منفصلتين في هذا؛ الأول منهما هو الانزعاج الذي يشعرون به من حقيقة أن الفجوة بينهم وبين أدنى معاش تقاعدي تضيق تدريجياً؛ على الرغم من دفع أقساط مرتفعة، والنقطة الثانية أن المعاش الذي يحصلون عليه لا يغطي نفقاتهم.
مشكلة أخرى ظهرت في دراسات حزب العدالة والتنمية بحسب كايا أوغلو، وكانت الأكثر أهمية هي الوضع الاقتصادي العام، وتكاليف المعيشة بالنسبة للمواطنين عموماً وليس المتقاعدين وحسب.
أوضح الكاتب الصحفي التركي أن خصم العدالة والتنمية الرئيس في هذه الانتخابات هو الاقتصاد، الذي يأتي بالمرتبة الأولى في تركيا ككل، وليس في إسطنبول وحدها، كأبرز المشكلات التي يعانيها منها المواطنون.
على عكس الانتخابات الماضية، يقول كايا أوغلو إن “مشكلة اللاجئين وخاصة السوريين لا يمثلون حالياً مشكلة كبيرة، بسبب خطوات وزير الداخلية علي يارلي كايا، في تقليل إصدار تصاريح الإقامة وإبعاد المقيمين منهم بشكل غير قانوني”.
بحسب معهد الإحصاء التركي، هناك 16 مليون متقاعد في عموم البلاد، من بيهم 11 مليون شخص بدون عمل، فيما يعمل في مهن مختلف 5 ملايين منهم، وهناك 9 ملايين من هؤلاء الـ 16 مليوناً يحصلون على راتب بقيمة 10.000 ليرة تركية.
نائب رئيس مجموعة حزب العدالة والتنمية، محمد أمين أكباش أوغلو، قال في بيان على موقع الحزب، إنهم سيعملون من أجل رفاهية المتقاعدين، وتقليل الفجوة بين معاشاتهم والقوة الشرائية في البلاد.
وقال أكباش أوغلو: “اعتباراً من نهاية يونيو وبداية يوليو، سنشارك الجمهور تقييماتنا التي من شأنها تحسين القوة الشرائية وزيادة القوة الشرائية لجميع الموظفين، خاصة المتقاعدين، وآمل أن نتخذ الترتيبات المتعلقة هذا الخير لكل الشعب التركي”.
وأوضح أكباش أوغلو: “تم إعلان عام 2024 عام المتقاعدين، وسنعمل على زيادة القوة الشرائية للمتقاعدين والوصول بها إلى نقطة أفضل مع جميع موظفينا، ومن المحتمل أن يؤدي البرلمان واجبه مرة أخرى في منتصف أبريل، ومن ذلك التاريخ سنناقش هذه القضايا المدرجة على جدول أعمالنا لتطبيقها في نهاية يونيو”.
بالإضافة إلى الزيادة المستمرة لمعاشات المتقاعدين، بدأت مناقشة زيادة مؤقتة في الحد الأدنى للأجور، وفق تصريحات أكباش أوغلو التي لفتت الانتباه إلى هذه النقطة.
كتب مدير الأخبار في صحيفة “إيكونومي” في أنقرة، حسين غوكجه، معلومات خلف الكواليس حول الزيادة الإضافية، في مقالته التي قدم فيها معلومات يتم التعامل معها وفق قوله.
وقال: “كما تتذكرون، تمت زيادة الحد الأدنى للأجور مرتين في عام 2023، كما في عام 2022، وفي الواقع، ظلت الزيادة في نهاية العام مرتفعة نسبياً، وارتفعت من 11 ألفا و402 ليرة إلى 17 ألفاً و2 ليرة، ومع ذلك، وخلال هذه الفترة التي حصل فيها العمال على راتبين أكثر من الحد الأدنى الجديد للأجور، أي في نهاية الشهرين الأولين تآكل 11.53% من الأجر مقابل التضخم”.
وأضاف الكاتب الصحفي: “من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه المتزايد طوال النصف الأول من العام، ورغم أنه ورد في التشريع أنه سيتم تحديد الحد الأدنى للأجور مرة واحدة في العام، إلا أن تركيا ستبدأ بمناقشة مسألة الزيادة الثانية في الحد الأدنى للأجور من أبريل إلى مايو، سواء في معاشات المتقاعدين أو الحد الأدنى من الراتب”.
أفاد كايا أوغلو أيضاً بأن الحملة الانتخابية التي نفذها حزب العدالة والتنمية لاستعادة المدن الكبرى التي يحكمها حزب الشعب الجمهوري، وخاصة إسطنبول، يتم تحليلها يوماً بعد يوم.
أضاف أن تفاصيل الحملة تتم مناقشتها يومياً في حزب العدالة والتنمية، وأنه يظهر من خلال المناقشات أن السباق بين مراد كوروم وأكرم إمام أوغلو لا يزال متقارباً.
بحسب استطلاعات الرأي، فإن نسبة الناخبين المترددين في إسطنبول تزيد عن 15%، في حين يتوقع أن يصوت نصف الناخبين المترددين لحزبهم أيديولوجياً عندما يتوجهون إلى صناديق الاقتراع، لكن لم يتحدد بعد ما سيفعله الجزء المتبقي.
مطالبات بنزول أردوغان
منذ بدء الحملة الانتخابية للانتخابات المحلية، كشفت وسائل إعلام مقربة من الحزب الحاكم حرص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على ترك الميدان لمرشح الحزب مراد كوروم، من أجل تضييع الفرصة على المعارضة التركية بنقل معركة الانتخابات المحلية إلى مساحة المنافسة المستقبلية المحتملة بين أردوغان وإمام أوغلو.
لم يظهر أردوغان بجوار مرشح حزبه لإسطنبول سوى مرة واحدة؛ حين تم افتتاح خط مترو سيركجي كازليتشاما في مدينة إسطنبول في 26 فبراير/شباط 2024، وذلك منذ تقديمه مراد كوروم للجمهور كمرشح عن حزب العدالة والتنمية الحاكم في 7 يناير/كانون الثاني 2024.
منذ ذلك الحين، يتحرك مراد كوروم مع فريقه على مدار الساعة في مختلف ميادين وشوارع المدينة، ونجح خلال الفترة الماضية بالتقدم بضع نقاط بحسب تصريحاته التي قال فيها: “لقد كنا متأخرين عن منافسنا، والآن نحن في المقدمة بنحو 1.5 إلى درجتين في المئة”، وفق قوله.
مع ثبات وتيرة التقدم التي يحرزها مراد كوروم منفرداً في سباقه الانتخابي، جاءت المطالبات من بعض الكتاب المشهورين بضرورة نزول الرئيس التركي إلى الميدان، من أجل دعم كوروم في مسيرته داخل المدينة الأهم بالنسبة للحزب الحاكم في الانتخابات القادمة.
تقدم رئيس تحرير جريدة “حرييت” أحمد هاكان، بهذه المطالبات، قائلاً: “قبل 3 أشهر سُئلت: هل يجب على أردوغان أن يشارك في انتخابات إسطنبول؟ قلت سيكون من الأفضل ألا يتدخل على الإطلاق، ومع ذلك، عند نقطة “التعادل” الأخيرة هذه، أفكر الآن بشكل مختلف”.
أضاف هاكان في مقاله اليومي في الصحيفة الموالية للعدالة والتنمية: “أقول إن على أردوغان أن ينزل إلى الميدان في إسطنبول، وينبغي عقد المسيرات في مناطق المدينة منطقة تلو منطقة، ويجب عليه إظهار هوية مولده في منطقة البحر الأسود، لمنع هروب الأصوات من حزب العدالة والتنمية، وينبغي له أن يستغل خبرته في الفوز بالانتخابات لتوحيد ناخبي الحزب بالمدينة”.
“عمل لا يتوقف”
بحسب نائب رئيس حزب العدالة والتنمية لشؤون الانتخابات، علي إحسان يافوز، فإن اللجان المختصة في الحزب تعمل على مدار الساعة ما قبل بدء التقديم للانتخابات وحتى في ظل التطورات الحالية.
أضاف يافوز في لقاء على قناة “A HABER” أنهم قاموا بمسح 81 مقاطعة خلال شهر ونصف، عبر إجراء استطلاع للأسماء أثناء عملية اختيار المرشحين، وظهر فيها حزب العدالة والتنمية متقدماً بحد أدنى نقطتين في هذه الاستطلاعات.
عن اتجاه التصويت بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، قال إنه يتجه نحو مكان أكثر إيجابية مع مرور كل يوم، متوقعاً أن الحزب في الانتخابات المحلية عام 2024، سيحمي المدن التي يسيطر عليها بالفعل، إضافة إلى الفوز بالعديد من البلديات في المناطق الهامة.
عثمان نوري كاباكتبي: الهدف 30 بلدية
من جانبه، قال عثمان نوري كباكتبي رئيس حزب العدالة والتنمية في إسطنبول إن الحزب يعمل على مدار الساعة من أجل الفوز ببلدية إسطنبول الكبرى، إلى جانب 30 بلدية داخل المدينة من أصل 39، هي إجمالي عدد بلديات إسطنبول الكبرى.
في تصريحات صحفية قال كباكتبي إنهم لا يتوقفون عن زيارة بلديات إسطنبول المختلفة على مدار الساعة، وإن كوادر وعناصر الحزب يزورون أسبوعياً قرابة 400 ألف أسرة، مشيراً إلى أهمية هذه الأعمال لتحقيق الفوز الذي يسعى إليه الحزب.
خطة العدالة والتنمية بإسطنبول.. “الهدف إسنيورت”
الطريق إلى الفوز بمدينة إسطنبول يبدأ من منطقة إسنيورت الأكثر كثافة سكانية، ولذلك حدد حزب العدالة والتنمية هذه البلدية كمنطقة رئيسية في انتخابات إسطنبول.
ترى مصادر الحزب أنه إذا دعم ناخبو حزب “الجيد” الذين حصلوا على 5.7% من الأصوات في إسنيورت، حزب العدالة والتنمية أو مرشحيه، فإن فرص فوز تحالف الجمهور ستزداد.
تتحدث المصادر عن دراسة خاصة أعدها الحزب لمنطقة إسنيورت في إسطنبول، وهدفه هو توجيه 5.7% من الأصوات التي حصل عليها الحزب الجيد في الانتخابات الرئاسية لعام 2023 إلى حزب العدالة والتنمية أو مرشحيه.
يبلغ عدد الناخبين في إسنيورت 650 ألف ناخب، وهناك 100 ألف ناخب منهم لم يدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية 2023.
في الانتخابات الرئاسية الماضية حصل مرشح تحالف الأمة المعارض كمال كليجدار أوغلو على 54.04% من الأصوات، بينما الرئيس رجب طيب أردوغان على 45.96%.
وتسعى دراسة الحزب إلى سدَّ هذه الفجوة، وزيادة أصوات حزب العدالة والتنمية في أكثر مناطق إسطنبول اكتظاظاً بالسكان، وبأصوات الناخبين.
الانتخابات الأخيرة
فاجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأتراك بتصريحه الذي قال فيه إن “هذه الانتخابات هي الأخيرة التي أخوضها، إلى حين تسليم الراية إلى إخواني بعد انتهاء فترتي الرئاسية الحالية”.
تصريح الرئيس التركي رآه البعض محاولة للحفاظ على ناخبي حزبه خلال الفترة الرئاسية الحالية، كنوع من الوفاء للرئيس الذي قاد السياسة التركية لسنوات طويلة وسط دعم شعبي متواصل.
في مواجهة هذه الخطوة، قال مرشح المعارضة التركية لرئاسة بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو: “إنهم يريدون استخدام الخطاب العاطفي من أجل التأثير في الناخبين، وإثارة العاطفة نحو شخص معين يؤدي دوره من خلال الدستور”، مطالباً ناخبي إسطنبول “بضرورة الانتباه إلى تلك التصريحات”.
انتخابات غير محسومة في إسطنبول
من جانبه، يرى رئيس شركة أوبتيمار لدراسات الرأي أن الخطوات التي يقوم بها حزب العدالة والتنمية يمكن أن تنفع في المدن الكبرى، ولكن هناك العديد من البلديات حالياً في تركيا وكأنها لا توجد بها انتخابات.
أضاف داشديمير في تصريحاته لـ”عربي بوست”، أن هذه الانتخابات يمكن القول عنها إنها انتخابات إسطنبول وأنقرة، والحديث مع كل المواطنين في استطلاعاتنا يظهر ذلك، إلى جانب بعض المدن الأخرى التي تشهد منافسة ما.
يرى رئيس شركة أوبتيمار أن استمرار مراد كروم في خطواته كمرشح تكنوقراط في ظل الحراك السياسي الذي يتحرك به منافسه إمام أوغلو، سيصب بصورة كبيرة في زيادة فرصه، خاصةً في ظل حالة التكامل بين مركزية الحزب وكوادره في إسطنبول.
لكن داشديمير يرى أن المنافسة رغم كل هذه الخطوات لا يمكن حسمها، ولا القطع بها، لتحقيق الفوز في ظل التقارب بين المرشحين، وفي ظل إمكانية تأثير بعض الأحزاب الصغيرة على نتائج الانتخابات في إسطنبول، خاصةً حزبي الرفاة من جديد والديمقراطية والمساواة الشعبية.
وكشف داشديمير في تصريحاته لـ”عربي بوست” عن نتائج آخر استطلاع رأي قامت به شركته حول الانتخابات في مدينة إسطنبول، ويتقدم فيه إمام أوغلو بمقدار نقطتين بحسب رئيس شركة “أوبتيمار” لاستطلاعات الرأي، ويأتي بعده في المركز الثاني مراد كروم.
يشار إلى أن انتخابات البلدية في تركيا 2024، ستعقد في 31 مارس/آذار، بعد انتخابات الرئاسة والبرلمان التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية أمام تحالف المعارضة الذي تفكك بعد هزيمته.