انتشرت في ديسمبر/كانون الأول 2023 صورة لإحدى الفظائع التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في حربها على غزة، وهي صورة لشاحنة مكشوفة حُشر على متنها عشرات الرجال الفلسطينيين مقيدين ومعصوبي الأعين ومجردين من ملابسهم، وزاد الصورة إيلاماً أن ظهرت فيها امرأة غزية معصوبة العينين، وقد بدت على المختطفين جميعاً آثار البرد والجوع والكرب.
امرأة غزية معصوبة العينين
هديل الدحدوح أم لطفلين، وقد كانت المرأة الوحيدة التي اختطفها جنود الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحام حي الزيتون في مدينة غزة أواخر 2023.
تحدث موقع Middle East Eye البريطاني في تقرير نشره يوم الجمعة 29 مارس/آذار 2024 إلى هديل في رفح بعد الإفراج عنها من احتجازها الطويل، وقد قالت إن القوات الإسرائيلية اختطفتها وزوجها وأصهارها وجيرانها، وحقنتهم بمواد مجهولة، وأخضعتهم لاستجوابات مطولة وعنيفة، وعذَّبتهم بالترهيب والإيهام بالإعدام.
روت هديل ما تعرضت له، وهي تختنق بالدموع، ولا تزال ترتدي نفس “ثوب الصلاة” الذي كانت ترتديه عندما اعتقلتها قوات الاحتلال، ثم فاضت عيناها بالدموع وهي تتحدث عن الإهانات التي تعرضت لها.
وقد وافقت شهادتها، التي روت فيها وقائع احتجازها في غزة وإسرائيل، شهادة معتقلين آخرين اختطفتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد اجتياحها البري للقطاع.
تفاصيل اعتقال السيدة الفلسطينية
قالت هديل لموقع MEE إن محنتها المروعة بدأت عندما حاصرت القوات الإسرائيلية منطقتها بالدبابات والمدرعات، ما اضطرها وعائلتها -المكونة من زوجها وأطفالها، وأصهارها، وفردين من عائلة المغربي- إلى التحصن بركنٍ من منزلهم الصغير، فقد “كنا نحتمي في الطابق السفلي حين قصف الجنود الإسرائيليون أحد الجدران واقتحموا المنزل، وأخذونا جميعاً إلى الخارج وفصلوا الرجال عن النساء”.
وتابعت هديل: “ناداني أحد الضباط وقال: (تعالي إلى هنا، سنُجري فحصاً لك)، وسألته عن نوع الفحص، فأخبرني أنه سيكون فحصاً صغيراً على يدي، وأنني سأعود إلى طفليّ بعدها”. وقالت هديل إنها قبل أن تغادر قبو منزلها، سلَّمت ابنها محمد البالغ من العمر 4 سنوات، وابنها زين البالغ من العمر 9 أشهر إلى حماتها.
ورت هديل: “أخذنا الجنود الإسرائيليون بعد ذلك إلى منزل آخر أُخلي من سكانه في حي الزيتون. وما إن دخلنا المنزل حتى بدأوا بضربنا وتعذيبنا”، و”أبقونا هناك بعض الوقت، ثم أتى جندي، وحقن الرجال بحقنة مهدئة [أو شيئاً من هذا القبيل] في أسفل ظهورهم. فبدأوا بالهلوسة بعد مدة وجيزة ولم يكونوا بوعيهم الكامل. ولم يخبرنا الجنود بما أعطوه لهم. ولكني خمنت أنه مهدئ، لأنني خضعت من قبل لعملية ولادة قيصرية، وحُقنت بحقنة مهدئة أصابني أثرها بالهلوسة أيضاً”.
ثم أجبر أحد الجنود هديل على وضع رأسها على الأرض وذراعيها مقيدتين خلف ركبتيها، وكشفوا ظهرها، وحقنوها بمادة ما في موضع قريب من الحبل الشوكي، و”أرغموني على الجلوس على هذه الحال مدة تزيد على ساعة، ومنعوني من التحرك. فإذا بدرت مني حركة، كانوا ينهالون عليَّ بالضرب. وسألتهم ماذا ستفعلون بي لكنهم لم يجيبوني. بل كانوا يشتمونني”، “فكنت أبكي وأتوسل وأقول: أقسم بالله أنني لست كذلك، أنا مواطنة عادية مثل بقية الناس”، وأظن أنهم “أخذوا عينة دم من جسدي”.
وقالت هديل إن الجنود الإسرائيليين حققوا معها، هي والرجال المختطفين، بشأن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وسألوهم عما كانوا يفعلون حين اقتحم مقاتلو حماس السياج العازل وهاجموا القواعد العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات القريبة من غزة، و”كان [أحد الجنود الإسرائيليين] يسألني وهو يضربني بقوةٍ على ظهري وساقي. وكان القيد البلاستيكي الذي كان على يدي شديد الضيق، ويؤلمني كثيراً، فطلبت منه أن يفكه قليلاً، إلا أنه زاد من تشديد ضيقه”.
مئة معتقل أمام المحكمة
أوضحت هديل: “احتجزونا في هذا المنزل ليلة واحدة. ونقلونا في الصباح إلى مكان آخر قالوا إنه المحكمة الشرعية. وكان هناك أكثر من مئة معتقل. وضعوني بين الرجال وبدأوا في ضربي وإلقاء أشياء على وجهي لإخافتي”.
وقالت هديل إن القوات الإسرائيلية حفرت لهم في اليوم الثالث ما بدا لهم أنها حفرة، وألقت بها مع عشرات الرجال الآخرين فيها، “فأخذت أبكي وأصرخ، وأسأل: ماذا تفعلون بنا؟ فقال لي أحد الضباط: (سأدفنك حية). وقلت له: أطلقوا النار علينا مباشرة، هذا أفضل من تعذيبنا بهذه الطريقة”، لكنه “انهال عليَّ بالضرب والسب، ثم نزع حجابي، وكنت أبكي، وشعرت بسقوطي” في الحفرة، و”كنت معصوبة العينين، ولكنني استطعت الرؤية قليلاً من خلال العصابة التي كانت على عيني. فرأيتهم يأخذون زوجي، ويطرحونه أرضاً بالقرب من دبابة، وتظاهروا بأنهم سيدهسونه. ثم سمعت طلقتين ناريتين، وقال لي جندي: (لقد قتلت زوجك)”.
الدفن تحت الرمال!
قالت هديل إنها حسبت بعد ذلك أن زوجها مات. وظلت على مدار الـ 54 يوماً التالية تظن نفسها أرملة. ولم تدرك إلا بعد إطلاق سراحها أن زوجها لا يزال على قيد الحياة وأن الجندي أوهمها بإعدام زوجها.
وقال هديل إن الجنود دفنوها مع بعض الرجال تحت غطاء من الرمال، وأبقوهم في الحفرة بعض الوقت، ثم أخرجوهم ونقلوهم إلى مركز احتجاز، وبعد ذلك بوقت قصير، أركبونا الشاحنة العسكرية الإسرائيلية التي ظهرت في الصورة المنتشرة، و”كنت المرأة الوحيدة بين عشرات الرجال”، و”أخذونا إلى حدود غزة، ورأيت 3 نساء أخريات من عائلة أبو زور. وتركونا 3 أيام بلا أي طعام”.
وأشارت هديل إلى أن قوات الاحتلال نقلتهم بعد ذلك إلى مركز احتجاز في القدس، وفتشوهن بعد نزع الملابس عنهن، وصادروا متعلقاتها، و”أخذوا كل ما كنت أحمله من مال، والذهب الذي كنت أحتفظ به في جواربي، وبطاقة هويتي وهاتفي المحمول”، “ثم استجوبوني مرة أخرى بشأن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، وسألوني عن مكان وجود [زعيم حماس] يحيى السنوار”. “ثم وضعونا في زنزانة تشبه قفص الحيوانات. فكان المطر يهطل علينا والجو شديد البرودة. وكانوا يضربوننا ويُعذبوننا يومياً، من نحو الساعة 4 صباحاً حتى 10 مساءً”، و”كانوا يجبروننا على الجلوس في وضع السجود، ولا يسمحون لنا بالتحرك أو تغيير وضع أجسادنا”.
وتقول هديل إن القوات الإسرائيلية نقلتها بعد ذلك إلى مركز احتجاز في بئر السبع، وتعرضت هناك أيضاً للضرب والتعذيب والركل على جرح بطنها من أثر عملية الولادة القيصرية. ثم نقلت إلى سجن الدامون في إسرائيل، وتعرضت للتعذيب هناك 6 أيام. ثم نقلوها أخيراً إلى معبر كرم أبو سالم عند السياج الفاصل مع غزة.
وقال هديل: “لقد تركونا هناك وأمروا بالتوجه نحو غزة وألا نلتفت وراءنا”، فيما تواصل موقع Middle East Eye مع جيش الاحتلال الإسرائيلي طلباً للتعليق، لكنه لم يتلق رداً حتى وقت النشر.