يثير القصف العنيف الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على منازل المدنيين في غزة، والتهجير الإجباري الذي يفرضه على السكان للتوجه إلى الجنوب، احتماليةَ أن يعبر اللاجئون الفلسطينيون الحدود مع مصر، إذ تُشير بعض الدلائل من جنوب القطاع إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين باتجاه مدينة رفح، وإنشاء مدن خيام بالقرب من الحدود المصرية.
صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، قالت الأربعاء 6 ديسمبر/كانون الأول 2023، إن الخوف يكمن في أن يزداد تدفق اللاجئين، بحيث تضطر مصر إلى السماح لهم بعبور حدودها، أو أن يعبر اللاجئون الحدود رغم معارضة الحكومة المصرية.
في الجزء الجنوبي من قطاع غزة يعيش مئات الآلاف من اللاجئين الذين قدموا من الشمال الذي يتعرض لقصف مكثف، والعديد منهم من مدينة غزة، وهُجّر بعضهم بالفعل من مناطق مختلفة عدة مرات، ولم يعد أمامهم الآن أي منطقة آمنة يفرون إليها.
تقول سيدة من سكان حي الزيتون في غزة، وتقيم في خيمة في رفح، إن هذا هو النزوح الثالث لها، وأضافت: “انتقلت من منزلي إلى مدرسة تابعة للأونروا، ثم توجهنا إلى وسط قطاع غزة، ونحن الآن هنا في رفح، لا أعرف إلى أين يوجهوننا، أين الزعماء العرب؟ ولماذا العالم صامت؟”.
كذلك قال أحد سكان مدينة غزة إنه هُجّر مع أفراد عائلته من غزة إلى وسط القطاع، ومن هناك إلى منطقة خان يونس، والآن باتجاه رفح، وشوهدت يوم الإثنين 5 ديسمبر/كانون الأول 2023، مخيمات للاجئين تؤوي آلاف العائلات الفلسطينية تعيش في خيام في مناطق مفتوحة في منطقة رفح.
كان الاحتلال الإسرائيلي قد قصف يوم الإثنين الماضي عشرات الأهداف في خان يونس ورفح، بالإضافة إلى دير البلح وسط قطاع غزة، حيث قُصف مبنى سكني تقطنه عدة عائلات، وشوهدت عشرات الجثث في مقاطع فيديو من مكان الحادث.
تقول الفرق الطبية في المدينة إن القصف أدى إلى استشهاد ما لا يقل عن 45 شخصاً وإصابة العشرات، بعضهم في حالة حرجة، وفي خان يونس أيضاً تحدثت مصادر طبية عن سقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى، جراء الهجمات الإسرائيلية في مختلف أنحاء المدينة.
بدورها، قالت وزارة الإعلام التابعة لحركة “حماس”، إنه منذ استئناف القتال مطلع الأسبوع، استشهد 1248 فلسطينياً في هجمات على منازل سكنية، وإن الكثير منهم لا يزالون عالقين تحت الأنقاض.
من جانبهما، قال خبيران في قوانين الحرب إنهما لم يلحظا أي تغييرات تُذكر في الطريقة التي تدير بها إسرائيل حربها في غزة في الأيام الأخيرة، رغم تحذيرات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بضرورة بذل جهود أكبر لمنع إلحاق الضرر بالمدنيين.
يرجع ذلك أساساً إلى أن التحذيرات التي تنشرها قوات الاحتلال للمواطنين لإخلاء المناطق الخطرة لا جدوى منها، لأنه بالنظر إلى أبعاد الهجوم لا وجود لمكان آمن فعلياً في غزة.
بريان فينوكين، المستشار القانوني السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، والمستشار الحالي للبرنامج الأمريكي لمنع إراقة الدماء في الحروب التابع لمجموعة الأزمات الدولية، قال: “لا أرى أي اختلاف في نشاط إسرائيل بعدما استأنفت حملتها يقلل مخاطر إيذاء المدنيين”، وفقاً لما أوردته “هآرتس”.
كان الاحتلال ومنذ استئناف إسرائيل القصف قد نشر خريطةً على الإنترنت تقسم غزة إلى مئات المناطق الصغيرة، ومنذ ذلك الحين تنشر مصادر عسكرية إسرائيلية على شبكات التواصل الاجتماعي المناطق التي على سكان غزة إخلاؤها والمناطق التي عليهم أن يذهبوا إليها.
لكن الكثير من سكان غزة لا يتمكنون من المرور إلى الخريطة أو الاتجاهات التي ينشرها الاحتلال على شبكة الإنترنت، لأن الكهرباء مقطوعة وخدمات الإنترنت والهاتف المحمول تعمل بصعوبة شديدة، وبعض من التزموا بالتعليمات وجدوا أنفسهم في مناطق مزدحمة بلا مأوى ولا خدمات.
يقول عمر شاكر، مدير منظمة “هيومن رايتس ووتش” في المنطقة، إنه رغم أن التحذيرات وسيلة مهمة لحماية المدنيين “فلا طريق آمناً فعلياً ولا مكان آمناً في غزة، لذا حتى لو قالوا إن هذه المنطقة آمنة نسبياً فالواقع يقول إن الغارات الجوية مستمرة في جميع أنحاء غزة”.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، يشنّ الجيش الإسرائيلي حرباً مدمرة على قطاع غزة، خلَّفت حتى مساء الثلاثاء 16 ألفاً و248 شهيداً، بينهم 7112 طفلاً و4885 امرأة، بالإضافة إلى 43 ألفاً و616 جريحاً، فضلاً عن دمار هائل في البنية التحتية و”كارثة إنسانية غير مسبوقة”، بحسب مصادر رسمية فلسطينية وأممية.